تخاف بعض الأسر من تغيّر شخصية وسلوك أبنائهم بعد الزواج، بصورة تؤثر على طبيعة علاقاته بهم؛ ولهذا نجد الأم تدعو الله سراً وجهراً أن يرزق ابنها الزوجة الصالحة، التي تختصر المسافة بينه وبين أهله إذا كان مقصراً قبل الزواج، وتقربه أكثر بعد زواجه منها، وكثيرون يرددون بعض الأمثال والمقولات المتعارف عليها التي تتناول حالة الأبناء بعد الزواج: "ابنك في اللفة وابنهم في الزفة"، و"ابني هو ابني حتى يتزوج وبنتي تبقى بنتي طول العمر". وتظل مسألة البر بالوالدين والتواصل مع الأهل نسبية، تتفاوت من شاب إلى آخر، لكن الغالبية منهم يعتذرون دائماً بانشغالهم بأمور حياتهم، وأنّ الزيارة الأسبوعية تكفي مع بعض الاتصالات الهاتفية العابرة، وربما بقي تواصلهم محصوراً في المناسبات الرسمية، والتخلي تماماً عن مسؤولية رعايتهم والإحسان إليهم، والبعض الآخر توطدت علاقاتهم أكثر من السابق، وباتوا أكثر حميمية وتواصلاً مع أسرهم بعد الزواج، حتى لا يشعروا والديهم بالوحدة، ومرارة التهميش. د. العبّار: مبررات التغيير منطقية ولا ينتظر الوالدان أن يؤدي ابنهم أدواره السابقة معهم مشاغل الحياة وكشفت "فاطمة سالم" أنّها سمعت الكثير من المواقف والقصص المخجلة لتغيّر الأبناء على أهاليهم بعد الزواج، مبيّنةً أنّها لم تكن تتصور أن يغيّر الزواج ابنها للحد الذي جعله شخصاً غريباً عليهم، من خلال تعامله وطبائعه، فمنذ بداية حياته الزوجية وهو يتنصل تدريجياً من مسؤولياته تجاه والديه، متعذراً بمشاغل الحياة، التي بالكاد تسمح له بزيارتهم مرة واحدة بالأسبوع، حيث يجالسهم للحظات سريعة، ثم يستأذن بأعذار لا قيمة لها من دون اعتبار لفرحتهم الغامرة واحتفائهم بوجوده. وأضافت أنّ أكثر ما يؤلمها هو أنه بات لا يشتاق لرؤيتها، أو يلتفت لمطالبها، بعدما كان أكثر أبنائها براً ووفاء لها، قبل زواجه، إذ كان لا يأنس بتناول الطعام إلاّ بمشاركتها، بل لا يشتري لنفسه طعاماً أو مشروباً ساخناً إلاّ وأتى لها بمثله، كما كان الوحيد الذي يتفقد أدويتها، ومواعيدها الطبية، وهو المتحمس دائماً لإيصالها لمشاويرها المتعددة، لافتةً إلى أنّها في البداية كانت تلتمس له الأعذار؛ إذ ما زال يحاول ترتيب ظروفه الحياتية الجديدة، مبيّنةً أنّها لا تجد حلاً سوى بعض المحاولات التي تبذلها لتستنهض قلبه النائم والغارق في سبات الحياة الزوجية، فتارة تستحدث المناسبات فقط شوقاً لرويته، وأخرى تتعمد إعداد أكلته المفضلة وتتصل به ليتناول غداءه معهما، وهكذا أصبح لا يزورها، إلاّ بعد استحثاثه باتصالات متكررة. وأشارت إلى أنّ أكثر ما يؤلمها هو سماع أخباره من الآخرين، فإحداهن تخبرها بأنّ زوجته رزقت بالحمل، وأخرى تسأل عن الهدية التي جاء لها بها من سفره -الذي لم تعلم عنه شيء-، مبيّنةً أنّ المؤلم أكثر أنّه لا يهتم بظروف والده الصحية التي ساءت مؤخراً، وكلما أجبرتنا الحاجة للاتصال به يجيب: "ما فيه غيري ؟"