الكتاب، باعتباره الحاضنة الأمينة للعلم والمعرفة والفكر والمتعة، وكوعاء أصيل لنقل الحضارة والتجربة والقيم، لا يجب أن يُختزل في تلك النظرة الجميلة، رغم أهميتها، ولكنه أيضاً أي الكتاب أحد أهم مصادر وأسلحة القوة والنفوذ والسلطة والاقتصاد "الكتاب.. قنطرة الحضارة"، بهذا العنوان الرائع والذكي، يواصل معرض الرياض الدولي للكتاب في نسخته الثامنة مسيرته الناجحة كظاهرة ثقافية مميزة وككرنفال حضاري فريد، إذ يُعتبر هذا العرس الثقافي الوطني الرائع أحد أهم مصادر الثقافة والفكر والمعرفة والمتعة والفرح والدهشة في الوطن، كل الوطن. منذ البدايات الاولى، احرص على زيارة هذا الحدث الثقافي الابرز في مشهدنا الوطني، والذي يكتسب شهرة واسعة وقيمة مجتمعية عاماً بعد عام، إذ يُعد الآن، وبلا أدنى شك، المعرض الأهم للكتاب على امتداد الوطن العربي. وبينما "الربيع العربي" يعصف بالكثير من الدول العربية التي كانت تُنظم المعارض الكبرى للكتاب كمصر وتونس وسورية، يزدهر معرض الرياض الدولي للكتاب في ربيعه الثامن كأحد أهم التظاهرات الثقافية العربية على الإطلاق، والذي تنتظره دور النشر العربية والعالمية لأنه بكل بساطة الأكبر والأهم والأشهر والأكثر مبيعاً. معرض الرياض الدولي للكتاب، ليس مجرد منصات وأركان ومساحات وأرفف تزدحم بها الكتب، ولكنه صناعة متكاملة لها أدواتها وآلياتها وأنشطتها. لقد اكتسبت هذه التظاهرة الثقافية الرائعة الكثير من الخبرة والتجربة والجرأة، وقد حان الوقت لأن تتبلور كحركة ثقافية كبرى تُقدم الوجه الحضاري والإنساني والثقافي والفكري والتنويري لهذا الوطن الذي يملك كل مقومات التطور والنماء والازدهار. الكتاب، باعتباره الحاضنة الأمينة للعلم والمعرفة والفكر والمتعة، وكوعاء أصيل لنقل الحضارة والتجربة والقيم، لا يجب أن يُختزل في تلك النظرة الجميلة، رغم أهميتها، ولكنه أيضاً أي الكتاب أحد أهم مصادر وأسلحة القوة والنفوذ والسلطة والاقتصاد. والكتابة عن هذا الحدث الموسمي الثقافي البارز في مشهدنا العام، يحتاج إلى مساحات وفضاءات واسعة، ولكنني سألتقط بعض المظاهر الايجابية لهذا المعرض الرائع، دون أن أغفل طبعاً بعض الجوانب السلبية، لأن النقد الموضوعي والشفاف يتطلب ذلك، فهو يُسهم في تطوره ووصوله إلى مصاف المعارض العالمية الكبري كمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي يعود لأكثر من 500 عام، أو معرض نيويورك للكتاب الذي يُعد الأهم في العالم، خاصة في ما يتعلق بالعالم الأنجلو ساكسوني. سأبدأ بالمظاهر الإيجابية، إذ تتجاوز عناوين الكتب 600 ألف عنوان، ويُشارك أكثر من 900 دار نشر من 32 دولة عربية وعالمية يُمثلها 400 عارض من داخل السعودية، ويقع على مساحة تزيد على 18 ألف متر مربع، ومن المتوقع أن تصل حجم مبيعاته ل 70 مليون ريال، وعدد زواره إلى حوالي 10 ملايين زائر، إضافة إلى الكثير من الخدمات المساندة كالاستعلامات والبحث الإلكتروني للكتب والمطاعم والصرافات الإلكترونية وتوصيل الكتب بالبريد، وكذلك الخدمات المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى وجود برنامج ثقافي على هامش المعرض، وتسمية ممرات المعرض بأسماء لمبدعين سعوديين في فن التصوير الضوئي، كما تم تكريم رواد فن الخط العربي السعوديين، والاحتفاء بالفائزين العشرة في جائزة وزارة الثقافة والإعلام للكتاب والتي تبلغ 2 مليون ريال بواقع 200 ألف ريال لكل فائز. المظاهر الايجابية للمعرض كثيرة وكبيرة، ولكن ماذا عن المظاهر السلبية التي يُمكن رصدها خلال هذه التظاهرة الثقافية المليونية؟ الوجوه الشابة، تتواجد بشكل خجول في التفاصيل المهمة للمعرض، إذ يقتصر دورها على الدعم اللوجستي والخدمي. مجتمعنا شاب بأغلبيته، وزوار المعرض من الشباب، لذا فإنه يحتاج إلى نكهة شبابية خاصة. الفعاليات التي ينظمها المعرض، رغم أهميتها وقيمتها، إلا انها ليست جاذبة أو لافتة، ولا تُقارب المستجدات الراهنة أوالقضايا الملحة، لذا لم تستطع جذب كل تلك الملايين التي تحضر المعرض. وهنا يتبادر سؤال: هل هي فعاليات للنخب أو لشرائح المجتمع المختلفة؟ في كل عام، يكثر الحديث عن غلاء أسعار الكتب، بحيث لا توجد رقابة صارمة لهذه الظاهرة السلبية السنوية التي تؤرق زوار المعرض. يبدو أن 8 سنوات، ليست كافية لكي يُغير البعض قناعاته الملتبسة والمتشددة حول هذا المعرض، إذ يظن، بل يتوهم هؤلاء بأنه منصة كبرى لنشر الفساد والتغريب والانحلال. ورغم كل هذه الملايين الشغوفة والعاشقة للكتاب، إلا أن هناك من يدعو صباحاً ومساءً لمقاطعة هذا المعرض الرائع، ويسوق حججاً واهية ومفتعلة لا وجود لها إلا في مخيلة ماضوية تعيش خارج إطار الزمن. كما تذمر الكثير من الناشرين والمثقفين من إعطاء المساحات الكبرى والمهمة لقطاعات ودوائر وهيئات وجامعات حكومية لا تُقدم سوى نشرات بسيطة وهدايا رخيصة وحلويات، بينما تُعاني الدور المهمة من الأركان والمساحات الصغيرة والهامشية، فهل يُعقل مثلاً أن تُحشر كل الأندية الأدبية في ركن واحد فقط، يغص بكراتين الكتب المقفلة والتي بداخلها المئات من الكتب لمؤلفين ومبدعين سعوديين؟ معرض الرياض الدولي للكتاب، جسر قوى يصلنا بالحضارة الإنسانية، ونافذة واسعة نطل بها على العالم، القريب والبعيد، لذا لابد أن نتحمل جميعاً مسؤوليتنا الكبرى للمحافظة عليه بكل ما نملك، ولا نُعطي الفرصة للخائفين من الكتاب أن يحققوا بعض أهدافهم وأحلامهم وأوهامهم. الكتاب لا يُخيف، بل هو مصدر الثقة..