انتشرت المراكز التجارية الكبرى "المولات" في العديد من مناطق "المملكة"، خاصةً في المدن الكبرى والرئيسة، في الوقت الذي تقل فيه أو تنعدم هذه المراكز في المحافظات الصغيرة والمراكز والقرى، وإن توفرت فهي لا تفي بحاجة الأهالي، الأمر الذي يدفع العديد منهم إلى الحصول على احتياجاتهم ومستلزماتهم الضرورية بالبحث عنها في المدن الكبرى، مما يشكل ضغطاً وزحاماً شديدين في عطلة نهاية الأسبوع ومواسم الأعياد والإجازات، إلى جانب ما يتجشمه هؤلاء من عناء نتيجة السفر بسياراتهم براً، وكذلك دفعهم مبالغ إضافية مقابل الحصول على السكن في الفنادق أو الشقق المفروشة. وأشار أحد محاور خطة التنمية التاسعة (1432-1436ه) التي أعدتها "وزارة الاقتصاد والتخطيط" وفق منهجية علمية اعتمدت على دراسات مستفيضة، إلى أهمية تحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق، والإسهام في زيادة التقارب بين مستوياتها التنموية؛ مما يتطلب توفير التجهيزات الأساسية والخدمات العامة اعتماداً على مؤشرات ومعايير موضوعية تعكس أوضاعها واحتياجاتها المستقبلية، إلى جانب توفير متطلبات مادية وتنظيمية أخرى، وتطوير القاعدة الإنتاجية لكل منطقة استناداً إلى مقوماتها التنموية وميزاتها النسبية. والمشكلة أننا لا نرى أي نتائج ملموسة لذلك على أرض الواقع، حيث تفتقد بعض المناطق للتنمية المتوازنة بين محافظاتها، فبعض المحافظات على الرغم من مساحتها الكبيرة وتنامي عدد السكان فيها، إلاَّ أنَّه لا يوجد فيها سوى مركز تجاري -مول-، لا يفي بحاجة السكان ولا يلبي كامل المتطلبات، وهو ما يؤدي بأبناء تلك المحافظات إلى السفر نحو المدن الكبيرة لاقتناء ما يحتاجونه منها. ويعود سبب قلة "المولات" داخل بعض المحافظات إلى عدم تفعيل الاستثمار بشكل جدي، وكذلك عدم طرح فرص استثمارية داخلها، وهو ما يتطلب دعم المستثمرين وتشجيعهم من قبل الغرف التجارية والبلديات بشكل فعلي لا شفهي، فمتى وجد التجار الرغبة والحماس من قبل الجهات المعنية، فإنهم لن يتوانوا عن إنشاء مراكز تجارية في أي مدينة أو محافظة. دعم وتشجيع المستثمرين يضمن إنشاء «الأسواق الكبرى» في المحافظات والقرى صعوبة بالغة وقالت "نافلة القرزعي"-موظفة بكلية الطب والعلوم الطبية بمحافظة عنيزة- :"أتمنى ألاَّ تتعثر المشروعات التي يتم تنفيذها في المحافظة، وأن تحذو المحافظة حذو باقي المدن في المملكة"، مضيفة أنه من المؤسف أن تتوقف بعض المشروعات أو يتعرقل مسار تنفيذها أو يتم وأدها في مهدها، مشيرة إلى أنَّ أبناء المحافظة استبشروا خيراً حينما تم افتتاح أحد "المولات" الشهيرة مؤخراً، بيد أنَّهم صُدموا عندما تيقنوا أنَّه لم يكن على غرار مثيلاته في مناطق أخرى من "المملكة"، لافتة إلى أنَّها تأمل ويأمل معها أبناء محافظة "عنيزة" أن تتم توسعة وتطوير هذا "المول"؛ لكي يحقق آمالهم وتطلعاتهم ويفي بحصولهم على حاجاتهم الملحة. وأيدتها الرأي "أفراح أحمد" -معلمة-، موضحة أنَّ ندرة المراكز التجارية في بعض محافظات "المملكة" وعدم تلبيتها كافة متطلبات الأهالي تُعد من الأمور المُحبطة لهم، مشيرة إلى أنَّ وجود مركز تجاري واحد في محافظة "عنيزة" لا يكفي حاجة الأهالي، خاصةً أنَّ البضاعة المعروضة في المحال التجارية قليلة جداً وقديمة في كثير من الأحيان، ولا تتماشى مع ما يحتاجه الأهالي في هذا المجال، لافتةً إلى أنَّ ذلك هو ما يدعو العديد من الأسر إلى السفر للمدن الكبرى، خاصةً العاصمة "الرياض" للحصول على احتياجاتهم الضرورية على صعيد المأكولات والملابس، مؤكدة على أنَّ في ذلك صعوبة بالغة من