، لافتةً إلى أنّها تتفق كثيراً مع مقولة: "ابني هو ابني حتى يتزوج، وبنتي تبقى بنتي طول العمر". الزوج الواعي يبحث عن حلول أفضل بين زوجته وعلاقته بأسرته عائل وحيد وتمنت "سليمة العقيلي" الخير لابنها، مبيّنةً أنّها تشتاق لأن يتزوج ويستقر كحال باقي أقرانه، إلاّ أنّها كثيراً ما تخشى من تبعات زواج ابنها الوحيد، فالخوف يؤرقها من أن يتخلى عنها، وينسى مسؤولياته وواجباته، كما فعل الكثير من شباب اليوم، الذين أداروا ظهورهم لأمهاتهم، ليصبح الواحد منهم لا يرى سوى زوجته، مؤكّدة على أنّها لا تحتمل أي تغيّر في علاقة ابنها بها أو بشقيقاته، فهو عائلهم الوحيد، والمعين لهم بعد الله -جل علاه-. تغيّر الأبناء بعد الزواج أمر طبيعي لأنه يؤدي دوراً مهماً في حياته معاش تقاعدي واشتكت "أمل حامد" من التغير المفاجئ لأبنائها بعد زواجهم، إذ لم يعد فيهم القريب منها والحنون عليها، وبعدما كانوا لا يملون من الحديث إليها أصبحت تستجديهم للجلوس والحديث معها، مبيّنةً أنّها كلما عاتبتهم اعتذروا بمشاغل الحياة التي وإن كثرت عليهم لا تصل إلى حد أن يزيدوا في مساحات غيابهم، فمكانهم أصبح خالياً في كل المناسبات العائلية، مشيرة إلى أنّ البعض منهم وضع حاجزاً فاصلاً لخصوصياته، ورسم لنفسه أسلوباً في التعامل لا يخلو من الجفاء والرسمية، مضيفةً: "لا أخفي أنّ بعض تصرفاتهم تدفعني للبكاء كلما خلوت بنفسي، فلا يوجد منهم جميعاً من يتذكرني، ويتفقد ما يحتاجه البيت أو تحتاجه ابنتي، فكل اعتمادي بعد الله على السائقين، والمعاش التقاعدي لزوجي". د. عطاالله العبار مسؤوليات جديدة وأكّدت "هبة فؤاد" على أنّها حريصة على تذكير زوجها بضرورة زيارة أهله كلما سنحت الفرصة، وأن لا يعتمد على الزيارة الأسبوعية، لكنه كثيراً ما يغضب من ملاحظتها، ويعتبرها بمثابة تذكير بتقصيره مع أنه ليس كذلك!، مبرراً أنّ مشاغل الدنيا ومسؤوليات الحياة الجديدة تجعله بعيداً بجسده، لكنه قريب بقلبه. التزامات مادية واعترف "فهد حمود" بأنّ علاقته بأهله تغيرت بعد الزواج، معتبراً ذلك ليس جحوداً أو إنكاراً كما يتصور الأهل غالباً، ولكن طبيعة تلك المرحلة الانتقالية بمتطلباتها الكثيرة تفرض شيئاً من التغيّر في علاقته بأهله، حيث يقل الوقت، وتتزاحم المسؤوليات عليه، مبيّناً أنّ ما يؤرقه هو عدم تفهم وتقدير والديه لهذا التغير الحاصل، وكثيراً ما تكون عبارات اللوم والعتاب حاضرة في كل زيارة، بل يصفونه بأنّه أصبح "سكانه مرته" تذهب به أينما شاءت، على الرغم من كونها تحثه كثيراً على الاتصال بهم وزيارتهم، مؤكّداً على أنّ تقصيره تجاههم يبقى محصوراً في مقدار الوقت الذي يمنحه لهم، وكذلك صعوبة المساهمة ببعض الالتزامات المادية التي كان يتحملها سابقاً، أما فيما يتعلق في الاجتماعات العائلية فهو أول الحاضرين. خالد الرواضين اتصال يومي ورأى "خالد الرواضين" أنّ تذمر الأهل وشكواهم من تغيّر الابن بعد الزواج أمر طبيعي، وإن كان بعضه يأتي بصورة مبالغة، فالابن مهما كانت علاقته بأسرته قوية ومتينة قبل الزواج فإنّها حتما لن تبقى بالوتيرة ذاتها بعد زواجه، وهذا لا يعني بأنّ منزلتهم الكبيرة قد تراجعت للوراء، مبيّناً أنّ أكثر الشباب تضعف صلته بوالدته تحديداً، حيث تفتقد الأم لاهتمام ابنها، وتفقده لحالها وأحوالها، ومع ذلك نجدها تلتمس العذر له، وتحمل زوجته مسؤولية تقصيره في حقها، لافتاً إلى أنّه من الضروري لكل شاب تحديد الأولويات، والوقت في علاقته بمن حوله بعد الزواج، ومهما تراكمت عليه المسؤوليات يبقى من المهم الاتصال بوالديه والاطمئنان عليهما كل صباح أو مساء في حال تعذرت زيارتهم اليومية. سطوة العواطف وأوضح "د.