يعتقد البعض أن الجذب الكوميدي للناس يصلح في كل زمان ومناسبة، معتمدين في ذلك على حالة الارتباك التي تعيشها الشعوب العربية في ظل أزماتها التي لا تنتهي، وتكون المشكلة كبيرة عندما يصبح الإعلام المنوط به رفع سوية الناس وتقديم المفيد لهم مطية لهذا النوع من الإسفاف الذي لا يحرِفُ الرسالة الإعلامية عن أهدافها وحسب، وإنما يقدم رسالة معاكسة تماماً في الأهداف، معطياً نتائج غير حميدة، خاصة عندما يتم توظيف الإعلام لغايات سياسية محددة، ويقدم في قوالب ليست كوميدية بقدر ما هي سمجة بكل معنى الكلمة. ما دفع إلى هذه المقدمة هو الظهور الجديد للإعلامي المصري الشهير باسم يوسف، والذي شكل خلال المرحلة الأخيرة حضوراً مميزاً، استمد قوته من كونه منتقداً ولاذعاً وساخراً، لكنه تحول في الفترة الأخيرة إلى سياسي أكثر من كونه مجرد كوميديان يعلق على الأحداث السياسية، وارتدى عباءة أخرى ليست له. في أول إطلالة له على قناة MBC مصر، والتي لاقت مشاهدة جيدة، من خلال التزاوج المرحلي، بين إعلامي معروف، ومحطة لامعة، لفت باسم يوسف وبرنامجه "البرنامج" أنظار الجميع، الذين رأوا في بداية الأمر، أن ثمة تجربة جديدة وأفكاراً مبدعة تستحق التوقف عندها سيما وأن هذا الإعلامي المثير للجدل، عرف بنقده الجريء والساخر، رغم الهامش الذي كان مقدماً للصحافة في مصر. بيد أن المفاجأة جاءت عندما قدم يوسف حلقة كوميدية هزيلة للغاية، قدم فيها رسائل اعتذار خفيفة الظل لكل من ناله انتقاد باسم يوسف!. البرنامج كان بمثابة دعاية سياسية مبتذلة وسخيفة ومسيئة للفريق السيسي ولجيش مصر أكثر مما تسيء لمقدم البرنامج نفسه، خصوصاً أنه قدم أول حلقة لهذا البرنامج من قناة قوية. ففي حلقته هذه قدم نفسه كمروج لموقف سياسي بعينه وهو أمر لا يستحب كثيراً، خاصة إذا كنا نعيش في عصر صحافة موضوعية ومتوازنة ومعتدلة. ورغم أنها أول حلقة ليوسف على محطة محترمة مثل إم بي سي إلا أن الآداء كان لا يستحق المشاهدة ولا يرتقي إلى مستوى ما روج له من دعاية وتسويق وإعلانات لا يستحقها هذا الآداء الهزيل المخيب! الذي لا يذكرنا إلا بالفقاعات الغنائية التي تظهر في سمائنا سريعاً ثم تختفي سريعاً. قدم يوسف في بداية الحلقة مشهداً تمثيلياً يعرض فيه أفكاراً لبرنامجه على منتج بقناة فضائية، وعرض عليه أن يقدم برنامج طهي أو رياضة، أو حتى برنامج تفسير أحلام، وفشل يوسف في جميعها، وقرر تقديم "برنامجه!". وبغض النظر عن القالب الذي وضعنا فيه باسم يوسف، ونحن متسمرون أمام الشاشة، انطلاقاً من رغبة الوصول إلى الأفضل والجديد حيث انتقد مقدم البرنامج يوسف الإعلام المصري في مشاهد متعددة، وفي لفتة أخرى، وعلى ألحان "ثلاثي أضواء المسرح" قدم أغنية "سكوت كلاكيت"، وحاول بعدها أن يقلل من الحديث عن الوضع السياسي المصري، ممسكاً بجهاز التحكم في التليفزيون متنقلاً بين المقاطع للبحث عن شيء مختلف على التليفزيون. ولعل الموقف الذي يجب التوقف عنده هنا، هو تقديم باسم يوسف نفسه كمسوق إعلاني، وهو أمر لا يليق بمعد برنامج شهير، وطبيب أيضاً؛ إذ أعلن عن برامج عدة مثل برنامج "يحدث في مصر" للإعلامي شريف عامر، وبرنامج "الشيف حسن"، وبرنامج وفاء الكيلاني، وبرنامج Arabs Got Talent. ومع أن يوسف استضاف في الفقرة الثالثة من الحلقة فرقة "كايروكي" وأحدث ألبوماتها الغنائية، وعرض في نهاية الحلقة دويتو غنائي جمع بين "كايروكي" والمطربة سعاد ماسي، إلا أن تقديمه لفقرات فنية هابطة، على شكل فلاشات عابرة ومملة وسمجة، ترك انطباعاً عاماً بأنه سار في حلقته الأولى في الاتجاه الخاطئ، فاقداً بوصلته وهويته وموضوعيته، واتضح أن البرنامج ليس نزيهاً إلى هذا الحد بل يخدم توجهات سياسية بشكل مكشوف أضاع بسببه روحه وهدفه ومضمونه!. باسم يوسف لم يصعد إلى سلم الشهرة منذ البداية إلا بأسلوبه الناقد اللاذع، المهتم بقضايا الفساد وسلبيات المجتمع، المنصف للفقراء والمهمشين، وأي ابتعاد منه عن هذه الجادة سيحوله إلى مجرد فقاعة إعلامية سرعان ما تنطفئ، وما حملته الحلقة الأولى توحي أن برنامجه قد يتحول إلى برنامج عادي جداً، وهابط المستوى وبدون رائحة ولا طعم ولا هوية، وممل كذلك، ولا سيما عندما لا تسعف المقدم الفكرة الكوميدية المناسبة أو الآداء الكوميدي الحقيقي البعيد عن التهريج.