منذ أن كانت "حنان" طفلة وهي لا تعرف سر الخلافات الكبيرة التي تحدث بين أسرتها وبين "عمتها"، فما تعرفه هو أنها مع شقيقاتها لا يستطعن زيارة تلك العمة أو التقرب من أبنائها، فالأم منذ سنوات طويلة وهي تتحامل على تلك العمة وتحاول أن تمنع أبناءها من التواصل معها أو مع أحد أبنائها؛ لدرجة أنها إذا علمت أن تلك "العمة" ستتواجد في مناسبة ما في بيت أحد الأقارب، فإنها لا تذهب إلى تلك المناسبة وترفض بشدة أن يذهب أحد أبنائها الذكور لزيارة عمته، وحينما تعلم بحدوث ذلك فإنها تتحامل على ذلك الابن وقد تعرضه لعقاب شديد، فمواقفها وانطباعاتها الشخصية يجب أن يتبناها أبناؤها حتى إن لم يعرفوا أسباب ذلك الخلاف وذلك التحامل. مشكلتك مع قريبك لا تعني منع أطفالك من الاحتكاك بأولاده أو حضور مناسباته يحاول أحد الوالدين أحياناً أن يدفع أبناءه لاتخاذ مواقف سلبية تجاه أحد الأقارب من الذين لا يقبلهم، أو يوجد بينه وبينهم مشكلات قديمة، وقد يحرص حينها على أن يبتعد بأبنائه عن ذلك القريب فلا يتحدثون مع أبنائه ولا يعملون على زيارته، وربما وصل الأمر إلى منع الزواج منهم حتى إن كان الطرف الآخر الذي يتخذ أحد الوالدين موقفاً منه مقرباً منهم، فالأهم أن يحمل الأبناء ذلك الكره بداخلهم حتى إن لم يفهموا أسباب ذلك التحامل والكره بشكله الحقيقي، فهل من المجدي أن نجعل أبناءنا يتحملون مواقفنا السلبية تجاه بعض الأقارب؟، وهل القطيعة هي العلاج لمثل هذه المواقف؟، وهل من الممكن أن يُورث الحقد للأبناء لمجرد وجود خلافات في وجهات النظر؟. مشاعرك السلبية تجاه أقاربك لا تورثّها لأطفالك توارث الأحقاد وقالت "فاطمة الحمد" إلى أنه من الظلم أن يجعل أحد الوالدين من انطباعاته الشخصية تجاه البعض أو خلافاته القديمة معهم ذريعة لدفع الأبناء نحو التحامل عليهم أو القطيعة معهم، مضيفة أن البر بالوالدين هنا لا يعني أن ندفع الأبناء لدفع ضريبة خلافاتنا وإشكالاتنا مع الغير، موضحة أنه لا يجب أن يدفع الأبناء ثمن انطباعاتنا وخلافاتنا الشخصية مع بعض الأقارب؛ لأن في ذلك دفع للكره والأحقاد ورسم دائرة من الخلافات التي يتوارثها الأبناء والأحفاد. وأضافت أنه قد يتم ذلك كله دون سبب وجيه، مشيرة إلى أن إحدى قريباتها بذلت جهداً كبيراً في سبيل أن تخلق الكره في نفوس أبنائها تجاه عمهم نتيجة أنه لم يكن على توافق كبير مع أبيهم، موضحة أنها حاولت أن توسع من دائرة الخلافات تلك وسعت إلى قطيعة الأبناء مع عمهم، لدرجة أنها كانت تمنعهم من زيارة ذلك العم أو التقرب منه حتى في المناسبات العائلية، مبينة أن أبناءها كبروا وبداخلهم عدم القبول لعمهم على الرغم من أنه يحسن التعامل معهم ويسعى للتقرب منهم. الأطفال أكثر تأثراً بمشاعر الآباء وأشارت إلى أنهم ورثوا ذلك الكره عن الأم وأصبحوا يتجاهلون عمهم ويحاولون أن يبتعدوا عنه وعن أبنائه، على الرغم من محاولة أبنائه الدائمة للتقرب منهم وتحسين العلاقة المقطوعة معهم دون أسباب حقيقية، مبينة أنهم اعتادوا أن يتحاملوا عليهم متأثرين في ذلك بتحامل أمهم على عمهم، على الرغم من محاولاته الدائمة لكسب هؤلاء الأبناء دون جدوى، مشيرة إلى أن على الوالدين أن يدركوا الأبعاد السلبية لمثل تلك الأحقاد على الأبناء، فإذا كان أحد الوالدين مضطراً لأن يحمل بداخله العداء لأحد الأقارب، سواءً كان ذلك التحامل من جهة الأم أو الأب فإنه يجب أن يحيد الأبناء عن تلك المشاعر السلبية. وبينت أنه يجب على الوالدين أن يدركا أن هؤلاء جيل جديد يجب أن يتعاطى مع زمنه بطريقة متحضرة وعصرية ومتوازنة بعيداً عن التحامل انطلاقاً من مبدأ "أنا وأخي على ابن عمي"، مشيرة إلى أنه يجب أن تتم تربية الأبناء على التسامح المطلق؛ لأن في ذلك مصلحة وخير لهم أفضل من توارث الكره والأحقاد. قطيعة الرحم ولفتت "عفاف أمجد" إلى أن هناك آثار كبيرة وخطيرة على من يحاول أن يدفع الأبناء إلى حمل مشاعر الكره والعداء