تراث الشعوب يمثل الحصيلة الإنسانية التى تعكس كافة جوانب الحياة ومدى تطورها على مر العصور كما أن لكل أمة طابعاً خاصاً يعكس ثقافتها الأصيلة المستمدة من بيئتها ومجتمعها, وبديهي أننا عندما نتحدث عن التراث فإننا نقصد جميع وسائل الإبداع التي تضمن الإطار الفني الواسع كالأدب، والشعر, والموسيقى، وشتى أنواع الفنون التشكيلية. وقد مارس الإنسان منذ درج على الأرض شعور أصيل عميق بالتعبير عن انفعالاته وأحاسيسه التي تميز بها عن الكائنات الأخرى وأصبح الفن ظاهرة عامة يواجه بها احتياجاته الشخصية والاجتماعية والروحية. ولما كانت طبيعة هذا الإنسان تختلف في التعبير والتشكيل طبقاً للبيئة التي يعيش فيها، فقد تغيرت أنماط التعبير الفني في المجتمعات والبيئات المختلفة، ومن هنا نستطيع أن نلمس تقارب الدافع الوجداني العميق الذي يوحد شعوب منطقة الخليج العربي حيث تشارك شعوبها مقومات وأسس اجتماعية وعادات وتقاليد واحدة مستمدة من الدين الإسلامي الحنيف، ونحن نستعرض هنا فنون دولة الإمارات العربية المتحدة ضيف مهرجان الجنادرية لهذا العام ونخص منها الفنون التشكيلية المستمدة من الفنون العربية الأصيلة التى نمت وتطورت على أرض الخليج والجزيرة العربية. شهدت دولة الإمارات حركة تشكيلية نشطة وسريعة رغم حداثة بدايتها، إذ اهتمت الدولة بدعم الفنون التشكيلية في أوائل السبعينات، فأنشأت مراسم حرة لتدريب الشباب بدبي، كما أرسلت أبناءها الموهوبين لتعلم أصول الرسم في الخارج، وأقيم أول معرض تشكيلي بالمكتبة العامة بدبي عام 1972م، حيث ظهرت أسماء مجموعة من الفنانين الإماراتيين منهم: فاطمة لوتاه، وعبد الرحمن زينل، ومحمد يوسف، وغيرهم. كثرت عدد المعارض الفنية داخل الإمارات فانتشرت أسماء فنانين وفنانات تعد من الرعيل الأول للحركة التشكيلية الإماراتية منهم: محمد يوسف وحسن شريف وعبدالقادر الريس وفاطمة لوتاه ونجاة مكي وغيرهم. كما تم تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية ومقرها الشارقة عام 1980م. كما تطورت حركة الفنون التشكيلية بدولة الإمارات بعد عودة المبعوثين من أبنائها خارج الوطن حيث نشطت الحركة التشكيلية على يد الفنانين الوطنيين والعرب. كما أن قبول دولة الإمارات العربية المتحدة عضوا فى الرابطة الدولية للثقافة والفنون بباريس، وعضوا في اتحاد التشكيليين العرب فى نهاية الثمانينات كان له عظيم الأثر في ازدهار الحركة الفنية التشكيلية بالمنطقة ازدهارا غير مسبوق فى الخليج كانت بوادره إقامة أول بينالي للفنون في المنطقة برعاية حكومة الشارقة عام 1993م الذى شارك به مائة فنان وفنانة من الدول العربية والغربية. ما أوصل الفنان الإماراتى الى الضفة الأخرى للإبداع العالمى وفتح المجال أمامه للإطلاع على ما وصل إليه فنانو العالم من تجارب متنوعة فكريا وثقافيا وإنسانيا. ويعد هذا المشروع الريادي بمثابة نقطة تحول فى تاريخ الفنون الإماراتية على امتداد عقدين من الزمن إذ أنه استطاع أن يعكس المنجز الجمالي والفكري في كل مرحلة من مراحله على مر السنين باستيعابه للمتغيرات والمستجدات دوليا وعالميا فى الفنون البصرية مما أسهم فى تعزيز الوعي الثقافى وتطوير الطاقات الإبداعية نحو أساليب فنية تتسم بالتميز والجدية. كان لإنشاء مؤسسة الشارقة للفنون التى تأسست عام 2009 م عظيم الأثر فى ازدهار الحركة الإبداعية فى دولة الإمارات فهي تهدف الى تطوير آليات النهوض بالفنون البصرية فى منطقة الخليج العربى والعالم العربى واستثمار الخامات الإبداعية الجادة، من خلال توفير فرص الدعم الحقيقى لها، والتعريف بها محلياً وعالمياً عبر برامج العروض الدولية فهاجسها الأساسي كمؤسسة هو تحريض الطاقات الإبداعية، وإنتاج فنون بصرية تتسم بالتميز والتفرد من خلال التجريب فيما يعكس ثراء البيئة والثقافة المحلية, فنجد برنامج "الفنان المقيم" الذي يتم من خلاله دعوة الفنانين للإقامة لفترة محددة في الشارقة ليس بغرض الاستجمام والتأمل فقط بل بما يتيح لهم تنمية قدراتهم وتوسيع مجال خبراتهم البصرية والمعرفية بخوض تجربة جديدة وفريدة قائمة على التحليل والاستمتاع بدراسة الخصائص الإنسانية والاجتماعية وطبيعة البيئة الخليجية مما ينتج عنه مخزون فكري ثقافي خيالي ينطلقون من خلاله بالتعبير بأعمال أو مشاريع فنية مستمدة من واقع البيئة بمورثها الحضاري والفكري والثقافي على مر العصور. كما تهتم المؤسسة من خلال "برنامج الإنتاج" بتقديم منح تمكن الفنانين من تحقيق طموحاتهم ومشاريعهم خارج العوائق المادية أو الشروط بل أنها تسهل لهم كافة الإمكانات للوصول بالمنتج الى أعلى مستوى وإضافة نوعية مشاريع فنية متميزة وفريدة تبعد كل البعد عن الأنماط والأساليب المكررة. إن المتتبع للحركة الفنية التشكيلية لدولة الإمارات العربية المتحدة يستطيع أن يلاحظ الطفرة الفنية التي تعيشها في وقتنا الحالي والتي تميزت بذوق خاص حرصت من خلاله على الحفاظ على الهوية العربية الأصيلة بتوظيف كافة الخبرات والأساليب الفنية المختلفة الحديثة والمعاصرة فيما يخدم إرثها الحضاري وها نحن نلمس هذا الإرث الأصيل ونفتخر به كجزء هام من فنون الجزيرة العربية الذي هي جزء لا يتجزأ من وطننا العربي من خلال ما نشاهده من إنجازات هذا المجتمع الإبداعية بالمهرجان الوطني الثقافي "جنادرية 29" بوطننا الغالي المملكة العربية السعودية. عمل للفنانة فاطمة لوتاه