تنسجم فكرة التحول نحو المدن الذكية تبعاً للتطور الحاصل على مفهوم المساكن الذكية والمباني الذكية والحكومة الذكية وصولا إلى المدن الذكية، ومن ثم الدخول في تطبيق مفهوم الاقتصاد الذكي والإدارة الذكية والبيئة الذكية والبنية الذكية والمعيشة الذكية ...إلخ، والملاحظ أن مفهوم المدن الذكية يتطور بشكل متسارع تبعا للتطور الحاصل على الأنظمة الذكية واستخدام وسائل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والجدير ذكره هنا أن اقتصاديات دول المنطقة وطبيعة وحجم المشاريع التنموية الجاري تنفيذها والمخطط لها، تعتبر بيئة حاضنة لتبني مفهوم المدن الذكية وتطبيقاتها بشكل مباشر، ذلك أن دول المنطقة تسعى إلى تطوير أنظمة اقتصادية معرفية، وتتبنى رؤية محددة في مجال تطوير وبناء المدن الجديدة على أساس مستدام وبالتالي فإن هناك المزيد من المعطيات والمؤشرات التي تدعم فكرة التوسع ونجاح مفهوم المدن الذكية لدى دول المنطقة ودعم مشاريع التنمية وتطوير خدمات جديدة ذات قيمة مضافة بشكل متواصل. ولاحظ تقرير المزايا القابضة أن محاولات تحقيق مفهوم المدن الذكية يتسع لدى دول ومدن المنطقة، حيث تسعى الكثير من مدن المنطقة للتحول إلى مدن ذكية، وفي مقدمتها مدينة دبي والتي تسعى للتحول إلى مدينة ذكية تكفل إدارة كافة مرافق وخدمات المدينة من خلال منظومة الكترونية ذكية، وتوفير الاتصال بشبكة الانترنت عالي السرعة في كافة المواقع وتوفير خدمات حية، تستهدف الانتقال إلى مستوى جديد لجميع سكانها وزوارها، وتهدف الإمارة من هذا المشروع إلى تسخير التكنولوجيا في تحسين نوعية الحياة ومستواها وصنع واقع جديد في الإمارة، فيما سيقوم مشروع التحول بتوفير معلومات عن حالة الطقس وحركة السير والنقل والطوارئ وخدمات ذكية في التعليم والصحة وخدمات ترفيهية وسياحية وخدمات اقتصادية ومالية لرجال الأعمال، في حين تشهد المملكة العربية السعودية حراكا من نوع خاص لتطبيق مفهوم المدن الذكية على العاصمة المقدسة، باستخدام أحدث التقنيات لتحسين الخدمات المقدمة في بيت الله الحرام وتسهيل إقامة وتنقل ضيوف المدينة. إلى ذلك فإن الحراك الخاص بالمدن الذكية يستحوذ على وتيرة كبيرة لدى الكويت في الفترة الحالية، حيث تشير التطورات الأخيرة إلى إنشاء هيئة المدن والتي ستضطلع بمهمة متابعة الطلبات الإسكانية وإنشاء المدن النموذجية متكاملة الخدمات، ويقول تقرير المزايا إن المدن الذكية، تختلف عن غيرها من المدن نظرا لتطبيقها مفاهيم ومنظومات تكنولوجية متطورة، وتسعى بشكل دائم إلى ابتكار بيئة تكنولوجية تقوم بتوفير الخدمات المبتكرة وتطوير استراتيجيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتي تقدم حلولاً متكاملة لساكنيها، هذا وتتمتع المدن الذكية بأنظمة مرور ذكية تعمل على تحقيق انسيابية التنقل والحركة داخل المدينة، فيما ستخضع هذه المدن لمراكز التحكم والمراقبة، بالإضافة إلى تقنيات الاتصالات المتطورة ومراكز الأعمال. وأشار التقرير إلى أن الاستثمار في المدن الذكية لدى الدول الخليجية يتصاعد بشكل كبير خلال الفترة الحالية والقادمة، وينسجم ذلك مع ارتفاع وتيرة البناء والتشييد للمدن الجديدة والعصرية والتي تستهدف بشكل خاص طبقات اجتماعية بعينها، وهذا يخدم الاتجاه نحو تطوير مفهوم المدن الذكية وتطبيقاتها في الشكل والمضمون والشرائح المستهدفة من المجتمع، ولاحظ التقرير أن دولة الإمارات وقطر والسعودية تستحوذ على التركيز الاستثماري الأكبر في تطبيق مفهوم المدن الذكية على المدن القائمة والجديدة، وتشير البيانات الأولية إلى أن حجم الاستثمارات في سوق تكنولوجيا المدن الذكية، والصناعات ذات العلاقة إلى ما يزيد عن 2 تريليون دولار في العام 2020 لدى كافة دول العالم، فيما يتوقع أن يتجاوز حجم الاستثمارات القطرية في مجال المدن الذكية 20 مليار ريال، وتشير التقارير المتخصصة أن الاستثمارات في البنية التحتية للمدن الذكية لدى كل من الامارات والسعودية وقطر ستتجاوز 63 مليار دولار حتى العام 2018، وفي الاطار تتوقع شركة توشيبا اليابانية أن سوق حلول المدن والتجمعات الذكية الخضراء في العالم سيصل إلى 16 مليار دولار حتى العام 2020، مع الاخذ بعين الاعتبار أن كلفة التحول لمفهوم المدن الذكية أعلى بكثير من المفهوم التقليدي للمدن، الا أن الاكثر أهمية هنا أن المدن الذكية قادرة على تخفيض استهلاك الطاقة بنسبة تزيد عن 20%، تبعا للموقع وكفاءة الأداء والتقنيات المطبقة. وتطرق تقرير المزايا إلى التقرير الصادر عن اريكسون الخاص بمؤشر المدن الذكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالاعتماد على 28 معياراً تتعلق برصد الإيجابيات التقنية ونظم الاتصالات في كل مدينة، فيما اعتمدت نتائج المؤشر على عاملين الأول يختص بمستوى نضوج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والثاني يختص بالمنافع المتولدة عن الاستثمار في قطاع التقنية ذات العلاقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وجاءت إمارة أبوظبي في المركز الأول في ترتيب المدن الذكية تبعا لهذه المعايير وحلت إمارة دبي في المركز الثاني والدوحة في المركز الثالث، وتبعا لهذا المؤشر فإن ما يزيد عن 60% من سكان المنطقة سيسكنون في مدن ذكية بحلول العام 2030، وهذه نتائج إيجابية من شأنها أن تدعم خطط التطور على كافة القطاعات، يذكر هنا أن هناك علاقة متداخلة ومتشابكة بين تطبيق مفهوم المدن الذكية والنجاح في ذلك وبين إدخال تعديلات جوهرية على خطط وآليات تنفيذ المدن لدى دول المنطقة، في حين سيكون لزاماً على شركات التطور العقاري إدخال المزيد من التعديلات على شكل ومضمون المدن والمباني التي تقوم ببنائها لتلبي احتياجات ومعايير المدن الذكية، وهذا يتطلب تعاوناً دائماً وعميقاً بين القطاع الحكومي صاحب الريادة في هذا المجال لدى دول المنطقة والقطاع الخاص الذي يقوم بتنفيذ الخطط العمرانية والتطبيقات المتطورة، يذكر هنا أن دول المنطقة تحتاج إلى تحديد ماهية المدن المستهدفة وتحديد الإيجابيات والسلبيات والتأثير المباشر وغير المباشر لإدخال مفهوم المدن الذكية بشكل جزئي أو كلي، على كافة الأنشطة والقطاعات الاقتصادية والمجتمع.