تعتبر الصحف والمجلات من المصادر التي لا يستغني عنها الباحث بل هي من أهم المصادر، ولذا يعتمد عليها الباحثون في الدراسات الأدبية التاريخية والسياسية والاقتصادية؛ في حين تكتسب الصحف والمجلات القديمة أهمية خاصة في توثيق حياة المجتمعات في فترة صدورها ولكن كثيرًا منها يصعب الحصول عليها إضافة لافتقادها للفهرسة والتكشيف. ومن المجلات التي كانت تركز في مباحثها على الجزيرة العربية وتاريخها وآدابها مجلة لغة العرب البغدادية التي أصدرها أنستاس ماري الكرملي (1866 1947) في شهر رجب 1329ه الموافق لشهر يوليو/تموز 1911م وكانت دوافعه كما ذكر خدمة العلم والأدب وغايته التعريف بالعراق وأهله ومشاهيره وبمن جاوره من سكان الديار الشرقية وبمن نأى عنه من العلماء والباحثين والمستشرقين من الأقطار الغربية، أما الأبواب التي طرقها في المجلة فظاهرة من اسمها ومن غايتها وزيادة على ذلك كان يعقد في كل جزء من أجزائها باباً سماه (تاريخ الشهر في العراق) يدون فيه ما صرح ومحض من الأخبار والوقائع التي جرت في العراق ونواحيه من ديار جزيرة العرب والذي يعد مرجعاً بما تضمنه من أخبار بعد تمحيصها لأن جل اعتماده فيها على الصحف العراقية. وتحتوي المجلة في كل عدد من أعدادها رواية تاريخية أو خيالية أو تاريخية خيالية معا يكون موضوعها أحد أبناء العرب أو جرت واقعتها في بلاد العرب أو لها تعلق بديارهم. استمرت هذه المجلة في الصدور فبرز منها ثلاثة مجلدات عن ثلاثة أعوام فلما جاءت الحرب العالمية الأولى كان قد صدر من سنتها الرابعة جزآن فقط فتوقفت حيث نفى العثمانيون صاحبها إلى مدينة قيصري في الأناضول لأنهم تضايقوا منه بسبب مناداته باللغة العربية والإشادة بمحامدها فمكث هناك سنة وعشرة أشهر (1914 1916م) ثم أعيد إلى بغداد. ثم أعاد الكرملي إصدارها في يوليو/تموز 1926م وحققت المجلة بعد عودتها نجاحاً كبيراً جعلها تستمر في الصدور حتى أعلن الكرملي في نهاية الجزء الثاني عشر من السنة التاسعة توقفها في آخر سنة 1931م بسبب الخسائر الباهظة التي ظل يتكبدها. والحقيقة أن هذه المجلة تعد مصدراً لجمهرة من العلم التخصصي الدقيق في اللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا والتراث والملل والنحل والعادات والتقاليد خاصة إذا علمنا أنها كانت ميداناً لنشر بحوث كبار الكتاب والشعراء والمحققين واللغويين من العرب وغير العرب إضافة إلى كتابات صاحبها ومحررها أنستاس ماري الكرملي ولهذا لاقت الاهتمام حتى كانت من بين المجلات التي تناولتها الدراسات الأكاديمية في العراق فقد كانت موضوعاً لدراسة أعدها قاسم نعمة إدريس الياسري نال بها درجة الماجستير من جامعة بغداد 1989م وكان عنوان الرسالة:(مجلة لغة العرب، دراسة فكرية سياسية). بل تجاوز الاهتمام بها العراق إلى دول الخليج فصدر عن مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض سنة 1414ه/1993م كتاب (لغة العرب ورئيس كتبتها أنستاس الكرملي: دراسة تاريخية وكشاف موضوعي) من تأليف وإعداد أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري وأمين سيدو وقد تضمن الكتاب أيضاً تحقيقاً لبعض النصوص عن الجزيرة العربية واللغة والآداب، وكشافاً بالمواد الخاصة بالجزيرة العربية. و لا غرابة أن تجد هذه المجلة اهتماماً من الباحثين والمهتمين بتاريخ الجزيرة العربية قديماً وحديثاً فتصدر الكتب تباعاً لخدمتها والاستفادة منها لأنها خزنة معرفية يجدر إظهار ما تحتويه من مباحث وأخبار ليمكن مناقشتها وتمحيصها.