لأحد الأقارب لمجرد عدم قبول أحد الوالدين لهم، مضيفة أن المشكلة تكمن في أن هذه المواقف تعمل على توسيع دائرة الخلافات داخل العائلة الواحدة، كما أنها تساعد على تكون الأحزاب وخلق تيارات متعددة داخل الأسرة الواحدة، مبينة أن في ذلك جانب سلبي قد يجعل من الجيل الجديد متحاملاً ومتحزباً دون وجود أسباب منطقية لذلك العداء. وأضافت أن الأمر يشتد سوءاً حينما يؤدي إلى قطيعة الرحم والقرابة لمجرد أن أمي ترفض بيت عمي أو أن أبي يكره أبناء خالي، موضحة أن ذلك سيؤدي إلى نشوء جيل يحقد ويتحامل على غيره، مشيرة إلى أن بعض الأمهات قد تدفع أبناءها لاتخاذ مواقف سلبية، مبينة أن ذلك يحدث غالباً لدى الأم لأنها الأكثر قرباً من الأبناء، خاصة في مرحلة الطفولة، لافتة إلى أنها قد تقول لأبنائها أحاديث تزرع الكره والتحامل تجاه من تتحامل عليه، وبالتالي يكبر الأبناء وهم يشعرون أن هناك خلل كبير بينهم وبين بعض أقاربهم. وأكدت على أن ذلك الخلل قد لا تكون له أسباب واضحة سوى أن الأم تكره هذا البيت في العائلة، موضحة أن الأبناء قد يتجاوزون تلك الأحقاد إذا كانوا متعلمين وعلى قدر كبير من الوعي، وبالتالي فإنهم يحاولون أن تجاوز تلك الخلافات والمواقف بين الآباء، مبينة أن الوالدين قد يرفضون تلك المبادرات من الأبناء وربما يصل بعض الآباء إلى التحامل على الابن حينما يحاول أن يصل لهؤلاء الأقارب الذين ترفضهم الأم ويتحامل عليهم الأب. وذكرت أنه يجب أن لا يدفع الأبناء ثمن مواقفنا السلبية مع الأقارب؛ لأنه من غير المنطقي أن نربي أطفالنا على الأحقاد ونستمتع برؤية الشجارات والكره فيما بينهم، خاصة حينما يشعر الوالدين أن الأبناء تحملوا وزر تلك الخلافات، مشيرة إلى أنه يجب أن يبتعد الآباء بأبنائهم عن تلك الدائرة ويدعوهم يحددون خياراتهم وشكل علاقاتهم مع الأقارب حسب ما يرونه مناسباً مع ضرورة عدم التدخل في توجيه انطباعاتهم الشخصية بناءً على تراكماتنا السابقة مع أحد الأقارب؛ لأن في ذلك أثر سلبي كبير على الجيل الجديد فيما يتعلق بتعاطيه مع مفهوم الترابط الأسري. مشاعر سلبية ورأى "د.عبد الغني الحربي" -أستاذ علم الاجتماع المساعد بقسم الخدمة الاجتماعية بجامعة أم القرى- أن محاولة أحد الوالدين نقل مشاعره السلبية تجاه أحد الأقارب إلى الأبناء ينعكس بشكل سلبي على الأبناء أنفسهم، فحينما يكون أحد الوالدين مختلفاً مع أحد أطراف الأسرة فإنه سيحاول أن يستقطب الأبناء لصفه ويحاول أن يستميل الأبناء نحو موقفه لتبني تلك المشاعر السلبية، مشيراً إلى أنه كلما كان هناك تفاهم بين الوالدين وتقارب وتصالح من تلك الخلافات الأسرية كلما قل دفع الأبناء لاتخاذ مواقف سلبية تجاه أحد الأقارب من منطلق موقف أحد الوالدين تجاه ذلك القريب. وشدد على ضرورة تحييد الأبناء عن اتخاذ المواقف السلبية تجاه من يتحامل عليهم أحد الوالدين، خاصة الأم، مبيناً أنه لن يحدث ذلك إلا عبر تحييد الجانب العاطفي والانطباع الشخصي وعدم الاندفاع والنظر بمنظور العقلانية تجاه مصلحة الأبناء، مشيراً إلى أنه لا بد من تغليب مصلحة الأبناء على أي خلاف، فقد توسع الأم أو الأب دائرة خلافاتهما ويشعر الأبناء بتلك المشاعر السلبية ويتخذونها إلى جانب الأم، كما أنه قد تمضي الأيام وتصلح أمور الأم مع تلك القريبة إلاّ أن الأبناء يستمرون في تلك المشاعر السلبية وفي زيادة دائرة الخلاف مع أبناء تلك القريبة. وأكد على أنه من الممكن أن تورث الأحقاد، خاصة عند الأطفال، لافتاً إلى أن لدى الطفل قدرة كبيرة على فهم تلك المشاعر التي تخرج من أحد والديه، وبالتالي فإنه يشعر بها ويتبناها حتى يكبر، موضحاً أن ذلك سيستمر حتى إن حاول الوالدان فيما بعد أن يبعدوا تلك المشاعر السلبية عنه؛ لأنها تكبر بداخله، مشدداً على أهمية أن يحرص الوالدان على عدم دفع الأبناء لتبني مواقف العداء التي يشعرون بها تجاه أحد الأقارب؛ لما في ذلك من أضرار أسرية كبيرة.