تشير تقديرات الأممالمتحدة إلى أن نحو 200 مليون شخص يتأثرون بالكوارث سنوياً، بينهم 100 مليون فتاة وامرأة. ومن بين الكوارث الأكثر شيوعاً، تفشي الأمراض الجديدة، والأوبئة العابرة للحدود، والأزمات المتعلقة بتغيّر المناخ، والفيضانات، ونقص المياه، والجفاف المزمن. وقد تضاعف عدد الكوارث المسجلة خلال العقدين الماضيين، فيما تظل الفجوة قائمة بين الاحتياجات والاستجابة، في سياق مشهد إنساني متغير. ويحدث هذا في ظل تآكل تدريجي لهيمنة وكالات الأممالمتحدة، وأكبر 10 منظمات دولية غير حكومية. وفي محاولة لتحسين الاستجابة، اعتمدت منظمات الإغاثة نظاماً عنقودياً تعمل فيه المجموعات التي تشترك في اختصاص معين. وقد أدى ذلك إلى مزيد من الأدوار الأكثر تخصصاً للعمل الإنساني. وعلى الرغم من تحسن القدرة على توفير الاستجابة في الحالات المفاجئة، إلا أن الطاقة الاحتياطية للأمم المتحدة لا تزال بطيئة. ويمثل ارتفاع معدل دوران الأيدي العاملة مشكلة بالنسبة لجميع الهيئات الإنسانية. ويشير تقرير منظمة «مبادرات التنمية» إلى أن التمويل في معظمه ما برح قصير الأجل وغير مرن، باستثناء بعض النداءات التي تمتد لثلاث سنوات. ولا تزال الفجوة بين النداءات الموحدة والاستجابة ثابتة، وربما تزداد اتساعاً. وهناك نماذج متفاوتة، على صعيد درجة الاستجابة، فتقرير حالة النظام الإنساني، الصادر عن شبكة التعلم النشط من أجل المساءلة والأداء في مجال العمل الإنساني (ALNAP)، يفيد بأن برامج المعونات الغذائية لا تزال تحرز تقدماً، في حين أن برامج الحماية والإنعاش المبكر والتعليم تتراجع باستمرار، فيما تبدو الموضوعات القطاعية الشاملة، مثل الدعم النفسي الاجتماعي، مفقودة تماماً. وعلى صعيد آخر، تراجع دور الأممالمتحدة في حالات الطوارئ المعقدة، مثل العراق وأفغانستان والصومال، وذلك بسبب السياسات التي تتجنب المخاطر. وهو الأمر الذي حد بشدة من سبل الوصول إلى المجتمعات المحتاجة. وإذا لم تفكر الأممالمتحدة في طرق أكثر مرونة، للعمل والبقاء في حالات الطوارئ المعقدة، فإنها قد تصبح غير ملائمة في الأزمات المُسيّسة – كما يرى البعض. الدور الجديد للقطاع الخاص الدولي وفي السنوات الأخيرة، بدا القطاع الخاص أحد الفاعلين الرئيسيين في مشاريع الإغاثة الدولية حول العالم. ويشير تقرير المساعدة الإنسانية العالمية لعام 2013 إلى أن الجهات المانحة الخاصة موّلت نحو 26% من إجمالي الدعم الإنساني في العام 2012. في السياق ذاته، أشار بحث نشرته مبادرات التنمية في العام 2012، إلى أن نسبة التمويل الخاص، كحصة من إجمالي الاستجابة الإنسانية، قد ارتفع من 17% عام 2006 إلى 32% في العام 2010، وبلغ 5.8 مليار دولار خلال ذلك العام. وفي حين وجدت مبادرات التنمية أن 56% من دخل المنظمات غير الحكومية جاء من مانحي القطاع الخاص في العام 2010، فإن التمويل الخاص لم يشكل سوى نسبة لا تتعدى 8% من ميزانيات وكالات الأممالمتحدة الإنسانية. وقد أنشأت وكالات الأممالمتحدة الكبرى، مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وحدات تضم عدداً كبيراً من الموظفين خصيصاً لاجتذاب شراكة القطاع الخاص. وفي نموذج لدور القطاع الخاص في العمل الإنساني، دخلت مؤسسة ايكيا، وهي الذراع الخيري لشركة الأثاث السويدية العملاقة، في شراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لبناء نموذج خاص لتوفير مأوى جديد للاجئين، يتسم بسهولة التجميع، ويكون أكثر قدرة على تحمل الظروف المناخية القاسية، وأكثر صلابة من الخيام التقليدية، التي