عطالله العبّار" -مستشار أسري- أنّ هناك الكثير من المبررات لتغيّر الشاب بعد زواجه، أهمها: دخول شخص جديد لدائرة علاقات واهتمامات الابن وهي الزوجة، بل يتخطى الأمر إلى أسرة الزوجة كاملةً، فالزوج لا شك أنّه سيستقطع جزءاً من وقته واهتمامه لزوجته، وكذلك للتعامل مع ألقاب جديدة دخلت دائرة اهتمامه، كالزوجة، والعم، والعمة، وأشقاء الزوجة، وشقيقاتها، والعدلاء -أزواج شقيقات الزوجة-، وربما عشيرتها، وهذا لا شك سيكون على حساب اهتمامه بوالدته ووالده وأسرته ككل وهذا من سنن الحياة الآباء والأمهات قد مروا بهذه التجربة. وأضاف أنّ الاهتمام والرعاية والحب الذي يحظى به هذا الضيف الجديد من قبل الزوجة وأسرتها يجعله يركن إلى ذلك، وقد ينشغل عن الاهتمام بالأهل، خصوصاً أنّ بعض الأسر لا تعطي الاهتمام الكافي الابن، موضحاً أنّ الغالبية لم يربوا على إظهار الحب، فالأم تحب ابنها وكذلك الابن، لكن التعبير اللفظي مفقود، وهذا عكس ما أوصى به حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفي المقابل يجد هذا الابن لاعباً جديداً في الساحة يظهر له الحب والحنان، ويحيطه بالاهتمام، فمن الطبيعي أن ينجذب إلى هذه البيئة، خصوصاً إذا انساق وراء عواطفه دون تحكيم عقله. انتقادات دائمة وقال "د.العبار": "لا شك في أن الأم أنجبت وأرضعت ورعت هذا الابن حتى بلغ ريعان الشباب، وثماره بدأت تؤتي أكلها، وفجأة تظهر امرأة أخرى لتقتطف هذه الثمار اليانعة، فإنّ ذلك سيربك حسابات الأم، وتختلط لديها المشاعر تجاه هذا الموقف، وقد تبدأ علامات الغيرة المرضية بالبروز على سطح العلاقة مع الابن وزوجته، ويتمثل ذلك غالباً بالانتقادات الدائمة، والشكوى من الإهمال، واستحواذ الزوجة على الابن، وما قيل عن الأم ينسحب على الشقيقة أيضاً"، لافتاً إلى أنّه لا يمكن إنكار أنّ من حق الأم والشقيقة أن يشعروا بذلك، حيث إنّ بعض الأبناء عندما شعر بحرية الانعتاق من سلطة الأسرة وأصبح آمراً لا متلقياً للأوامر كالسابق؛ قد ينسى مع غمرة هذه المشاعر الإيجابية في بداية الحياة الأسرية الجديدة ويقصر في تواصله واهتمامه بوالديه وأشقائه. أدوار سابقة ونصح "د.العبار" أسرة الزوج والزوجة بضرورة إدراك الدور الجديد للابن والابنة، وعدم مطالباتهم بلعب الأدوار السابقة كما كانوا، والاتفاق بين الزوج وزوجته قبل أو في بدء الزواج على رسم خارطة طريق للتعامل مع أسرتيهما، والانسحاب بهدوء من دائرة اهتمام الأسرة السابقة وبشكل تدريجي، واستحضار مكانة الأم والأب والأشقاء لدى الأبناء، واحتساب الأجر في صلة الرحم، والتحلي بالشهامة ورد المعروف لأصحاب الفضل الأول -الأم والأب-، وتخطيط الوقت والميزانية مثلاً يكون (70%) من ذلك للأسرة الجديدة واهتماماتهما، و(15%) لأسرة الزوج ومثلها لأسرة الزوجة، مبيّناً أنّه ومن خلال تعامله مع الشباب من الجنسين أثناء الاستشارات الأسرية أو دورات تطوير مهارات الذات؛ وجد ثقة كبيرة في مقدرة الشباب على تنفيذ هذه الأدوار بفاعلية كبيرة.