دفعت الأمراض ذات المنشأ الحيواني ك"حمى الوادي المتصدع"، و"انفلونزا الخنازير" وليس آخرها "كورونا"، بالطبيب البيطري نحو الواجهة، حيث عززت القيمة المعنوية له، وحسّنت من الصورة الذهنية المأخوذة عنه؛ كونه ليس مجرد طبيب للحيوانات فحسب، بل يُعد خط الدفاع الأول لأي مجتمع، إلاّ أنه على الصعيد الرسمي في القطاع الحكومي بقي وضعه يراوح مكانه، حيث تحول حلم الأطباء "البيطريين" بمساواتهم بأقرانهم البشريين في الكادر والمرتبات والبدلات والمميزات الأخرى إلى سراب!. ونظراً لشح الوظائف بمراتب عليا يبقى من الصعوبة للطبيب البيطري الحصول على الترقيات، فقد تجد موظفا أمضى أكثر من (20) عاماً ولم يترقى سوى مرة واحدة، وهو ما يؤدي إلى إحباطه، مما يتطلب وضع "كادر خاص" يتمكن من خلاله الأطباء البيطريون من الاستمرار في عملهم، مما يضمن استمرار علاوتهم السنوية، إضافةً إلى أهمية إدراجهم في التأمين الطبي، كونهم عرضة أكثر من غيرهم للإصابة بالأمراض جراء احتكاكهم المباشر بالحيوانات. شح الوظائف وقال "د. عبدالعزيز بن طاهر العلي" -رئيس قسم الوبائيات والإحصاء الحيوي بالهيئة العامة للغذاء والدواء والمختص في الفيروسات الجزيئية-: إن الأطباء البيطريين يُعيّنون على سلم وزارة الخدمة المدنية على المرتبة الثامنة، مضيفاً أنه نظراً لشح الوظائف بهذا المسمى بمراتب عليا يبقى من الصعوبة للطبيب البيطري الحصول على الترقيات، فقد تجد موظفا أمضى أكثر من (20) عاماً ولم يترقى سوى مرة واحدة، في حين يتم تعيين المراقبين الصحيين على المرتبة الخامسة، إذ نجدهم يجتازون مرتبة الموظف بمسمى طبيب بيطري، مؤكداً على أن ذلك يؤدي إلى إحباط الأطباء البيطريين، إضافةً إلى توقف العلاوات السنوية، ذاكراً أنه لا تتم الترقية إلاّ بعد اجتياز (12) عاما على نفس المرتبة، مبيناً أن عدم الترقية ناتجة عن عدم توفر وظيفة شاغرة بمراتب أعلى وليست ناتجة عن قصور في أداء الموظف. وأوضح "د. أحمد بن محمد اللويمي" -أمين جائزة المراعي للطبيب البيطري ورئيس مجلس إدارة الجمعية الطبية البيطرية السعودية- أن مشكلة الطبيب البيطري في المملكة تكمن في تخصصه، كونه واسع الانتشار وفي قطاعات مختلفة، مما تولد عن هذا مشكلة عدم وجود جهة واحدة مسؤولة عنه تطالب بحقوقه، معتبراً أن إرجاعه للزراعة خطأ استراتيجي؛ كون الجهات التي تستفيد منه متعددة وليست الزراعة فقط. كادر طبي وأشار "د. ياسر سالم الخضيري" -مدير صحة البيئة في بلدية الحسو بأمانة المدينةالمنورة- إلى أن الحل يكمن في وضع كادر للأطباء البيطريين يتمكنون من خلاله من الاستمرار في عملهم، مع ضمان استمرار علاوتهم السنوية، وذلك أسوةً بما يتم العمل به في الكادر الصحي بوزارة الصحة. ودعا "د. العلي" إلى رفع مستوى كليات الطب البيطري أكاديمياً من خلال اختيار المتميزين من الخريجين، مضيفاً أن الأطباء البيطريين المتميزين يواجهون خلال دراستهم الجامعية العليا الإحباطات، حيث ترفضهم كليات الطب البيطري للعمل كأساتذة مساعدين، فضلاً عن الكليات الطبية أو العلمية الأخرى مثل كليات العلوم الطبية وكليات العلوم، حتى وإن كان التخصص من التخصصات المشتركة، فعلى سبيل المثال تخصص الأحياء الدقيقة تخصص مشترك بين هذه الكليات إلاّ أنه في العادة يتم رفض حملة الدكتوراه من خريجي كلية الطب البيطري مع تميزهم العلمي؛ بحجة أن التخصص في مرحلة "البكالوريوس" كان في الطب البيطري. قلة المنتسبين ولفت "د. خالد عبدالله الحربي" -رئيس قسم صحة البيئة في بلدية نفي- إلى أن وزارة الشؤون البلدية والقروية لم تصرف للأطباء البيطريين بدل طبيعة عمل للوظائف الصحية البيطرية بنسبة (20%)، والذي صدر بقرار مجلس الوزراء بتاريخ 18/9/1433ه، مضيفاً أن أكثر من (400) طبيب بيطري ومساعد بيطري يعملون في وزارة الشؤون البلدية والقروية ويمارسون عملهم فعلياً قد تضرروا من عدم الصرف لهم حتى تاريخه، متسائلاً: لماذا لا يصرف لهم وهم يمارسون عملهم البيطري فعلياً؟. وأوضح "د. إبراهيم الشبيث" -أمين الجمعية الطبية البيطرية السعودية سابقاً والأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء البيطريين العرب سابقاً- أن ما نشهده على الصعيدين المحلي والدولي دليل على أهمية هذا التخصص وانغماسه في كل دقائق الصحة العامة وصحة الإنسان، مضيفاً أن من أهم العوامل التي تعيق الفهم الكامل للطب البيطري على المستوى الرسمي، هو عدم معرفة المشرع بالتخصص، وربما عدم الاعتناء بمعرفة ماهية التخصص، فضلاً عن قلة من ينتسبون إلى هذه المهنة، مبيناً أنه مع قلتهم ضعفت أهمية الالتفات إلى هذه الشريحة إذا ما قارنا أولويات الدول في التنمية المستدامة. لا ترقيات ولا علاوة أو «بدل خطر» أو «تأمين» وينتظر «كادراً خاصاً» واهتماماً أكثر بالتدريب دور ريادي وأشار "د. الشبيث" إلى أن هناك تباين واضح لوضع الطبيب البيطري محلياً وإقليمياً وعربياً في التقييم والاهتمام على الصعيدين الرسمي والشعبي، مطالباً بأن يأخذ الطبيب البيطري مكانته في المنظومة الصحية كأحد التخصصات التي تؤخذ في الاعتبار في منظومة صحة الإنسان، مضيفاً أن الطب البيطري هو ممارسة طبية الغرض منها درء المرض عن الحيوان من أجل صحة الإنسان، ذاكراً أن أطباء مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث يرون أن الطبيب البيطري يجب أن يأخذ مكانته كأحد التخصصات الطبية التي لا يمكن إغفالها أو التغاضي عن أهميتها، بل وأكدوا على أهمية تعزيز دور البيطريين الريادي، وجهودهم في مواطن وأزمات مختلفة ك"أنفلونزا الطيور" و"حمى الوادي المتصدع" وغيرها من خلال ضمهم إلى الكادر الطبي العام أو التعجيل بإقرار الكادر الطبي البيطري. سُلّم مستقل واستغرب "د. فاضل عباس العبكري" من عدم صرف البدل للأطباء البيطريين المكلفين، مضيفاً أن بعض المكلفين يعملون تحت ظروف أكثر شدة من غيرهم من الأطباء غير المكلفين، بل ويمارسون المهنة ويتعرضون إلى الخطر، مضيفاً أن بعض الأطباء أُجبروا للعمل كمكلفين لسد الفراغ في مكان ما أو لحاجة هذا المكان أو المجال لخبرة طبيب بيطري معين، مشيراً إلى معاملة الطبيب البيطري في سلم الرواتب وكأنه إداري، داعياً لأن يكون لهم سلم مستقل بهم أو هيئة خاصة بهم تبحث عن معاناتهم. وأوضح "د. أمين الحبابي" -مسؤول صحة البيئة والدراسات البيئية بمجمع الملك فهد الطبي العسكري-، أن الأطباء البيطريين يعملون ضمن أفراد قسم الطب الوقائي في مجال صحة البيئة ومكافحة العدوى في المستشفيات العسكرية والوحدات العسكرية التابعة لها، من خلال الكشف على الأغذية ومصادر المياه، وكذلك الكشف على المرافق الصحية التابعة لها، مبيناً أن البعض يعمل في مراكز الأبحاث ومراكز التدريب الجراحي على الحيوانات، مؤكداً على أن معاناتهم تتمثل في رفض الهيئة السعودية لتصنيف المهنة ضمن الكادر الطبي أسوةً بزملائهم الأطباء البشريين، على الرغم أنهم يعملون في دائرة واحدة ولهدف واحد. وأضاف أنه لا يوجد سلم رواتب ولا تصنيف وظيفي للبيطريين في مستشفيات القوات المسلحة، مبيناً أن هذا الأمر تسبب في تدني رواتبهم بحيث أن رواتب الفنيين العسكريين المصنفين تفوق رواتب الأطباء البيطريين الحاصلين على درجات علمية، مضيفاً أنهم يعانون في موضوع التعليم الطبي المستمر والابتعاث التي يحظى بها الأطباء البشريين والعاملين في المجال الطبي الأخرى، فيما هم محرومون منه. خط دفاع ودعا "د. سعود معلا العوفي" -زراعة القصيم- إلى إيجاد كادر خاص بالأطباء البيطريين ومساواتهم بالكوادر