تستوعب ملايين اللاجئين في جميع أنحاء العالم. وهناك حالياً الكثير من المنتديات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالعمل الإنساني، من بينها مبادرة الاتفاق العالمي التي أسسها كوفي عنان، ومنتدى الأعمال الإنسانية، الذي يتخذ من جنيف مقراً له، وبوابة الأممالمتحدة للأعمال، ومبادرة التأثير العالمي، ومبادرة الإغاثة الإنسانية، التي أطلقها المنتدى الاقتصادي العالمي، ومبادرة الشراكة. وقد لا ترغب دولة معينة في وجود منظمة دولية غير حكومية على أرضها، ولكنها قد تحبذ وجود شركة قطاع خاص، لديها اهتمام في الدولة. وفي المجمل، تحتاج الوكالات العاملة في المجال الإنساني إلى تجريب الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإلى نماذج الأعمال الجديدة، وإفساح المجال أمام الابتكار، والإقدام على المخاطر التي تنطوي عليها. تقول ميليسا مبوب، من قسم القطاع الخاص في مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا): «في مواجهة تناقص الموارد، وزيادة الكوارث والأزمات، لا بد من جلب موارد مبتكرة. يبدو الأمر تقريباً كما لو لم يكن لدينا أي خيار.. والنظام الإنساني يعمل بكامل طاقته.. لقد أصبح واضحاً أنه لا يوجد كيان واحد قادر على حل الكثير من مشاكل العالم». وكما يرى البعض، فإن جوهر المعونة الإنسانية هو توفير ضوء في وقت الظلام، والقبول بأننا نستطيع التعامل فقط مع الأعراض. ولكن هذا يختلف إلى حد كبير باختلاف المشروع الذي تُخصص من أجله الإمكانات. وفي العام 2008، قام كل من مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، والمنتدى الاقتصادي العالمي، بنشر ما يُعرف بالمبادئ التوجيهية للتعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال العمل الإنساني. وتشمل هذه المبادئ «عدم إلحاق الضرر»، والتنسيق مع الجهات الفاعلة، بما يتفق مع المبادئ والمعايير الإنسانية، واحترام المجتمعات المحلية المستفيدة. وبموازاة هذه المبادئ، وفي ضوئها، ستكون هناك حاجة لمزيد من المحللين والمخططين الاستراتيجيين، وموجهي الابتكار، ومديري المخاطر. العمل الإنساني في عصر المعلوماتية وفي إطار المبادئ التوجيهية للعمل الإنساني، واستنفاذ معطيات العصر، سعت العديد من هيئات الإغاثة الدولية لعقد شراكات مع مؤسسات المعلوماتية، أو تبنت برمجيات إليكترونية محددة، لدعم جهودها المختلفة. وفي الأصل، ثمة من يرى أن هناك حاجة مضطردة لمعلومات أغنى وأفضل، حول المخاطر التي تتعلق بالعمليات، بدلاً من التقوقع في إدارات منفصلة، فالحوادث الأمنية توّلد انتكاسات للعمل الإغاثي، قد تمتد لشهور وربما لسنوات. في المقابل، إذا ما استخدمت التكنولوجيا على نحو سليم، فسوف تمّكن من تحسين الإنذار المبكر (الإنذارات عبر الرسائل النصية القصيرة مثلاً)، وإعداد برامج الابتكار، والرصد اللحظي، والاستعانة بمصادر خارجية، من خلال إعطاء مجموعات محددة أجهزة حاسوبية وهاتفية، وتدريبها على تحديث المعلومات الخاصة بالاحتياجات بشكل يومي، أو رسم خارطة الأزمة لحظياً. ويُمكن أن نلحظ، في إطار هذه المقاربة، أنه كان هناك أكثر من ستة مليارات مشترك في خدمة الهاتف الجوال في العام 2012، بينهم أكثر من مليار شخص يحملون هواتف ذكية. وتقوم حالياً العديد من المنظمات الآن باستخدام الهواتف الجوالة للمساعدة في منع حالات الطوارئ الصحية. وترسل هذه المنظمات معلومات صحية دورية متعلقة بالصحة العامة، وغيرها من القضايا، لرفع الوعي بين أفراد المجتمعات المحلية. ومن أجل اتخاذ تدابير استباقية لتفشي