الناحيتين المادية والجسدية. م. سليمان البيز مبالغ إضافية ولفتت "إشراق محمد" -مديرة دار القرآن بمحافظة عنيزة- إلى أنَّ الطريق الرابط بين محافظة "القصيم" و"الرياض" أصبح كأنه أحد الشوارع الرئيسة لمحافظة "عنيزة"، وقالت: "ينبغي علينا عادة أن نعبر هذا الطريق للتسوق من الرياض في كل مناسبة من المناسبات التي تحل علينا، نتيجة قلة أعداد المراكز التجارية بالمحافظة"، مشيرة إلى أنَّ هذا الأمر مرهق مادياً، موضحة أنَّ ذلك يتطلب دفع مبالغ إضافية مقابل السكن في الفنادق والشقق المفروشة خلال نهاية عطلة الأسبوع أو أثناء الإجازات الدراسية، متسائلة عن السبب الذي يدعو أبناء العديد من المحافظات في "المملكة" لتجشُّم هذا العناء الجسدي والمادي. بضاعة رديئة وأوضحت "أشواق العيسى" –ممرضة- أنَّ وجود مجمع تجاري واحد تجد فيه احتياجاتها من الماركات العالمية هو ما تحلم به، مشيرة إلى أنَّ ما يضايقها هو وجود محال تجارية عادية وغير مشهورة في أحد "المولات" تُباع فيها بضاعة رديئة لا تنتمي لأيّ من الشركات العالمية بأسعار عالية، مبينة أنَّ أصحاب تلك المحال يربطون عادة بين غلاء الأسعار والمبالغ التي يدفعونها مقابل استئجارهم محالهم داخل "المولات" الكبيرة، مؤكدةً على أنَّ"المول" هنا لن يحقق الهدف المنشود ولن يُشبع حاجات الأهالي بهذه الطريقة. وأضافت أنَّ ذلك دفع العديد من الأهالي إلى شراء حاجاتهم الضرورية من المراكز التجارية المنتشرة في مدينة "الرياض" عن طريق السفر إليها في عطلة نهاية الأسبوع، داعية رجال الأعمال في المحافظات إلى تحقيق تطلعات الأهالي عبر افتتاح مراكز تجارية مرموقة تُضاهي المراكز التجارية التابعة لهم خارج محافظة "عنيزة". حمد الزامل وشاركتها الرأي "ندى الرميح" -موظفة-، مشيرة إلى أنَّ العديد من المواطنين يتجشمون عناء السفر بسياراتهم إلى مدينة "الرياض" ويُنفقون مبالغ مالية مقابل "البنزين" والوجبات على الطريق وتأمين السكن في الفنادق أو الشقق المفروشة، داعيةً إلى إيجاد حل جذري لهذه المشكلة عبر توفير الاحتياجات الضرورية لأبناء المحافظات في أماكنهم بدلاً من البحث عنها في المدن الكبرى. حل جذري وأشارت "عهود الحميدين" -موظفة- إلى أنَّ مدينة "الرياض" تشهد ازدحاماً ملحوظاً نهاية كل أسبوع بخلاف الأيام المعتادة، خاصة داخل المجمعات التجارية، مبينة أنَّ المحال التجارية تغص بأعداد كبيرة من المتسوقين، موضحة أنَّ من بين هؤلاء أُناس قدموا من المراكز والمحافظات المجاورة، داعيةً رجال الأعمال إلى الإسهام بحل جذري لهذه المشكلة عبر توجيه استثماراتهم إلى تلك الجهات، خاصةً التي تفتقر إلى وجود المراكز التجارية الكبرى. وبين "محمد علي" -مدير فندق الخليوي بالرياض- أنَّ الإقبال على الفندق يزداد بشكل ملحوظ كما في بقية فنادق وشقق العاصمة أثناء العطل الرسمية بما فيها عطلة نهاية الأسبوع، موضحاً أنَّ نسبة كبيرة جداً من النزلاء هم من أبناء المراكز والمحافظات القريبة من "الرياض"، مشيراً إلى أنَّ الغرف تشهد زيادة مقبولة في الأسعار أثناء هذه الفترة، لافتاً إلى أنَّ غالبية النزلاء يهدفون إلى التسوق، إذ اكتشف ذلك عبر طرح الكثير منهم أسئلة تتعلَّق بمواقع الأسواق عادة، إلى جانب أنَّهم يبقون خارج الفندق ساعات طويلة قبل أن يعودوا إليه في ساعة متأخرة من الليل. أحمد الشيخي فرص استثمارية وأرجع "أحمد الشيخي" -مدير مركز حياة مول التجاري- سبب عدم توجه كثير من التجار للاستثمار التجاري في المحافظات إلى عدم وجود تسهيلات مقدمة من قبل البلديات في المحافظات، إلى جانب عدم تفعيل أو إبراز موضوع