هناك ثمة فارق جوهري عندما يشارك الفنان التشكيلي بأعمال فنية في معارض تهدف الى دعم الخير بمعنى أن يقام معرض تشكيلي تعود نسبة من ريع مبيعاته لصالح جمعيات أو مؤسسات خيرية وآخر قد يكون فقط للعرض أو للبيع، ونحن نشهد بأن المواطن السعودي بطبعه يحب عمل الخير فإذا كان هذا المواطن فناناً مرهف الحس والمشاعر فمما لاشك فيه أنه سيرحب ويحرص على مشاركته في هذه الأنشطة التي يجدها بالمرتبة الأولى عملاً سامياً يساهم به بأعماله الإبداعية لمساعدة فئات عمرية مختلفة أغلبها من الأطفال تحتاج الى رعاية ومعاملة خاصة قائمة على مجهودات تطوعية من قبل القائمين عليها. منذ أن بدأت حركة الفنون التشكيلية بالمملكة العربية السعودية والتي لم يتجاوز تاريخها نصف قرن من الزمان وهي تحرص على إقامة أنشطة تدعم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية التي يتجه جل نشاطها ومساهمتها الخيرية في معاونة أمراض عرفها العالم بأنها تحتاج عناية وإمكانات مكلفة مادياً ومتابعة دائمة قد يصعب علاجها بالطرق التقليدية. وقد شاهدت العاصمة الرياض منذ أسبوع مضى أحد هذه الأنشطة التشكيلية ضمن برنامج الندوة الثانية لتبادل الخبرات في مجال التوحد. من أعمال الفنان أحمد السلام فأقيم معرضًا يحتوى على مائة وخمسين عملاً فنياً كما صرح بذلك المشرف العام والمنسق للمعرض الفنان" أحمد السلامة". بأن عدد المشاركين يزيد على خمسين مشاركاً ومشاركة أغلبهم من منطقة الرياض. ومعظم الأعمال المشاركة لوحات فنية وتصوير ضوئي تفاوتت في القدرات والطرح والخبرة الفنية، فنجد الفنان صالح الأسمري وقد قدم أربعة أعمال هي عبارة عن صور لملوك وأمراء الوطن والجميل في أعمال الأسمري أن كل صورة من هذه الصور تحتوي على ثلاث صور للخداع البصري فهي عمل مركب ممكن أن تشاهد من كل جانب به أحد الشخصيات، الفنان أحمد السلامة قدم خمسة أعمال بتقنية "التنقيط" أغلبها حروفيات عربية برؤية معاصرة وألوان منسجمة بين الحار والبارد، واتفق مع موضوع الطرح الفنان عبدالعزيز الدبل باختلاف التقنية فنجد الحرف العربي وقد وظفه الدبل على أشكال كائنات كالخيل وغيرها باللون الذهبي على خلفية سوداء مستخدماً خامة ألوان الأكريلك، ورأينا رؤية مختلفة في توظيف الخط العربي للفنان سعد الملحم باستخدامه كعناصر تحتوي على نغمات ضوئية أو ظلية ولكل نغمة ضوئية أو ظلية لون ما، مما جعل كل حرف له بعد ومساحة وأبعاد ثلاثية وظفها في تركيبات لونية وأشكال هندسية بدقة وسلاسة. وجاءت لوحات الفنان ناصر الحبابي كما عهدنا رؤيتها بخامة الرصاص طرح من خلالها رسومات متعددة لوجوه ومواضيع تناولت البيئة بحس أجاد التعبير عنه بخامة يصعب التعامل معها بل انها تعد من الخامات الأساسية التي بعد إتقانها يستطيع الفنان أن يرسم بسهولة بأي خامة أخرى. ومن الأعمال التي أثارت إعجاب الحضور عمل الفنان رضوان حمزة وهو عمل تجريدي بدرجات الأخضر والأصفر اقتبس حمزة فكرة الموضوع من عالم الواقع وما يحتويه من عناصر البيئة المحيطة به من صحراء وجمال ونخيل وترجمة الى أثر فني تعبيري تجريدي مبدع مثبتا بذلك أن النظرة عند الفنان ليست مجرد عين ورؤية بل هي معنى وتعبير. وكان للفنانة الدكتورة إلهام جان مشاركة بلوحة واحدة تجريدية مزجت فيها بين اللونين الأخضر والبرتقالي واهتمت بالجانب التلقائي التعبيري الذي قد يمنح المشاهد الشعور بالدفئ والاستقرار الأسري موحية بذلك بالنسب وانحناءات الخطوط وتدرج الألوان والانفعالات اللاشعورية في لوحتها وطرحت الفنانة والمشرفة التربوية فايزة عبدالقادر تركستاني عملين بحس متطور وجميل للطبيعة الصامتة فاهتمت بالأسس الأكاديمية وتناغم وإيقاع الألوان بصيغة جمالية واقعية، كما عرض لأول مرة لوحات لفنانات وفنانين واعدين بعضها يستحق الإشارة مثل عمل الفنانة زينة العمري فقد جمعت به بين اللوحة والمجسم "ريليف" وأيضا الفنانة الواعدة منى سعود بكري التي قدمت عدداً من اللوحات التجريدية تعتمد على الخط واللون. قد يلفت نظر الحضور عدد من صور لأعمال مصورين فوتوغرافيين غاية في الدقة والروعة ومفاجأة المعرض مشاركة أصغر مصور فوتوغرافي في المجال الطفل "متعب عبدالعزيز الحضيف" وعمره سبع سنوات.. عندما ذكر أن المعرض أحتوى على مائة وخمسين عمل فني فإنه من المستحيل التطرق لها في مقال واحد فقد تحتاج الى كتاب يحتوي على عدة صفحات لتحليل وطرح الأعمال المعروضة وقد تطرقنا الى جزء مختصر لبعضها نظرا لضيق المساحة. من أعمال الفنان عبدالعزيز الدبل بما أن الفن مشاركة فعاله خلاقه للإنسانية فإننا نقدر الجهد المبذول لمثل هذه المبادرات الطيبة التي يساهم بها الفنان المبدع في خدمة الإنسانية ورغم أن المعرض المشار إليه أقيم على هامش الندوة الثانية في تبادل الخبرات في مجال التوحد إلا أنه حظى برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز "أمير منطقة الرياض" وقد أناب عنه لحضور الحدث صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز "نائب أمير منطقة الرياض" وما يستحق الإشارة حرص سمو الأمير تركي على مشاهدة المعرض كاملا رغم كثرة الأعمال والحضور فجاءت اللافتة الرائعة الكريمة من قبل سموه باقتناء عمل واحد من كل عمل من أعمال المشاركين مما كان له عظيم الأثر لدعم الفن والخير وكما أعربت سمو الأميرة سميرة بنت عبدالله الفيصل الفرحان "رئيسة مجلس الإدارة واللجنة العليا" بأن هذا الحدث الإنساني الكبير تتمنى أن يثمر عن كل ما ينفع أبناء الوطن من ذوي التوحد وأسرهم، وتضئ لهم الطريق ليكونوا جزءاً فاعلا في المجتمع لا عالة عليه، ونحن نشهد هنا بأن النشاط الفني بتحركه وإبداعه قوة فاعلة لها دور لا يستهان به في خدمة المجتمع والإنسانية. من أعمال الفنان ناصر الحبابي المصور متعب الحضيف مع أحد أعماله