في جلسة ضمت صديقات من دول عربية أخرى تجاذبنا فيها أطراف الحديث عن لهجاتنا الدارجة، وكيف ينظر إلى كثير من كلماتها على أنها عامية لمجرد أن العامة تتداولها رغم فصاحتها، وأبدت إحداهن إعجابها بكثير من التعبيرات التي تجري على ألسنة الجيل السابق عندنا لقوة ارتباطها باللغة الفصحى، وهو ما يدل على ضيق الفجوة بين تلك اللهجات، وبين الفصحى في الماضي واتساع المشترك في الألفاظ بينهما، مقارنة بما يحدث الآن بين الشباب بسبب ضعف انتقال الرصيد المعجمي بين الأجيال، وكثرة التهجين الناتج عن إدخال ألفاظ واستعمالات من لغات أخرى، أو الاشتقاق منها. إن البحث في هذا الموضوع ممتع ومفيد، لذلك أحببت أن أسوق بعض الكلمات المتداولة في عاميتنا ولها أصل فصيح كما ورد في المعاجم : - مرة: أي امرأة، وينسب إليها مرتي. - يقال: فلانة سنعة، وفي اللغة يقال: امرأة سنيعة: جميلة لينة العظام لطيفة المفاصل كاملة الخلقة، والجذر سنع يفيد الطول والرفعة والوفرة والحسن، يقال: سنَّعه بتشديد النون رقاه ورفه عنه وأحسن إليه. - امرأة راكدة: هادئة من الركود وهو السكون، يقال: ماء راكد أي ساكن. - في زينة الشعر يقال: فلَّت شعرها: أي جعلته منثورا. - قُصة بضم القاف: شعر الناصية المقصوص من مقدمه بمحاذاة الناصية. - قُذلة بضم القاف مأخوذة من القذال، وهو جماع مؤخر الرأس ويراد به عكسه. - أعرس فلان :أي اتخذ عرسا، وأعرس بأهله إذا بنى بها. - بنت فهره: أي لا تستحي، مأخوذة من الفهر وهو الحجر، والحجر لا حس فيه. - تحوف فيها: تخدمها وتهتم بها، يقال: حف القوم بسيدهم. - شوية: قليل. بتسكين الشين وفتح الواو، يقال الشواية بضم الشين وتشديدها: الشيء القليل من الكثير، يقال ما بقي من المال إلا شواية. - ادني: اقتربي، من الدنو والاقتراب. - يقال: اليوم الحر أشوى: أي أهون يقال:هذا كله من إشواء الرامي، وذلك إذا رمى ولم يصب المقتل، فيوضع الإشواء موضع الخطأ والشيء الهين. - ريِّض: بتشديد الياء بمعنى باقي متسع من الوقت، يقال: استراض المكان: اتسع. - متغربل: أتته المصائب من كل مكان، وفي الحديث: كيف بكم إذا كنتم في زمان يغربل الناس فيه غربلة؟ أي يذهب خيارهم ويبقى أراذلهم. هذه الأمثلة غيض من فيض، ولا يزال برأي اللغويين الكثير من الكلمات التي تحتاج إلى بحث أعمق للكشف عن علاقتها باللغة الأم، بل يرى بعضهم أن هناك كلمات عربية لم تعد تستخدم في الفصحى وبقيت حاضرة في العامية، وأن المزيد من الاهتمام بأسرار العامية يساعد على التقريب بينها وبين الفصحى، وتسريع عملية تعليم اللغة للأطفال. ولأن ازدياد الهوة بين العربية ولهجاتها يشكل خطرا، لذلك يوصي أحد المشتغلين باللغة بضرورة "وضع رصيد معجمي ثابت ومستمر تشترك فيه كل من اللهجات على اختلافها واللغة الفصحى بكل مستوياتها الأمر الذي سيمكّن من التواصل المستمر عبر الأجيال بين جميع المتكلمين بالعربية وعلى اختلاف لهجاتهم".