كانت تلك الجملة وغيرها تُكتب على جدران الحارات الأقل نصيباً في العاصمة. لكننا بدأنا نراها تمتد إلى أحياء يطمع أهلها أن لا يكونوا "معذَّبين"ولا معذِّبين. بدأ تجار الأصباغ (البويه) يفكرون جدياً في إنتاج نوع من الأصباغ الجدارية لا تحفظ الأصباغ الآتية من الرش (البخاخ). وأعتقد أنهم لو توصلوا إلى مادة كهذه سيجدون مغنماً. ويبدو أنها ممارسة بشرية تطال معظم بلدان العالم. حتى لندن عانت لمرحلة طويلة من كثرة كتابات بعضها غير مفهوم. ممارسة معلومة، بل شهيرة، وقالت عنها القواميس الإنجليزية إن اسمها "غرافيتي" GRAFFITI ودخلت إلى قاموس اكسفورد في العام 1851. وقالت عنها معاجم التجذير وتعليل أصل اللفظة إنها كانت موجودة في الآثار اليونانية والإيطالية. وتعتبر الممارسة من وجهة النظر القانونية في أوروبا الآن بأنها ضرب من ضروب التخريب المتعمد للممتلكات الخاصة أو العامة، يعاقب عليها فاعلها. وفسرها أهل علم النفس بأنها نوع من الإحساس الداخلي للفرد للتنفيس. ولا للعبث صلة بالموضوع. وقالت تفسيرات أخرى إنها الرغبة في إيصال رسالة ما إلى فرد أو مجتمع أو سلطة. كانوا يكتبون على الجدران بفحمة. وقد كتب شاعر على قصر الخليفة المأمون بيتاً يقول:- يا قصر جُمّع فيك الشوم واللومُ متى يعشعش في أركانك البومُ ولاحظ الناس أن وجود جدران ذوات أسطح ناعمة بيضاء، بارزة لا تسلم أبداً من "البخاخ" ونجد في حاراتنا الآن مفردات لا نفهم ماذا تعني.. أو ربما فهمنا. أو أن فهمنا لا "يهبط - على غرار "لا يرقى" إلى هذه "المسجات" المبهمة. والعادة كانت موجودة في نجد. ففي عنيزة، أذكر، "الطرثوث" ذاك النبات الرملي ذا الساق المستدق. ويحوي سائلاً لونه أحمر، يميل إلى القرمزي، وإذا كُتب به على سطح خشبي فالعبارة تصبح جزءاً من الخشب ويستحيل مسحها. وكان المراهقون يكتبون ما يُزعج خصومهم على أبواب الحارة. وفي بريطانيا اكتشفوا عادة هدامة في المراحيض العامة، وهي كتابات يقوم بها الجالس لقضاء حاجته. ويستعمل قلمه الخاص..! ورأى المجلس البلدي أن عليه إعادة طلاء المرافق بين حين وآخر. فوضع أبواكاً مُعلقة. من الورق الأبيض الجيد..! يرافقها قلم رصاص داعين الجالسين لقضاء حاجاتهم لاستعمال الورق بدلاً من الجدران. وصارت تلك الدفاتر (الأبواك) وأقلام الرصاص جزءاً من مناقصات التزويد الذي يشترط على شركة النظافة مراعاتها.