لا شيء يعادل فرحة الطالب في المدرسة قديماً -خاصة في المرحلة الابتدائية التي تمثّل مرحلة البراءة والطفولة- مثل استقبال يوم دراسي بلا دراسة، وتحديداً عند تخصيص ذلك اليوم لرحلة مدرسية شيقة، حيث يبدأ الاستعداد من الجميع لهذا الحدث الجميل الذي يظل التلاميذ في ترقب ولهفة له منذ بدء الدراسة. هذه الرحلة تأتي في زمن يكون الطلاب أحوج ما يكونون إليه من كسر روتين اليوم الدراسي الطويل والثقيل والممل أحياناً بقيوده التي تفرضها جدية التدريس والتحصيل العلمي بجمود المناهج وقلّة الترفيه، إلاّ من بعض البرامج كالكشافة على قساوتها، وبعض من الأنشطة الثقافية والاجتماعية بمعناها البسيط والإمكانات المتواضعة جداً في ذلك الزمن. أجمل ما يبقى في العمر من ذكريات حين تكون «براءة الطفولة» في أبسط حضورها مع الآخر فكه.. من الفلكة وعند الحديث عن المدرسة فلا بد أن نشير إلى ما كان يحظى المعلم من قوة شخصية وهيبة واحترام من جميع الطلاب يشوبها الخوف من عقابه.. فقد كان للمعلم مطلق الحرية في التأديب لأي طالب كان دون مناقشة من أحد.. فولي الأمر مع المعلم دائماً؛ لذا تجد الطالب المشاغب مثلاً أو الكسول في دروسه وأدائه عرضة للعقاب الصارم الذي يتمثّل في الضرب الذي كان مسموحاً به أو على الأقل مسكوتاً عنه من قبل المسؤولين لعلمهم اليقين بدوره في التربية قبل التعليم في ذلك الوقت، وعلى الرغم من ذلك فقد كان ضرب المعلمين في تلك الفترة السابقة أي منذ أكثر من نصف قرن مبرحاً، بل كانت المدارس أشبه بمعتقل؛ فالويل كل الويل لمن يقع تحت طائلة العقاب، فإذا ما دوى على أسماع الطلاب صوت الصافرة مرتين متتاليتين؛ فإن ذلك نذير شؤم، حيث إن العقاب سيقع على طالب أو أكثر فيتجه الطلاب جميعاً إلى ساحة المدرسة ذات المبنى الطيني الضيق ليشاهدوا من سيقع عليه العقاب وما هي إلاّ لحظات حتى يلوح لهم فراشان وقد جاءا بطالب يمسكان به عن اليمين وعن الشمال تخط رجلاه في الأرض، وكأنه يقاد إلى ساحة القصاص، وما هي إلاّ لحظات ويحضر المدير والوكيل وعدد من المعلمين ليشهدوا تنفيذ الحكم، حيث ينام الطالب على ظهره ومن ثم توضع رجلاه في (الفلكة) وهي عصا بطول المتر تقريباً مستديرة بسماكة متوسطة مثل نصاب (المسحاة) مخرومة عند طرفاها ومربوط بها حبل غليظ متدلي من جانبيها، حيث توضع ساقا الطالب فيها ومن ثم تلف العصا فيلتف الحبل على ساقيه وتبدو رجلاه فلا يستطيع الحراك، بينما يمسك الفرّاشان بالطالب على الأرض حتى لا ينهض ويبدأ المدير أو الوكيل بضرب الطالب على بطون رجليه وهو يتلوى من الألم ولا يستطيع حراكاً حتى ينتهي المدير من الضرب؛ فيتم فك سراحه وقد لا يستطيع المشي من شدة الضرب، وعادة ما يكون هذا العقاب الشديد للطلبة الذين لم تجد معهم وسائل الردع ويكون سلوكهم مشيناً أو من الطلبة الكسالى والمشاغبين كمن يتعمد الغياب أو الهروب من المدرسة أو التلفظ على أحد المعلمين بألفاظ سيئة وما شابه ذلك، والحقيقة بأنه على الرغم من شدة العقاب إلاّ أن ذلك كان مجدياً نوعاً ما في ضبط سير المدرسة، وإن كانت المبالغة في العقاب سائدة حتى من المعلمين المتعاقدين آنذاك، وكان العقاب