غمر الفرح كيان الفتاة صميم علي البالغة من العمر 13 عاما عندما كوفئت بقضاء إجازة مع أسرتها الممتدة في الجانب الآخر من العالم مقابل انجازها كافة المهام المنزلية الموكلة إليها. وكطفلة، دار في خلد صميم أنها ستشيد حصونا من الرمال وتلعب في الشاطئ. غير أن الحقيقة كانت مختلفة تماما. فعندما غادرت منزل ذويها في موس سايد بمانشستر الكبرى، فإنها وجدت نفسها في قرية باكستانية صغيرة بلا كهرباء ولا صنابير ماء. فقد علمت صميم من والدتها أنها ستتزوج من رجل يكبرها بضعف عمرها كانت قد التقته مرة واحدة فقط خلال تجمع اسري في الباكستان. وتقول صميم، وهي في العشرينات من عمرها حاليا، " في البداية اعتقدت أن والدتي تمازحني. لقد كنت في سن الثالثة عشرة ولا يمكنني أن أتزوج في هذا السن." وفي يوم زفافها، وصلت عائلة زوج المستقبل وهم في أبهى الحلل. وتم إخراج صميم من فراشها وطلبت منها والدتها ارتداء فستان زفاف تقليدي أحمر اللون وأمرتها بألا تظهر أمام أي شخص أو تكلمه. ووفقا لتقاليد الزواج في الباكستان يتم عقد قران العروسين بعد وضعهما في غرفتين منفصلتين أو في غرفة واحدة مفصولة إلى قسمين بستار، وقامت قريبات صميم بتمشيط شعرها على عجل ودفعوا بها إلى غرفة حيث كان ينتظرها مأذون الانكحة الذي أمرها بترديد بعض العبارات بلغة غريبة عليها لم يستوعبها عقلها الصغير. أم تهدد ابنتها بتقييدها إلى السرير لتمكين زوجها منها.. وأخرى تخدر ابنتها وتساعد زوجها على خطفها وتمضي صميم في سرد قصتها قائلة، "بعد مضي بضع دقائق، دخلتْ عليّ والدتي وقالت لي انه تم تزويجي." ولم يتم السماح لصميم بالعودة إلى بريطانيا(بصحبة زوجها) إلا بعد أن حبلت وتقول، " قالت لي عائلتي وعائلته إنني إذا أنجبت طفلا في بريطانيا فإن ذلك سيعزز فرص زوجي في الحلول ببريطانيا." وبعد مضي بضع سنوات في بريطانيا، تمكنت صميم من الهرب من منزل الزوجية بمساعدة صديقة لها واستأنفت حياتها مع طفلها بعيدا عن زوجها، غير أن أسرتها بدأت في البحث عنها لإعادتها إلى بيتها. وفي احد الأيام طرقت الشرطة باب صميم وأفادتها بأنها اعتقلت ثلاثة أشخاص يحملون عنوانها في جيوبهم وأسلحة في حقيبة سيارتهم. وتقول صميم، " أفادتني الشرطة بان شقيقي دفع لكل من الرجال الثلاثة مبلغ 50 جنيها لاختطافي وابني بأي وسيلة ممكنة. وإذا لم تتدخل الشرطة لكنت في عداد الموتى الآن." ووثقت صميم تجربتها في كتاب بعنوان " الانتماء"، إلا أن الزواج القسري لم يجد الفرصة للنقاش العلني إلا حاليا بعد أن ظل من المحرمات لسنوات ذات عدد. واخذ هذا الاتحاد القسري في التصاعد في أوساط الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين من جنوبي آسيا والشرق الأوسط بقصد حفظ الأموال والأملاك داخل نطاق الأسرة (الأمر الذي يفرض على بنات العم الاقتران بأبناء عمومتهن)، وفي أحيان أخرى كوسيلة لتمكين احد الأقرباء من الحصول على تأشيرة دخول للمملكة المتحدة. وتقع الفتيات اللواتي يرفضن الرضوخ لرغبات الأسر ضحايا لجرائم "شرف" مروعة تتضمن القتل والعنف والاعتداء الجنسي. أما اللواتي يهربن من الزواج فإنهن يصبحن منبوذات من قبل ذويهن إلى الأبد. ودان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الزواج القسري ووصفه بأنه "لا يقل عن العبودية" وأشار إلى انه معضلة لا ينبغي تجاهلها من منطلقات ثقافية. وتوافق وزيرة الداخلية تريزا ماي على وجهة نظر كاميرون وشرعت في إجراء تحقيقات حول ما إذا كان ينبغي تجريم الأشخاص الذين يعقدون زيجات قسرية، تماما كما يحدث في ألمانيا وفرنسا والنرويج. وكانت وحدة مكافحة الزواج القسري، التي أطلقتها وزارتا الخارجية والداخلية البريطانيتان قد ذكرت في تقرير أصدرته هذا الأسبوع أنها ساعدت العام الماضي ما لا يقل عن 250 صبية وصبياً على تجنب هذا الزواج، وكانت بينهم طفلة عمرها سنتان فقط، وقدمت المشورة أو الدعم في 1485 قضية خلال عام 2012، رغم اقتناعها بأن العديد من الزيجات القسرية لا يتم الإبلاغ عنها. وتشير تقديرات وزارة التعليم إلى أن 8 آلاف من الفتيات البريطانيات تفترسهن الزيجات القسرية كل عام. ووفقا لقوانين أجيزت منذ أربع سنوات، فان بإمكان الضحايا الحصول على أمر حماية خاص لمنع الزيجة. ويصبح من يخالف الأمر، (كالآباء مثلا) عرضة للغرامة أو السجن لمدة ستة أشهر أو