الأخرى كوزارة الصحة، لدورهم الكبير، حيث يُعدون خط دفاع أول قبل الأطباء البشريين، مُشدداً على أهمية التأمين الطبي لهم، كونهم عرضة أكثر من غيرهم للإصابة بالأمراض جراء احتكاكهم المباشر بالحيوانات، لافتاً إلى تعرضه للإصابة بمرض "البروسيللا"، حيث كلفه علاجه أضعاف راتبه، ذاكراً أن عدد الأطباء بالمملكة قليل، مما يعطي فرصة لإيجاد حلول في الكادر والمرتبات، مؤكداً على حاجة الوطن والمواطن للطبيب البيطري. وأكد "د. أحمد السند" -أمانة المنطقة الشرقية- على أنهم لا يتقاضون البدلات التي فرضتها الدولة كبدل التفرغ والعدوى والإشراف، وكذلك مكافأة الأطباء البيطريين، مضيفاً أنهم تقدموا بخطابات كثيرة للجهات المعنية، وكونت لجان لكن دون نتيجة. وأوضح "د. حسن حمزة العوض" -طبيب بيطري في منطقة عسير- أنه أمضى ستة أعوام بعيداً عن مسقط رأسه، مع عدم وجود رحلات طيران مناسبة من أبها إلى الدمام، كذلك عانى من صعوبة النقل من الجنوب بسبب تعقيدات الوزارة التي اشترطت مرور أربع أعوام مع موافقة مدير الجهة التي تعين فيها، مضيفاً أنه تأخرت الترقية عن المدة المحددة، إلى جانب عدم ترشيحه للدورات الخارجية، مما أثّر عليه في النقل، مبيناً أنه تأخر صرف الانتدابات على الرغم من استيفاءه للشروط. غياب الدعم وقال "د. حسن إبراهيم محمد" -يعمل في الحجر الحيواني بميناء جدة-: إنه يعاني من بُعد مقر التعيين عن مقر سكنه، وصعوبة النقل من منطقة إلى أخرى، واصفاً النقل بشبه المستحيل، مُشدداً على أهمية الراحة النفسية في أداء العمل وهو ما لا يتوفر في حال استمر بعيداً عن مقر سكنه. وأكد "د. عبدالله محمد الجديعي" -مديرية الزراعة بمنطقة الباحة- على أنه تعقد موضوع نقله، مبيناً أنه أمضى أكثر من عام ونصف يطالب ببدل ضرر وحتى الآن لم يستلم شيء. وأشار "د. حمد الجبر" -رئيس قسم الرقابة البيطرية ببلدية النسيم التابع لأمانة الرياض- إلى أنه ورغم تخرجه من كلية الطب البيطري إلاّ أنه لا يحبذ العمل في ذلك المجال، مُبرراً ذلك لغياب الدعم عن هذا التخصص، ولغياب الحماية من الأخطار أو الإصابة بالعدوى والأمراض، ذاكراً أن معظم خريجي الطب البيطري الذين يكملون دراستهم العليا يغيرون تخصصاتهم، لغياب المحفزات وكثرة المحبطات. واعتبر "د. سامي الطلاق" أن قرار صرف بدل نسبة (20%) من الراتب للطبيب البيطري، ومنعها عن الطبيب المكلف يُعد التفافا واضحاً، كما وضح أن المكلف يمارس كل الأعمال كالعمليات الجراحية ويخرج للصحراء بمهمات رسمية ويستقبل المراجعين. وطالب "د. حسين بو دريس" -مديرية الزراعة بالمدينةالمنورة محافظة العلا- بفصل البيطريين عن المهندسين الزراعيين، إلى جانب استحداث كادر طبي بيطري. أماكن نائية وأشار "ناصر السبيعي" -مساعد طبيب بيطري بأمانة الرياض- إلى عدم توفير وظائف للدرجات العليا من التاسعة فما فوق، مضيفاً أن ذلك يعود في الأصل إلى قلة الوظائف الرسمية بالثامنة، مُشدداً على أهمية إيجاد حل للترقيات، فالطبيب البيطري ينتظر مدة طويلة حتى يحصل على ترقية!. وأوضح "علي آل حمود" -من منطقة عسير- أن أغلب الوظائف البيطرية في أماكن نائية وبعيدة، وأحياناً هناك صعوبة في الوصول إلى مقر العمل، مبيناً أن جزءاً كبيراً من مرتباتهم تذهب في المواصلات، مضيفاً أنهم يعانون التشتت المكاني والأسري ،كما أنهم يواجهون صعوبة في التعامل مع جمهور صعب المزاج، ويتعاملون مع أمراض حيوانية خطرة، وقد تكون معدية للإنسان بنسبة (99%). بيطريون يعالجون فيروسات الحيوانات قبل انتشارها في بيئة الإنسان د. أحمد اللويمي د. خالد الحربي د. عبدالله الجديعي د. عبدالعزيز العلي د. أمين الحبابي د. ياسر الخضيري د. سعود العوفي د. حسين بو دريس د. إبراهيم الشبيث د. حسن العوض