قبل ثلاثة أسابيع كنت في زيارة خاصة للزميل الأستاذ سلطان البازعي في جمعية الثقافة والفنون، وكان من ضمن تحاورنا أن سألني عن الزميل الأستاذ القدير والكبير محمد أبا حسين، قلت له علمي به قديما، وانتهى الأمر بأن ذكرناه بالخير مع تمجيد لمهنيته، وفي صبيحة يوم السبت الماضي قرأت في شريط قناة الثقافية الإخباري وفاة الصحفي محمد بن عبدالعزيز أبا حسين، كان هذا ما قرأته صباح السبت على شريط القناة الثقافية، وقد شعرت لحظة التأكد من فحوى الشريط، بارتعاشة ذهنية وحالة تفكيرية غير عادية، مما أعادني لاشعوريا بالذاكرة إلى ما قبل (40) عاما خلت حينما تعرفت على هذا الإنسان في بداية عملي الصحفي في صحيفة "الرياض"، وكانت في مقرها القديم بالمرقب كان حينها هو المسؤول الأول والوحيد عن الأخبار المحلية في الرياض، أبا حسين كلمة سر صحفية وعلامة صحفية خارقة متميزة، هذا الاسم وحده يكفي عن كل الألقاب التي يسعى لها كل الإعلاميين بل ويركضون لها ركضا لنقص يعيشونه ويشعرون به، كان أبا حسين كتلة صحفية وثقافية هائلة ومتميزة تتحرك، لم يكن مثل الآخرين كلاسيكيا متحجرا توقف عند حد معين من الثقافة العامة أو الثقافة المهنية الصحفية الخاصة، وما كان مقلدا لأحد، وفي كل مرة يجلس إليه أحد أو يستمع له تجده يتجدد لغة وثقافة فيما غيره قد أجدب وتصحر ولم يعد لديه، ما يقوله حتى لو كان أكاديميا أو إعلاميا يملئ الشاشات، كان أبا حسين رحمه الله نموذجا مختلفا ليس مثله أحد توافق واختلف مع الذات والملذات، كان رحمه الله إنسانا غير ذي سوء، كان متواضعا لدرجة البساطة رغم قيمته الإنسانية والمهنية، حيث كان صحفيا ورئيس تحرير صحفي فوق العادة من الناحية المهنية، أعطى صحيفة "الرياض" كل ذاته وملذاته، كان يوجهنا للخبر لدرجة أننا كنا ندهش من قدرته على خلق السؤال والخبر وذلك حينما كنا ندور في فلكه الصحفي الخبري الأستاذ محمد أبا حسين، أستاذٌ لن يتورع كل صحفي محترم في المنطقة الوسطى ومن مندوبي صحف الغربية في المنطقة الوسطى من الاعتراف له بالفضل والأستاذية، وهذا حقه علينا بلا منة، وقد عشت بعضا من فصول تلك العلاقة التي كان فيها أستاذا وموجها ومعينا، كان عدد من مندوبي صحف الغربية يقدمون له الأخبار التي يرسلونها لصحفهم، كان يعيد صياغتها بشكل مختلف كليا حتى لايحسب أن هذا الخبر أو ذاك خاص "بالرياض"، وكان يستخرج منها أسئلة صحفية أخرى، حينما سألته لماذا تنشر أخبارهم هذه؟ قال: هي أساسا مادة صحفية ثم إن نشرها في الغربية يأخذ وقتا، زد على ذلك أنني أبني علاقة صحفية مع هؤلاء المندوبين أخدمهم وأخدم "الرياض" من خلالهم ومن خلال إبراز جهات وأسماء مصادرهم الذين خصوهم بالأخبار. محمد أبا حسين ليس له خصومة إنسانية، إذا كان له من خصومة ما، فهي خصومة صحفية مهنية وهي اختلافات ولا ترقي لمستوى الخصومة، كل كتابات أبا حسين الصحفية عقلية فكرية بحتة حتى وهو يعالج القضايا غير الثقافية. رحم الله الأستاذ محمد أبا حسين رحمة واسعة فقد كان أستاذاً بكل معاني كلمة "الأستاذ".