الاستثمار في هذا المجال بشكل جدي، وكذلك عدم وجود مجالس استثمارية أو طرح فرص استثمارية، مشيراً إلى أنَّ أصحاب الشركات يعتمدون كثيراً على جهودهم الذاتية، داعياً إلى توفير دليل تجاري إرشادي لتكون الفائدة بشكل أعم وأكبر. وأكد على أنه متى ما وُجدت الرغبة والحماس من قبل التجار فإنَّ الشركة لن تتوانى عن إنشاء مراكز تجارية في أي مدينة أو محافظة، لافتاً إلى أنَّ أصحاب الشركات ورجال الأعمال محكومون بالتجار، مبيناً أنَّ لدى عدد من الشركات حالياً توجهاً إلى التوسع والانتشار والتواجد في مختلف مناطق ومحافظات "المملكة"، خاصةً بعد أن وصلت المدن الرئيسة مثل "الرياض" و"جدة" وغيرها إلى مرحلة التشبع في هذا المجال. دعم المستثمرين ولفت "حمد الزامل" -نائب رئيس الغرفة التجارية بمحافظة عنيزة الأسبق، ورئيس اللجنة التجارية بالغرفة- إلى أنَّه يجب أن يتم استقطاب الشركات وتقديم الخدمات لها من أراض ورخص وغيرها، وقال: "إذا أردنا استثمارات تخدم البلد يجب أن نعطي لنأخذ"، داعياً الغرف التجارية والبلديات إلى دعم المستثمرين وتشجيعهم بشكل فعلي لا شفهي، أُسوة بما هو عليه الحال في معظم دول "الخليج العربي"، ومنها دولة الإمارات التي تمنح المستثمرين الأراضي لتنفيذ المشروعات التجارية عليها. ورحب "م. سليمان البيز" -المدير التنفيذي لمركز غرناطة التجاري- بعملية التوسع في هذا المجال وتحقيق تنمية متوازنة بين مناطق "المملكة" عبر إنشاء فروع للمراكز التجارية "المولات"، موضحاً أنَّ ذلك لا بد أن يرافقه دراسة جدوى، على أن تكون نتائج الدراسة مشجعة للإقدام على تنفيذ المشروعات التجارية الضخمة، لافتاً إلى أنَّ حركة الشراء من حيث قوتها أو ضعفها ستلعب دوراً كبيراً في هذا الشأن، مؤكداً على أنَّها حينما تكون جيدة فإنَّها ستدفع أصحاب المحال وتشجعهم على الاستئجار، والعكس صحيح، مبيناً أنَّ المستثمر لن ينشئ مركزاً تجارياً ضخماً ويدفع ملايين الريالات إن لم يكن هناك عائد مجز. عدد المرتادين وأشاد "م. البيز" بما تشهده مناطق "المملكة" من تطور هائل في مجال افتتاح فروع المراكز التجارية "المولات"، مضيفاً أنَّها قد لا تكون بحجم المراكز التجارية بمدينة "الرياض" –مثلاً-، بيد أنَّها في النهاية ستفي بالغرض من إنشائها، موضحاً أنَّ إنشاء المراكز الضخمة ذات المساحات الكبيرة فروعاً لها في المحافظات بالمساحة نفسها قد يكون أمر غير مجدٍ، مشيراً إلى أنَّ عدد السكان في مدينة "الرياض" يفوق عددهم في أيّ منطقة أخرى في "المملكة"، لافتاً إلى أنَّ العقبة الأولى التي قد تعيق إنشاء مثل هذه المراكز هي عدم ضمان ارتياد أعداد كبيرة من المتسوقين للفرع وما يترتب على ذلك من نتائج، مؤكداً على أنَّه يمكن السعي إلى التطوير عن طريق إنشاء ما يسمى ب "البلازا". قوة شرائية وأضاف "م. البيز" أنَّ على المستثمر مراعاة الحركة والقوة الشرائية؛ لضمان نجاح السوق وزيادة الأرباح، مشيراً إلى أنَّه لو حدث العكس فإنَّ المستثمر سيخسر هو وصاحب المحل، وقال :"أنا وغيري لا يمكننا دفع المبالغ الطائلة قبل دراسة السوق وضمان العائد من المشروع التجاري"، موضحاً أنَّ العائد يتم الحصول عليه من قبل أصحاب المحال التجارية حينما يستأجرونها، مبيناً أنَّ العائد اليومي لمجمع "غرناطة" التجاري –مثلاً- يتراوح ما بين (30) إلى (50) ألف ريال، مؤكداً على أنَّ ما دون ذلك يعني أنَّ حركة الشراء ضعيفة، لافتاً إلى أنَّ القرار يبقى معلقاً بالنتائج المترتبة على الدراسة. في عنيزة لا يوجد سوى مركز تجاري وحيد يراعي المستثمر القوة الشرائية لضمان تحقيق الأرباح