لعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند قراءة عنوان المقالة المثل النجدي: "السبلة أو الكويت" وأصل المثل كما ذكره حمد الجاسر في كتابه (في شمال غرب الجزيرة) أن رجلاً من أهل الزلفي خرج في الصباح من أهله ، وقال لهم بكل بساطة: أنا ذاهب إلى السبلة أو الكويت!! وأشار الجاسر: إلى أن أهل الزلفي ممن عرفوا بالمغامرة وإطالة الأسفار، وعرفوا بأنهم من أقوى المشتغلين بنقل البضائع من موانئ شرق الجزيرة كالكويت والعقير والقطيف إلى وسطها فكان الواحد منهم يستهل السفر إلى تلك الجهات كما وقع لذلك الرجل الذي لا يفرق بين الذهاب إلى روضة السبلة الواقعة بجوار الزلفي وبين السفر إلى الكويت على الخليج العربي وهو يبعد عن الزلفي مئات الأميال. وقد قال الشاعر أحمد محمد العازمي في أهل الزلفي: ما منكم اللي جضّ قمتوا بهمات شرقٍ وغربٍ كنّكم في حريبة تدورون الرزق قمتوا بهدات يم القطيف وهجر ما هي غريبة ومن مصر للسودان للشام حملات وركايبٍ لعقيل دايم تعيبة وتعبت من الطرقة وطول المسافات هجنٍ عسفتوها ولو هي صعيبة ولست بصدد الحديث عن مآثر أحبتنا أهل الزلفي وتاريخهم العريق فذلك حديث يطول، ولكني اطلعت على جزأين من كتاب (الكويتوالزلفي) للأديب الكويتي حمد بن عبدالمحسن الحمد - الجزء الأول - تحدث فيه عن الهجرات والعلاقات والأسر فيما تضمن الجزء الثاني روايات ووثائق وذاكرة زمن، والمؤلف على الرغم من أنه رسم في كتابه ملامح رجال ورجال عبروا بحور الرمال لأجل مستقبل أفضل في ظروف صعبة وثّقَتَها مصادر التاريخ المحلي إلا أنه بهذا العمل الجميل يؤرخ للعلاقات الإنسانية بين الصحراء والبحر أو بين الواحات والسواحل فتحدث عن أسرار المكان وظروف الزمان وأسباب الهجرات النجدية بصفة عامة التي تتمحور إجمالاً حول الظروف الاقتصادية البائسة التي كان الجفاف يزيدها بؤساً مع عدم إغفال الأسباب السياسية والاجتماعية كالخلافات والحروب والأوبئة ولكن كان البحث عن المعيشة هو الغالب وكانت أشهر الهجرات سنة 1288ه/1871م وسنة 1328ه/1910م حيث هاجرت أسر كثيرة من الزلفي إلى الكويت. والمؤلف وإن كان يتحدث في هذا الكتاب عن علاقات أهل الزلفي وارتباطهم بالكويت فإنه يمكن اتخاذها أنموذجاً على علاقات أهل نجد إجمالاً بالخليج العربي والعراق فهناك وشائج متينة لم تنقطع ولن تنقطع بإذن الله فالارتباط بين دول الخليج ليس ارتباطاً سياسياً أو اقتصادياً بل هو ارتباط إنساني بالدرجة الأولى فالأسر مترابطة هنا وهناك والقبائل متماهية بين البلدان والأطراف لا تستغني عن الأعماق والفروع تثمر للجذور. تحدث الكتاب عن الحدرات ودروب التجارة ونقل الحجاج وتضمّن روايات كبار السن كما تضمّن عدداً من الوثائق والصور وقد خصص فصلاً في الجزء الأول تحت عنوان (ذاكرة الشعر والبحر) أورد فيه قصائدَ لشعراء الزلفي في الغوص والبحر منها قول دخيل العقيلي: الغوص ما لي به وباصير جمّال حتى ولو كثرت عليّ الرزايا أتعب رجليني بالأقفا والأقبال والرزق عند الله جزيل العطايا الصدر ضاق وضيقته قلة المال والربع شدّوا والركايب ونايا والكتاب بجزأيه ممتع ولطيف يتخذ من البعد التاريخي والجغرافي مداه الثقافي والإنساني والمساحة لا تتسع لعرض جميع محتوياته ولكن المؤلف بذل جهداً في جمع روايات وقصص ووثائق وشواهد ونصوص تاريخية وشعرية تخدم موضوع كتابه الذي يسلط الضوء على العلاقات الإنسانية الراسخة بين أبناء الخليج العربي.