يكاد يكون على أتفه الأسباب، مثل أن يرى أحد المعلمين الطالب خارج البيت بعد الدراسة يلعب مثلاً أو يمشي في السوق فيعاقبه لماذا تخرج من البيت، وقد أثر العقاب الشديد على عدد من الطلاب وجعلهم يتركون إكمال تعليمهم بالكلية وخصوصاً ممن لم يكن له ولي أمر صارم أو وقع في اليتم صغيراً. طلاب في لقطة جماعية مع نهاية الرحلة بيالتك.. وريالك.. واركب ما أجمل تلك الكلمات التي تنساب بين شفتي المدير أو الوكيل بعد نهاية الطابور الصباحي، وهي تُلقي بل تزف البشرى إلى التلاميذ بأن يوم غد هو رحلة مدرسية؛ فعلى من يرغب الذهاب مع المدرسة أن يحضر غداً ومعه الموافقة.. وقد يتبادر إلى الذهن بأن الموافقة هي خطية كما هو الحال عليه اليوم، وذلك بأن تعطي المدرسة كل طالب يرغب استمارة طلب الموافقة على الرحلة من ولي أمره ليكتب مرئياته بالموافقة من عدمها، ولكن الموافقة هي أن يحضر كل من يرغب الذهاب في الرحلة (بيالة) شاي وريال واحد فقط وهو مبلغ كان له قيمته في ذلك الزمن الذي يتخطى النصف قرن، ولا أدل على ذلك بأنه أثناء حرب الجزائر صدرت الأوامر بأن يخصص تبرع لكل من يرغب من الأهالي بريال واحد وسمي ب (ريال الجزائر)، حيث إن كل من يحضر هذا الريال يعطى طابعاً تذكارياً قيمته ريال واحد فقط احتفظ الكثيرون من الناس بهذا الطابع كدليل على مشاركتهم المشرفة، وما أن يعود الطلاب إلى منازلهم إلا وقد تحلقوا على ولي أمرهم طالبين منه الموافقة على ذهابهم والسماح لهم بأخذ بيالة من المطبخ، وإعطائهم ريال؛ لكي يتسنى لهم الذهاب مع المدرسة في تلك الرحلة، وبعد أن يحصلوا على الموافقة والريال يخلدون إلى النوم مبكرين وهانئين على غير العادة، ومنذ شروق الشمس تجدهم يسابقون الخطى في الذهاب إلى المدرسة من أجل ألا تفوتهم تلك الرحلة السعيدة. وفي المقابل فإن المدرسة تكون قد أكملت استعدادها لهذه الرحلة منذ الصباح الباكر، حيث تم استئجار سيارة أو سيارتين لنقل المدرسين والطلاب بأجرة معلومة من أحد المعارف في القرية؛ إذ لم يكن الكثير من المعلمين يملك سيارة خاصة، فقد يكون المدير فقط هو من يملك سيارة أو أحد المعلمين، أما البقية فيأتون إلى المدرسة مشياً على الأقدام أو بركوب دراجة هوائية، ومن يملك دراجة نارية (دبّاب) فهو من المحظوظين والمغبوطين من زملائه المعلمين، ونأتي إلى الطلاب الذين يضمهم الطابور الصباحي ممن تمكن أن يحضر ريالاً من والده فتراه ممسكاً به بكلتا يديه ولا يفلته إلاّ بعد أن يقع في يد المدرس المسؤول عن جمع (قطة) الرحلة، أما الطلاب الذين لم يتمكنوا من احضار ريال الرحلة فإنهم لا يحضرون إلى المدرسة، بل يهنأون بنوم عميق وهادئ يعوض عليهم لوعة عدم المشاركة في الرحلة لفقر والديه اللذين يعجزان عن توفير هذا المبلغ وإن كان البعض يراه قليلاً إلاّ انه كان بمقاييس ذلك الزمان مبلغاً كبيراً لمحدودي الدخل، خاصة لمن لديه مسؤوليات واحتياجات أكبر، أو يكون له ولدان أو ثلاثة يدرسون في المدرسة، وما أشد لوعة من أحضر (ريال) القطة بعد أن ترجى والديه في الحصول عليه بالإلحاح والبكاء حتى ظفر به، وعندما ذهب إلى المدرسة وقبل أن يصل تحسس جيبه فلم يجده