يلفت نظر الزائر لتهامة منطقة الباحة شموخ جبل «شدا» المتربع على أرضها بجمال طبيعته الخضراء، وتكويناته الصخرية العجيبة، والأشكال الهندسية في المغارات والكهوف وما فيها من نقوش وآثار تاريخية. ويقع جبل «شدا» بين محافظتي قلوة والمخواة، على ارتفاع 2500 متر عن سطح البحر، ومساحة تقدر ب67 كيلو مترًا مربعًا، فيما يضم الجبل المقسم إلى جزئين (شدا الأعلى، وشدا الأسفل) 13 قرية يقطنها مايقارب 3 آلاف نسمة. ويتميز جبل شدا بارتفاعه الشاهق وتباين تضاريسه، ومناخه يتميز بالبرودة الممطرة في الشتاء والاعتدال خلال الصيف، بالرغم من أنه يقع في قلب تهامة المعروفة بحرارة طقسها. ويتكون الجبل من صخور جرانيتية تناسب عملية الإنبات الطبيعي في جميع سطوحها لنوعية تربتها المسامية واحتفاظها بمياه الأمطار، التي تنحدر من البروزات الصخرية الحادة وعلى جوانب التلال عبر مجموعة من المجاري المتقطعة التي تبدأ عشوائية ومن ثم تتحد في شبكة متشعبة كاملة التكوين لتصب بعد ذلك في الأودية الكبيرة، الأمر الذي مكن إنسان «شدا» من تحويل قمم جباله إلى واحات خضراء تنبض بالحركة والحياة في أجمل معانيها. وتوصف تربة الجبل بالطينية المخلوطة بحبيبات الجرانيت المتفتتة التي تتساقط من جوانب الجبل خصوصاً في المستنقعات وفي المدرجات القديمة التي تحجز التربة للاستخدام الزراعي، حيث يشتهر أهالي «شدا» بزراعه «البن»، في حين أن البحوث النباتية سجلت في الجبل أكثر من 400 نوع من النباتات الزهرية، منها ما يعرف ب»الأوركيدا» وأشجار اللبخ المعروفة محليا ب»الصومل». كما يتميز جبل شدا بوجود نباتات العدن، والشار، والعرعر، والرنفل، والصندل، والخزم، والسلم، والينسون البري، والسدر، والتين الشوكي، والخروع، والعثرب، واللوز، وكذا نباتات الزينة التراثية مثل الكادي والريحان والبعيثران والورد البري. ويحتضن الجبل بين صخوره كنوزاً من التاريخ ورائحة الماضي التي تحكي عمر الإنسان في هذا المكان منذ آلاف السنين، حيث الرسومات والنقوش والكتابات التاريخية، علاوة على بعض المنازل التي اتخذت من الكهوف الصخرية مقراً لها. وطوع أهالي «شدا» هذه الكهوف بإدخال بعض التعديلات عليها عبر بناء واجهاتها بالحجارة والأبواب الخشبية، المنظر الذي أضفى على قرى الجبل طابعا جميلا. تشتهر «شدا» بزراعه «البن»، وتسجيل 400 نوع من النباتات في الجبل ويحتضن الجزء الأعلى من قمة الجبل إحدى أبرز المحميات على مستوى المملكة، التي تكتسب أهميتها من مختلف الجوانب البيئية، النباتية والحيوانية، حيث تمثل قمة الجبل ملاذاً للعديد من الحيوانات مثل النمر العربي الذي يُصنف بأنه من أندر الأنواع المهددة بالانقراض، إلى جانب الوبر وقرد البابون والذئاب والضباع والنمس والثعالب والنيص والغربان والصقور والنسر الأحمر الجبلي والوعل العربي والغزلان وغيرها من الحيوانات البرية النادرة. وتعكف إمارة منطقة الباحة حالياً على دراسة استثمار الجبل سياحياً ليكون منتجعاً سياحياً لزوار المنطقة، نظراً لما يحويه من آثار تاريخية عريقة، وما يتمتع به من مناظر خلابة ووفرة في أشجار الفواكه والخضروات المتنوعة. وما يزال جبل «شدا» وجهة لكل من ينشد جمال وسحر الطبيعة، كونه يمتاز بروعة التصاميم الصخرية التي لا تحتاج إلى تحسين أو تجميل بشري، فضلاً عن ابتسامة وكرم وترحاب أهله الذين دائماً ما يبادرون الزائر بالقهوة العربية المنتجة من البن المحلي الذي يجنونه من مزارعهم المنتشرة على سفوح الجبل. بروزات صخرية حادة على جوانب التلال 13 قرية في الموقع يقطنها ما يقارب 3 آلاف نسمة صخور جرانيتية تناسب عملية الإنبات الطبيعي