لا ينفك كتاب السيناريو من أن ينهلوا من معين الدراما العائلية الذي لا ينضب من قصص مؤثرة جديدة، ولكن القصة هذه المرة في فيلم "أغسطس- مقاطعة أوساج August Osage County" كانت أقل تأثيراً مما يجب. تبدو عناصر الفيلم مكتملة فالنص مقتبس من مسرحية حازت عام 2008 على جائزة البوليتزر الأمريكية كأفضل نص مسرحي، وقد حصل عليها تريسي ليتس الذي كتب سيناريو الفيلم، وطاقم التمثيل يحتوي على اسمين في غاية الأهمية هما: ميريل ستريب وجوليا روبرتس، لكن فيما يبدو أن المخرج جون ويلس لم يحسن توظيف هذه العناصر، واختار أن يبقي على الأجواء المسرحية للنص. وقد هاجم كثير من النقاد ابتعاد الفيلم عن الكوميديا التي كانت أساس المسرحية، والحقيقة أنه باستثناء بعض الحوارات التي تميل إلى الكوميديا السوداء فالفيلم يمكن تصنيفه كفيلم درامي. ولربما أعطت الدراما ساحة مبارزة في الأداء بين ميريل ستريب وجوليا روبرتس، فوجود ستريب في معظم المشاهد أعطى جوليا روبرتس طاقة إضافية في آداء متميز، لكنها في ذات الوقت كشفت عيوباً كثيرة. تدور أحداث الفيلم في شهر أغسطس الشديد الحرارة في مقاطعة أوساج الريفية في ولاية أوكلاهوما وهذا هو سبب التسمية. يبدأ الفيلم ببفيرلي ويستون (قام بدوره سام شيبرد) الشاعر المدمن وهو في مكتبة يعرف نفسه وزوجته فيوليت (ميريل ستريب) المريضة بسرطان الفم، لطباخة تدعى جوانا(ميستي أوبهام) يود منها أن تعمل لديهم وتعتني بزوجته. تدخل ميريل ستريب بشعر أبيض خفيف وقصير جداً وتبدو في حالة غير طبيعية، لنعرف أنها تدمن كل أنواع الحبوب المسكنة والمخدرة، وأنها امرأة سليطة اللسان. يختفي الأب وتدخل الأم في حالة من القلق وتستدعي أختها وبناتها. تحضر أولاً أيفي (جوليان نيكولسون) الأصغر والتي بقيت في نفس المقاطعة بجوار أبيها وأمها وهي غير متزوجة. كما تحضر أخت فيوليت مايتي في (مارجو مارتينديل) وزوجها تشارلز (كريس كوبر). ثم بعدها بقليل تحضر البنت الكبرى باربرا(جوليا روبرتس) وزوجها بيل (إيوان ماكجريجور) وابنتها جين (ابيجيل بريسلين) ذات الأربعة عشر ربيعاً. ثم تحضر البنت الوسطى كارين (جوليت لويس) مع رجل أعمال (ديرموت مولرني) تزعم أنه خطيبها. لا تتوانى فيوليت من إحراج الجميع، كاشفة أسرار الجميع الخاصة سراً وراء آخر. تصل باربرا بعد أن تتعرض لها فيوليت إلى أقصى حالات الغضب. وفي مشهد مسرحي بامتياز تنقض باربرا على أمها وتأخذ منها كل الحبوب المخدرة التي لديها لترميها في القمامة، لكن فيوليت الخبيرة تنجح في إخفاء بعض الحبوب لأنها تعود من جديد للحالة السابقة. تبدو باربرا غير بعيدة عن أمها في التسلط وبذلك تكون هناك حرب معلنة بين الاثنتين. تعتقد باربرا أنها الأكثر قوة فالأم بالطبع في حالة مرض وضعف ولكن لسانها يكفل لها أن تقلب الطاولة دائماً على الآخرين. في الجانب الآخر فأختها ماري أيضاً ليست أفضل حالاً مع ولدها فهي تزدريه طوال الوقت وبشكل يوحي أن الأختين اللتين تعرضتا لطفولة سيئة، كما رددت فيوليت، يكرران مامر بهما على أولادهما في سلسلة لا تتوقف من تكرار الماضي البائس، كذلك فنحن نرى أن باربرا أيضاً ليست على علاقة جيدة مع ابنتها. رغم مشاهد الحقول والمساحات الشاسعة التي نراها في الفيلم، لكن كل المشاهد الأساسية للفيلم تحدث داخل هذا البيت وبشكل يذكر بالمسرح بشكل كبير، مثل المشهد الذي تجلس في الأخوات الثلاثة ويبدأ بينهما معاتبات ومكاشفات، فهي تبدو وكأنها مكتوبة لتعرض على منصة مسرح. كما أن الحضور الطاغي للشخصيتين الأساسيتين الأم والبنت الكبرى قد أكسب كلاً من ميريل ستريب وجوليا روبرتس ترشيحاً للأوسكار لكنه في نفس الوقت طغى على الشخصيات الأخرى فأصحبت باهتة لا وجود حقيقياً لها. لا شك أن شخصية فيوليت شخصية مضادة لمفهوم البطولة، فهي شخصية مكروهة بكل المقاييس، ولكننا بالتدريج نفهم حقائق صعبة في حياتها، فطفولتها البائسة التي تعرضت فيها لكثير من العنف كما تقول، وزوجها الذي كان مدمناً وخائناً أيضاً، وشعورها بالوحدة وبالكبر وبالعجز، تجعلنا في النهاية نشعر ببعض الشفقة عليها. لكن الفيلم لا يجعلنا نذكر فيوليت ولا مأساتها، بل نذكر فقط ما قدمته ميريل ستريب وربما هذا هو مكمن ضعف الفيلم.