فقد ضاع منه فرجع مع طريقه وهو يبحث عنه، ولكن باءت محاولات العثور عليه بالفشل فرجع إلى منزله والحزن يكاد يقتله وذهب إلى فراشه (وسحبها نومة) فلن يصدقه مدير المدرسة والمعلمون بأن رياله ضاع. المعلمون في «الغمارة» والطلاب في الصندوق مع العفش و«الذبيحة».. و«الفرّاش» مجهز «عدة الطبخ» «فطور وغدا» ومسابقات شد الحبل وألغاز ولعب «كورة» مع المدرسين.. وفلّة حجاج قطة اليتيم.. ريالك واصل من التكافل الاجتماعي الذي كان موجوداً في المدارس منذ القدم وإلى الآن هو النظر بعين العطف إلى الطالب اليتيم ومراعاة ظروفه، ومن ذلك أنه عند الترتيب للرحلة يعلم القائمون والمشرفون عليها بالأيتام الذين يدرسون بالمدرسة والذين لا يسعفهم الحال بدفع قيمة (قطّة) الرحلة؛ فتجدهم يقولون للطالب اليتيم في ذلك اليوم الذي يسبق الرحلة ويطلبون إحضار القطة بأن ريالك وصل؛ فاحضر غداً فقط ببيالتك لتشارك في الرحلة، فتغمره السعادة بهذا الخبر المفرح فهو لا يستطيع كغيره من الموسرين أن يحضر مثل هذا المبلغ بعد أن فقد عائله، بينما يكن أقاربه الثناء والتقدير لمدير المدرسة ومعلميها على صنيعهم الطيب الذي يدل على نبل أخلاقهم. صندوق (اللوري) بعد أن يتم جمع (القطّه) من الطلاب ويتم حصرهم يتم توجيههم إلى الركوب في السيارة التي ستذهب إلى أحد الأودية القريبة من البلدة، والتي تشتهر غالباً بشجرها الكثيف، حيث يركب الطلاب مع معلميهم في سيارة أو سيارتين حسب عددهم ويكون نصيب المعلمين الركوب في (غمارة) السيارة، أما الطلاب فيكون ركوبهم في (صندوق) اللوري يزاحمهم (قش) الرحلة من البيالات التي تم جمعها من الطلاب ووضعت في قدر كبير من قدور الطبخ و"عدة الطبخ" وبسط الجلوس، وفي زاوية من زوايا صندوق (اللوري) تم ربط ذبيحة الرحلة التي تم شراؤها للفطور والغداء والتي أزعجت الركاب بصوت ثغائها وهم فرحون أثناء مسيرهم إلى مكان الرحلة الذي لا يبعد كثيراً عن البلد. «الحبنتية» في لقطة مع أحد المعلمين العرب في منتصف الثمانينيات الهجرية ذبيحة الرحلة بعد الوصول إلى مكان الرحلة في البر الفسيح يتم اختيار مكان مكشوف لسهولة مراقبة الطلاب، بحيث يستظل الجميع تحت ظل شجرة كبيرة أو شجرتين متقاربتين ويبدأ الطلاب بإنزال العفش من صندوق اللوري في عمل جماعي منظم، حيث يتم فرش البسط وانزال أدوات الطبخ ويتم نصب القدور ويتم تصليح الشاي والقهوة من قبل مجموعة من الطلاب مختصين بهذا المجال، وهم من الطلبة الكبار، ويكون عملهم تحت اشراف الفراشين، أما المعلمون فيكون دورهم اشرافيا فقط بحيث يوجهون الطلاب، بعد ذلك يختار الفراشون إحدى الأشجار القريبة ومن ثم يذبحون الذبيحة أمام مرأى الطلاب وهم في سعادة غامرة بمساعدتهم الكبار في سلخ الذبيحة وتقطيعها، ويبدؤون طبخ (المعلوق) وهو الكبدة والرئة والقلب والكليتان وبعض اللحم الرقيق والشحم، وذلك بعد أن يشعلوا النار في الحطب التي يجمعها بعض الطلاب، وبعد نضج وجبة الفطور يتم توزيع الطبخ بين الطلاب والمعلمين بحيث يجلس المعلمون على بساط وصحن واحد أما الطلاب فيجلسون على أكثر من صحن نظراً لكثرتهم، ومن ثم يتم توزيع الخبز الذي تم شراؤه من