استكمالاً لموضوع اعتزال الشاعر رشيد الزلامي واعتزال الشعراء بشكل عام لنظم الشعر، أود الإشارة إلى مسألة مهمة تُضاف للأمور التي ذكرتها سابقاً وتجعل من اتخاذ قرار الاعتزال أو الابتعاد عن نظم الشعر أمراً مُناسباً ومطلباً كبيراً، إذ يُمكن ملاحظة أن بعض المبدعين يكون تألقهم وإبداعهم الأميز في مرحلة البدايات وما بعد البدايات، ومن ثم يُصبح حضورهم باهتاً وغير مؤثر أو يرتكبون أخطاء وهفوات قد لا يُعذر الشاعر في مرحلة التكوين من الوقوع فيها، وبالتالي يكون الواحد منهم كالذي يهدم بعد البناء ويفسد ما حرص طوال أعوام على إصلاحه وجني ثمرته. لا شك أن الابتعاد الاختياري أفضل بكثير بالنسبة للشاعر من إنهاء مشواره بقصائد ذات مستوى متواضع أو بظهور مُكرّر يُعطي المتابع انطباعاً بالإفلاس وخلو رصيده الشعري من أي جديد، وأعتقد أن عدداً من الشعراء المعروفين وصلوا لمثل هذه المرحلة من زيادة الحرص على الحضور في المناسبات ووسائل الإعلام مع عدم وجود حرص مُماثل على إبداع شيء يستحق الحضور من أجله، وأرى بأنه من المناسب جداً أن يتخذ مثل هؤلاء الشعراء قراراً بالابتعاد حتى لا يأتي الوقت الذي يتساوى فيه حضورهم مع غيابهم. وفي المُقابل ثمة شعراء مبدعين فضلوا الابتعاد عن النشر والإعلام بمحض إرادتهم وفي ذروة إبداعهم، ومع ذلك ظل لأسمائهم ولإبداعاتهم حضور قوي في أذهان وقلوب عشاق الشعر، ومن بين أولئك الشعراء على سبيل المثال لا الحصر: متعب التركي وضيدان بن قضعان وغيرهما، وبين أولئك وهؤلاء هناك شعراء استطاعوا الموازنة إلى حد ما بين حضورهم و ابتعادهم وهذا الأمر ساعدهم على استبقاء شيء من الرغبة في مُتابعة جديدهم لدى المتلقين. وأعتقد أن كثيرًا من الشعراء يدركون حقيقة أن مكانة الشاعر لا تُقاس بعدد قصائده ولا بعدد السنوات التي قضاها في نظم الشعر، بل في ما يرسخ من تلك القصائد في أذهان الناس وما يكون له تأثير عليهم، لكنهم يعجزون عن مُقاومة إغراء الحضور والأضواء الإعلامية وبعض المكاسب المادية المُتحققة من ذلك الحضور. أخيراً يقول المبدع نايل الظفيري: غريب والأرض من غربة منافيها أحسّها عن كبار أحلامنا عيّت أمرّ الأشواق ف الدنيا وما فيها شوق انتظارك، وشوق الحي ل الميت