لم يكن مستغرباً أن يتجاوب المقام السامي مباشرة من دون تأخير مع متطلبات اتحاد كرة القدم بقيادة أحمد عيد والمتمثلة بالديون واجبة السداد على الاتحاد والتي بلغت 88 مليون ريال، إذ جاء رد مباشر من المقام السامي في إشارة جلية تؤكد حرص القيادة على دعم الحركة الرياضية وإزالة كل المعوقات التي ربما تتسبب في تأخرها، فضلاً عن أن في ذلك دليل على أن المقام السامي يؤمن بأهمية الرياضة ودورها في تعزيز دور الشباب في تنمية المجتمات وإبراز صورة الوطن عندما يذهب شبابه لتمثيله في المحافل المختلفة، ولابد من الإشارة هنا إلى الاشادات الكبيرة التي حظي بها اتحاد كرة القدم، والذي اعترف مبكراً بالمديونيات المستحقة عليه والتي خلفها الاتحاد السابق والرفع بأمرها بشكل عاجل للمقام السامي من أجل إزاحة هذه العقبة عن طريق تطور كرة القدم السعودية. حصل اتحاد كرة القدم حسبما تفيد الأنباء الرسمية على مبلغ الدعم المطلوب قبل أسبوع بحسب وسائل الإعلام بعد رفع جميع المطالبات (مجدولة) بالدائنين أفراد وجهات إلى وزارة المالية، ويقال إنه شكّل لجنة لتحديد آليات الصرف وتوزيع الحقوق، وهو خبر صدم المتابعين، إذ من غير المعقول أن يشكل الاتحاد لجنة لتحديد أوجه وآليات صرف الحقوق للمستفيدين منها وهو -أي الاتحاد- الذي قدم في وقت سابق كل الإثباتات التي تؤكد أنها 88 مليون ريال وحسب الجداول فإنها توزع مباشرة إلى أصحابها، وهذا لايحتاج إلى لجنة. تأخره في صرف الحقوق والبحث عن مداخيل جديدة ينذر بمستقبل غير جيد! الأندية التي تعاني من أزمات مالية أقل ماتوصف بالطاحنة لازالت تنتظر صرف مستحقاتها، خصوصاً وفترة الانتقالات الشتوية مفتوحة، وتريد الإيفاء بالالتزامات والاشتراطات التي حددتها لجنة الاحتراف، وأهمها شكاوى اللاعبين والرواتب ومقدمات العقود المتأخرة وواجبة السداد، فضلاً عن حقوق أخرى لمديري الاحتراف، وأعضاء الأجهزة الإدارية والفنية والطبية للمنتخبات التي عجز اتحاد الكرة عن سدادها لفترات تصل لعامين. ما لذي يمنع اتحاد الكرة من تحويل المبالغ لأصحابها بشكل مباشر؟ وما الذي يدفع اتحاد الكرة لتشكيل لجنة طالما أن المبالغ المطلوبة توفرت وأصحابها معروفون، والديون مثبتة؟ فالتأخر في صرف هذه المبالغ هو أمر لايمكن تبريره في ظل توفر جميع المتطلبات لإنهاء هذه المعضلة، إذ لو لم يحصر اتحاد الكرة الديون ويحدد مستحقيها بالإسم لكان من الممكن التماس العذر لمسؤوليه، لكن تأخير الصرف أمر يمكن تفسيره بأي طريقة من قبل وسط رياضي مشحون ويعج بالآراء الحادة وغير المنضبطة، خصوصاً وأن الأنباء تؤكد حتمية صرف هذه المبالغ فور تسلمها. اتحاد كرة القدم هو أكثر العارفين بما يجري في الأندية، وهو خير من يدرك صعوبة الأوضاع التي يعيشها مسيرو الاتحاد، فمبالغ تزيد عن الخمسة ملايين لكل من الممكن أن تنهي كل الصعوبات التي تواجهها بعض الأندية، وتقضي على العراقيل التي تمنع الأندية من التسجيل. وحتى يتم الصرف من قبل اتحاد الكرة، فإن على الاتحاد ذاته العمل على رفع مداخيل الأندية وتسجيل الحضور المناسب للحد من مشاكل الأندية المالية التي أعاقت ولازالت معظم الأندية من الظهور بشكل مناسب، إذ بات من الواضح أن أندية عدة في دوري (جميل) ودوري (ركاء) ستُحرم من التسجيل والحصول على خدمات لاعبين جدد من سوق الانتقالات الشتوية، وهو أمر سيُضعف المنافسة، فالأندية بحاجة لتدخل مماثل وسيكون من المهم أن يقف اتحاد الكرة على احتياجاتها وتوضيح هذه الاحتياجات المتعلقة بفرق كرة القدم للرئاسة العامة لرعاية الشباب ودراسة إمكانية الوقوف مع هذه الأندية وحل أزماتها وإنقاذ مايمكن إنقاذه، فالوضع الحالي لمختلف الأندية يؤكد أن كرة القدم السعودية على حافة الانهيار والإفلاس المالي. ملفات عالقة أمام كل هذه المعطيات، لم يتحرك اتحاد الكرة بشكل فاعل وملموس تجاه ملفات حساسة وأبرزها ملف النقل التلفزيوني الذي لايزال محل أخذ ورد، إذ تأجل طرح كراسة النقل التلفزيوني التي لانعرف أصلاً إن كان تم الانتهاء منها أم لا، فملف مثل هذا جدير بأن يكون الشغل الشاغل لاتحاد الكرة وللأندية، إذ يمكن تشبيهه بالغلاف الذي تقدم من خلاله كرة القدم السعودية للمتابعين، فضلاً عن أهميته من الناحية المالية، باعتبار النقل التلفزيوني هو أول مايمكن أن يعتمد عليه أي نادٍ حين يُقدم على وضع ميزانياته وبرامجه، إذ من الواضح أن اتحاد الكرة سيكرر تلك الغلطة التي أقدم عليها قبل ثلاث سنوات، حين أُعطيت الحقوق للقنوات الرياضية التي وقعت في مأزق الانتاج، وباعتها لأحد المنتجين على طريقة "مقاولي الباطن" حتى ظهرت المنافسات بصورة مسيئة لكرة القدم السعودية وهو أمر لم يتم تداركه إلا مؤخراً. أيضاً لايمكن تجاوز فشل اتحاد الكرة حتى الآن في تسويق مسابقاته ولحاقه بالأندية التي عجزت عن تسويق نفسها والحصول على عقود رعاية، إذ لايبدو أن ثمة مستجدات فيما يخص رعاة مسابقتي كأس ولي العهد ومسابقة كأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال ولاحتى دوري الأمير فيصل بن فهد للفرق الأولمبية، فالفشل لازم الاتحاد حتى الآن في رفع موارده عبر إبرام عقود جديدة، وهو أمر ينذر بالمزيد من الكوارث التي تنتظر اتحاد الكرة، بل ويمكن القول إن أزمة الديون ستظهر من جديد مالم يتحرك الاتحاد ويشكل فرق تسويقية محترفة تستطيع جلب عقود تسد رمق الاتحاد وتعينه على التطوير والقيام بواجباته، فالشارع الكروي ينتظر المزيد من الإيضاحات حول كل هذه المشكلات التي قد تشكل حجر زاوية لمستقبل كرة القدم السعودية على المدى القريب.