المخبز القريب من المدرسة قبل انطلاق الرحلة بقليل كل اثني عشر رغيفاً بريال واحد، كما يشرب الجميع الشاي الذي يعد في إبريق كبير جداً، بحيث يحضر كل طالب بيالته وتملأ بالشاي ويتم شربه أثناء تناول وجبة الفطور اللذيذة. «الطفارى» يسحبونها نومة إلى الظهر و«ريال اليتيم واصل» في أسمى قيم التكافل «الحبنتية» من الطلاب «يطبخون وينفخون» ولسان حالهم: «هو صدق طلعنا من المدرسة.. فكّه من الفلكة» يعود الطلاب من المدرسة كل واحد معه «برتقالة» ويرددون: رحنا وجينا سالمين.. أكلنا «حلاوه» و«ساردين» (الحبنتية).. يطبخون وينفخون بعد تناول وجبة الفطور تكون هناك استراحة قصيرة يتخللها بعض الألعاب والكلمات من المدرسين، ويكون الطلاب على أحر من الجمر في انتظار الإذن من المشرف على الرحلة كمدير المدرسة أو الوكيل للسماح لهم بلعب الكرة، وغالباً ما يتم البدء في ذلك قبل صلاة الظهر بساعة بحيث يتم لعب مباراة بين المعلمين والطلاب من شوطين كل شوط نصف ساعة، وقد يعوض المعلمون نقصهم وقلّة عددهم أمام أعداد الطلاب باختيار عدد من الطلاب، خاصة الكبار والحاذقين بلعب الكرة فيسارعوا في ذلك بالانضمام إلى المعلمين في فرحة غامرة، حيث سيلعبون مع معلميهم، ويستمر اللعب حتى سماع الأذان لصلاة الظهر فينصرف الجميع إلى الوضوء والاستعداد إلى صلاة الظهر جماعة، ثم يؤم الجميع عادة مدير المدرسة أو معلم التربية الإسلامية، وبعد الصلاة يساعد مجموعة من الطلاب فراشي المدرسة في اعداد وجبة الغداء، وهي عادة من اللحم والأرز، حيث يُنصب قدر (أبو ذبيحة) -سمي بذلك لأنه يتسع لطبخ ذبيحة كاملة بداخله مع الأرز-، ويتم تقطيع اللحم إلى قطع صغيرة بحجم كف اليد تقريباً، وتُطبخ في القدر، ثم يضاف الأرز بعد ذلك وينتظر أن ينضج. برنامج الرحلة من ضمن برنامج الرحلة بعد الإفطار واستماع كلمات توجيهية ولعب الكرة قبل صلاة الظهر يكون هناك برنامج مفتوح بعد صلاة الظهر، حيث يجلس جميع المعلمين مع الطلاب ومدير المدرسة على بساط واحد، ويتم تجاذب أطراف الحديث كما تجرى عدد من المسابقات الثقافية في المناهج الدراسية والمعلومات العامة، وقد يكون هناك مساجلات شعرية. ومن برنامج الرحلة أيضاً اجراء المسابقات الرياضية الشيقة كمسابقة شد الحبل، حيث ينقسم الحضور إلى مجموعتين كأن يكون المعلمون من جهة والطلاب من جهة أخرى، ويتم شد الحبل بينهم وسط الفرح والتشجيع، كما تُجرى هذه المسابقة بين الفصول، ومن الرياضات أيضاً رياضة سباق الجري التي يبدع فيها عدد من الطلاب، ويستمر اللعب والسجال حتى موعد وجبة الغداء قبيل صلاة العصر بقليل، وبعد الغداء يستريح الجميع قليلاً ويؤذن أحد الحاضرين لصلاة العصر ويستعد الجميع للصلاة بالوضوء، وتكون الرحلة في آخر مراحلها حيث ينتظر الجميع العودة بعد يوم رحلة جميل حافل بالعديد من الأنشطة التي تدخل الفرحة على القلوب. ابتسامة المدير..! وفي الرحلة يكتشف الطلاب شيئاً جديداً وهو من أهم مزايا الرحلات المدرسية ومن الهدف المنشود منها، وهو تقرّب المعلمين من الطلاب؛ فيتفاجأ الكثير من الطلاب بالوجه المرح والبشوش للمدير عكس رؤيتهم له في المدرسة بوجهه المقطب