الكوليرا في سيراليون، أثناء موسم المطر لهذا العام (بعد أن عانت البلاد عام 2012 من أسوأ حالة تفشي للكوليرا منذ 15 سنة)، قام الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، في نيسان أبريل 2013، بإنشاء نظام للرسائل النصية القصيرة، يُمكن أن يُرسل معلومات حيوية وضرورية إلى أكثر من 36 ألف شخص، في أقل من ساعة. وتوصلت دراسة، أجراها في سيراليون الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، إلى أن 90% ممن تلقوا تلك الرسائل غيروا سلوكهم بطريقة إيجابية. ومن ناحيته، يقوم برنامج الأغذية العالمي وشركاؤه باستخدام التحويلات النقدية، عبر الهاتف المحمول، لفائدة الأشخاص المستضعفين بصورة روتينية، قبل وأثناء الأزمات. ولأن عالم المعلوماتية والاتصالات جلب المزيد من الجهات إلى المساعدات الإنسانية، فقد احتاجت القوى الفاعلة التقليدية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأممالمتحدة، إلى تشكيل شراكات مع الداخلين الجدد، من أجل تحسين تقديم المساعدات، بينما حفز العالم المستنير والمترابط زيادة الطلب على المساءلة تجاه المستفيدين منها. تفشي الأمراض الجديدة.. الأوبئة العابرة للحدود.. والأزمات المتعلقة بتغيّر المناخ والفيضانات والجفاف المزمن وحيث جرى الاستعانة بتقنية المعلومات على نحو متقدم، أصبح بالمقدور توحيد معايير العمل الإنساني، على مستوى المعرفة والجودة. هذا التحوّل التاريخي، ألزم المؤسسات المعنية بإيجاد سبل للبحث والتدقيق، وتوثيق الكم الهائل من المعلومات، التي تنتج عن الاستعانة بمجموعة كبيرة من المصادر الخارجية ووسائل التواصل الاجتماعي، من أجل أن تتمكن المجتمعات، بما في ذلك السلطات المعنية ووكالات الإغاثة والمعونة، من استخدامها بشكل أفضل. ويتعاون مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مع شركة مايكروسوفت منذ العام 2006. وقد طوّرت الشركة، قبل ذلك بعام موقعاً، مشتركاً بين وكالات الإغاثة على الإنترنت، لتعزيز تنسيق المعونة الإنسانية من خلال نظام المجموعات القطاعية، الذي يجمع بين الأممالمتحدة والمنظمات الإنسانية غير التابعة لها، لتنسيق الاستجابة لحالات الطوارئ. البرامج المستخدمة في حالات الطوارئ ولا تزال سوق تكنولوجيا إدارة الكوارث تعتمد إلى حد كبير على البرامج الحصرية، في حين تُظهر عمليات رسم الخرائط في حالات الطوارئ فقط تحولاً باتجاه استخدام البرامج المفتوحة المصدر، مثل برنامج ( Openstreetmap)، الذي ينشئ البيانات الجغرافية، ويقوم بتوزيعها دون أي تكلفة، لدعم جهود الإغاثة في جميع أنحاء العالم. وعلى مدى عقود من الزمن، تعتمد الدول، والمنظمات غير الحكومية، على الحلول التي توفرها مؤسسات القطاع الخاص، لجمع البيانات الخاصة بالطوارئ وتحليلها. ولكن في الآونة الأخيرة تحمست كثير من هذه الجهات للاعتماد على البرامج المفتوحة المصدر الأقل تكلفة. وفي الولاياتالمتحدة وحدها، هناك ما يقرب من 40 نوعاً من البرامج المستخدمة لإدارة الخط الساخن للاستجابة لحالات الطوارئ، المعروف ب «911». المعونات الغذائية تحرز تقدماً.. الحماية والإنعاش المبكر والتعليم تتراجع.. وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي مفقودة وتقوم البرمجيات الحصرية (أو المغلقة المصدر) بكل شيء، بدءً من توفير الصوّر، وبيانات نظم المعلومات الجغرافية، إلى البيانات المركزية التي تجمعها الدول خلال الأزمات في مركز القيادة، أو ما يُعرف ب «لوحة المتابعة». وقد بدأت العديد من الدول في رسم خرائط جغرافية للمخاطر، تحدد المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية، مثل السيول، والانهيارات الأرضية، وزحف الصحراء، والعواصف الترابية. وعندما تحدث أي من هذه الكوارث يُمكن استخدام تلك التقنيات نفسها، لرسم خرائط توضح الطرق التي تم تدميرها أو جرفها بعيداً، كما توضح مواقع الضحايا. ومن بين أبرز شركات القطاع الخاص، العاملة في قطاع المعلوماتية الخاصة بالكوارث، شركة (ESRI) التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقراً لها، والتي كانت تعرف سابقاً بمعهد أبحاث الأنظمة البيئية. وهي تدير نظام (ArcGIS)، الذي يقوم بإنشاء خرائط تفاعلية باستخدام تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية. وتتحكم هذه الشركة، التي تأسست في العام 1969، وتُقدّر أرباحها بنحو 900 مليون دولار سنوياً، بما لا يقل عن نصف سوق تكنولوجيا نُظم المعلومات الجغرافية. وفي جزيرة تايوان، المُعرّضة للكوارث الطبيعية، يقوم برنامج (ArcGIS) بالتعامل مع غالبية نظم المعلومات الجغرافية الخاصة بالحكومة، من خلال نظام إدارة المعلومات الطارئة، التي تديرها الوكالة الوطنية لمكافحة الحرائق. ونظراً للعدد المحدود من المستخدمين (100 مستخدم) الذين يمتلكون رخصة تشغيل البرنامج في تايوان، فإن الحكومات المحلية تستخدم البرامج التجارية الخاص بها في إدارة الكوارث. كما تم تدريب عدد من المنظمات غير الحكومية، والمجموعات البحثية، على العمل ببرنامج «ساهانا». وتتوزع عملية التصدي للكوارث في تايوان بشكل لا مركزي على مختلف الإدارات المحلية في الجزيرة. وسبق أن استخدم نظام (ArcGIS) من قبل هيئة خدمات الإغاثة الكاثوليكية، أثناء زلزال عام 2010 في هايتي، لرسم خريطة للمنازل المدمرة، وتتبع بناء 10500 من الهياكل الانتقالية، وحساب أكوام الأنقاض. وقامت الهيئة منذ ذلك الحين بتمديد العمل بهذا البرنامج في كل من مدغشقر وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ومن البرامج الأقل كلفة، برنامج ساهانا، الذي جرى تطويره في سيريلانكا، والذي يتمتع بميزات واسعة، تشمل تتبع العاملين والمتطوعين في الأزمات، وإدارة مخزونات الإغاثة، ورسم خرائط المناطق الساخنة، وتسجيل ضحايا الكوارث، والإبلاغ عن المفقودين، وإدارة حالات الفرز، وتتبع مشروعات المعونة. وقد اختار مركز التأهب للكوارث في آسيا برنامج ساهانا لتشييد بوابة إلكترونية إقليمية عام 2010، تقوم بتوضيح المبادرات الرامية للحد من مخاطر الكوارث في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث كان يرغب المركز في برنامج ميسور التكلفة، يستطيع استخلاص المعلومات من مصادر بيانات متعددة. يقول بيل هو، مدير وحدة المعلومات في المركز: «ساهانا ابتكار عظيم، فهو رخيص وسهل الاستخدام». ولكن حتى في ظل توفر برامج رخيصة الكلفة، مثل ساهانا، اتجهت ألاف الهيئات الإنسانية حول العالم إلى البرامج مفتوحة المصدر (FOSS)، التي لا تتضمن أية تكلفة مالية. والبرامج المفتوحة المصدر هي برامج يُمكن تنزيلها، واستخدامها ودراستها، ونسخها وإعادة توزيعها، بتكلفة رمزية أو مجاناً، بهدف إتاحة الفرصة للمستخدمين لتحسين رموز التشغيل، والتوصل إلى برامج أكثر قوة. ويصف ستيوارت جيل، المؤسس المشارك لمجموعة مطوري البرامج الحرة والمفتوحة المصدر التي يُطلق عليها( Random Hacks of Kindness )، هذه البرامج ب»انفجارات الابتكار»، بدءا من تصميم البرامج مروراً بتطوير الرموز، وصولاً بالبرنامج إلى أقوى شكل يُمكنه من الاستمرارية. منازل حولتها الأعاصير إلى ركام (ا.ب)