العقوبتين معا. وكانت قوانين اشد صرامة قد ألغيت من قبل حزب العمال في عام 2004 حيث أشار الوزراء إلى أنها " تشكل تدخلا في ثقافات وديانات الأقليات". وهكذا انتهى الأمر إلى هذا الحد. غير أن تزايد معدل الزيجات القسرية والجرائم التي ترتكب بغرض فرضها بالقوة قادت إلى المطالب بسن قوانين أكثر صرامة. وليست النساء وحدهن اللواتي يذهبن ضحايا للزيجات القسرية، إذ إن المئات من الرجال البريطانيين يقاومون إخضاعهم لمثل هذه الزيجات. واليك قصتان لضحيتين. فقد وفدت ثريا (تم حجب اسمها الحقيقي) إلى بريطانيا بتأشيرة طالب منذ 18 شهرًا قادمة من بلدة بالقرب من طهران حيث يقيم أبواها. وعلى الرغم من أنها كانت تتلقي عونا ماليا من أسرتها إلا أنها كانت تكسب المزيد من المال من العمل كمصففة شعر في صالون بشمالي لندن. وفي هذا الصالون تقدمت امرأة من ثريا في شهر مايو الماضي وأخبرتها ان شقيقها يبحث عن عروس. وقدمت المرأة شقيقها إلى ثريا والتقى ثلاثتهم في بعض الأماكن العامة ثلاث مرات. وتقول ثريا إنها لم ترتح له منذ أول وهلة إذ إنه كان غريب التصرف شائن المسلك. ولكن عندما أخبرت ثريا والدتها في إيران بالأمر فان الأسرة حملته على محمل الجد. ففي غضون أسابيع قلائل أرغمتها أسرتها على الزواج من الرجل، وهددها والدها بقطع المصروف عنها إذا رفضت الزواج، بينما توسلت إليها والدتها أن تقترن بالرجل حفاظا على شرف العائلة. 8 آلاف فتاة يرغمن سنوياً على الزواج بدون رغبتهن .. وهكذا تزوجت ثريا في يونيو الماضي برجل لم تتحدث إليه إلا في مناسبات قلائل وانتقلت إلى شقة زوجها. ولكن ماذا حدث هناك؟ تقول ثريا" لقد قال لي إنني زوجته وانه ينبغي عليّ أن أمنحه حقوقه الزوجية. وعندما امتنعت بحجة انه ينبغي علينا أن نتعرف على بعضنا البعض أكثر، كان رده أن ضربني بلا شفقة" وتمكنت ثريا من الهرب من زوجها ولجأت إلى الشرطة مباشرة بعد أن اكتشفت أن الرجل الذي تزوجته مصاب بالفصام ويعاني من تقلبات مزاجية حادية وكان يهددها ويصر على الإبقاء عليها سجينة داخل الشقة. وتمضي ثريا قائلة، " كانت أسرته على علم بأنه مريض عقليا وكانت تبحث يائسة عن زوجة له. لقد كان يعمل بطريقة في مشروعة في بريطانيا ورأت الأسرة انه يمكن أن يحصل على إقامة من خلال الاقتران بي." وعندما علمت أسرتها بهروبها، فإنها امتنعت عن التواصل معها وقطعت عنها مصروفها. ولا تعرف ثريا ما يخبئه لها المستقبل وهي تحصل الآن على دعم من قبل منظمة حقوق المرأة الإيرانية والكردية التي تقدم النصح والمشورة لضحايا الزواج القسري. وقد تجد النساء من أمثال ثريا السند في قضية شهيرة تعود لعام 2009 حيث تم حبس إحدى الأمهات في مانشستر لمدة ثلاث سنوات لإرغامها ابنتها على الاقتران بابن خالتها في الباكستان. وكانت الأم قد حذرت ابنتها من رفض الزواج وإلا فإنها سوف تقيدها إلى السرير وتعصب عينيها لتمكين زوجها منها. كما حكمت محكمة التاج في بيرنلي بالسجن لمدة أربع سنوات على امرأة تدعى شامين اختر (59 عاما) بعد إدانتها بتخدير ابنتها نايلة افصار (23 عاما) واختطافها لرفضها العودة إلى زوجها السابق وهو ابن خالتها زاهد محمود (37 عاما). ونفذت المرأة جريمتها بالتعاون مع زاهد الذي تلقى أيضا عقوبة بالسجن لمدة أربع سنوات، وابنها شامريز خان (23 عاما) الذي حكم عليه بالسجن خمس سنوات لاشتراكهما معها في الجريمة. وكانت عائلة نائلة قد رتبت لتزويجها من ابن خالتها زاهد ولكن بعد مضي بعض الوقت معا لم تستطع الفتاة الاستمرار في حياتها الزوجية وقررت قطع علاقتها بزوجها. وتعرضت نائلة لضغوط رهيبة من عائلتها في برادفورد إلى حد أنها هربت إلى نيوكاسل ليلحق بها والدتها وشقيقها وزوجها السابق حيت قاموا باقتحام مسكنها وتخديرها مرتين واختطافها بسيارة انطلقت بهم إلى مدينة عائلتها. وهناك حاولت الأسرة إقناعها بالعودة إلى زوجها ثم هددوها بالقتل إن لم تفعل. وما من شك في أن هذين الحكمين اللذين يقتربان كثيرا من الموقف الآني للحكومة البريطانية قد وجد ترحيبا كبيرا لصالح آلاف من ضحايا ممارسة وحشية عفا عليها الزمن، ولا مكان لها في بريطانيا المعاصرة. شامين اختر تصل للمحكمة برفقة ابنتها الأخرى «صائمة» صميم هربت من منزل زوجها وكانت عائلتها ستقتلها لولا تدخل الشرطة 8 آلاف فتاة بريطانية يرغمن على الزواج دون رغبتهن كل عام