الدائم والغضوب؛ فعند تعالي ضحكاتهم تراهم ينظرون إلى بعضهم متعجبين وكأنهم يقولون إن المدير يضحك وكذلك الوكيل ومدرس اللغة العربية، بينما تعقد الدهشة ألسنة الكثيرين منهم ولا يكاد يصدق ما يرى واذا ماعاد إلى البيت يحدّث والده ووالدته وربما اخوته عن ذلك، ويقسم لهم الأيمان المغلظة بأنه شاهدهم بعينيه وهم يمرحون ويضحكون!. إعداد وجبة الغداء في الرحلة يستغرق وقتاً طويلاً رحنا وجينا سالمين مع سعي الشمس الحثيث للغروب يكون ذلك إيذاناً بقرب ختام الرحلة بعد يوم جميل قضاه المعلمون والطلاب في نزهة خلوية؛ فيبدأ الجميع في جمع أغراض الرحلة من أدوات الطبخ والأثاث ويتم تسليم كل طالب (بيالته) الخاصة به، ومن ثم حصر الطلاب للعودة فيركبون في السيارة عائدين إلى منازلهم والفرحة بادية على وجوههم. وقبل ركوبهم في السيارة وانطلاقتها يتم توزيع برتقالة أو تفاحة على كل طالب ليعود بها إلى بيته وهي بمثابة هدية قيمة كمن يوزع في عصرنا الحاضر أنواع الحلوى الفاخرة أو (الجاتوهات) اللذيذة، وذلك نظراً لندرة الفاكهة في ذلك الزمان وثمنها الباهض وعدم توفرها إلاّ في أسواق المدن الكبرى، وبعد ركوبهم في السيارة وأثناء سيرهم راجعين تجدهم يرددون عبارات تنم عن الفرح بهذا الوقت الجميل الذي قضوه في هذه النزهة؛ فيرددون أهازيجهم الخاصة بهذه المناسبة: رحنا وجينا سالمين أكلنا حلاوه وساردين أو يرددون: السواق دوس دوس الله يعطيك العروس فواتير الرحلة بعد تقدم السنين وتحسن الحالة المادية في البلاد لم يعد هناك حاجة إلى أن يجمع الطلاب (القطّه) لقيام المدرسة برحلة مدرسية؛ فقد خُصص للرحلات المدرسية ميزانية قُسمت على المدارس، وصارت تُعد رحلتين أو أربع في العام الدراسي، وبعد كل رحلة يتم إعداد فواتير بقيمة المشتروات، ويتم صرف المبلغ على ضوئها. وكانت الإشكالية في فواتير الماشية التي كانت تُشترى من السوق من مربي الماشية الذين لا يكادون يحسنون القراءة والكتابة، وفي موقف طريف فان أحد المعلمين أحضر خروفاً للرحلة وجاء بفاتورة كتب فيها المبلغ مقابل قيمة الخروف والتي كانت خرافية ومبالغ فيها، فكتب واحد (خروف سمين جداً جداً). رحلات منظمة بقيت الرحلات المدرسية في برامج المدارس ولكنها فقدت نكهتها مودعة زمن البساطة، حيث إن الرحلات البرية والخلوية انتهت واستبدلت برحلات أكثر تنظيماً إلى المصانع والجامعات والمتاحف وغيرها من المعالم التي تزخر بها المدن والقرى على حد سواء، وصار الطلاب يُمنحون العديد من المنتجات التي تنتجها المصانع والإهداءات القيمة والتذكارية، وهي ضرورة فرضتها ثورة التقدم الذي يشهده العالم وباتت الرحلات الخلوية إلى البراري والمتنزهات القريبة ببساطتها ذكرى جميلة عايشها الجيل الأول ولا تزال عالقة في الذاكرة مهما تقدم العمر والزمن. معلم يحتسي الشاي في رحلة مدرسية عام 1407ه الرحلات البرية أفضل مكان يجمع الأصدقاء معلم في مدينة جلاجل يتوسط طلابه في رحلة الكشافة قبل نحو أربعين عاماً رحلات الكشافة زادت من تعلق الطلاب بالعمل الجماعي وتطبيق النظام الرحلات المدرسية لا تزال مستمرة ولكن يبقى الماضي حاضراً في الذاكرة «أرشيف الرياض»