قرار شارون في انسحابه عن غزة جاء من جانب واحد، وبالتالي فإنه يفرض واقعاً جديداً في حل القضية الفلسطينية، وهو كما أسلفنا، أن إسرائيل هي المقرر الوحيد في كيفية حل هذا النزاع، وحسب معادلاتها، ولها الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع. وهذا أمر في غاية الخطورة. إضافة إلى أنه يريد أن يوهم الرأي العام العالمي، والإدارة الأمريكية، بأنه ينفذ «خارطة الطريق» لقد قال في خطابه للأمة يوم 15/8/2005م، إنه يقوم بهذا التحرك كون أن «دولة إسرائيل ملتزمة بعملية السلام على أساس رؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش، بأنه يجب على إسرائيل تحسين الوضع الراهن. ولكن شارون قال في كلمته أيضاً إنه وصل إلى قناعة أنه لا يوجد شريك فلسطيني، يمكنه أن يتقدم معه في عملية سلام ثنائية. وهذا كلام يتناقض مع ما جاء في خارطة الطريق، والتي ترى أنه يوجد شريك فلسطيني (خصوصاً بعد غياب ياسر عرفات). من هذا المنطلق، فإننا لا نستطيع أن نعتبر هذا «الانفصال» تحركاً إيجابياً بالنسبة للسلام، أو حل القضية الفلسطينية. وهذا لا يعني طبعاً أنه يجب على الفلسطينيين عدم السيطرة على الأراضي التي يخرج منها الإسرائيليون. بل بالعكس يجب السيطرة عليها واعتبارها أرضاً محررة بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى هذا الخروج. وشارون لا يريد أن يكون له شريك فلسطيني في اتخاذ القرارات بالنسبة لمستقبل الأراضي المحتلة. وقد أعرب عن ذلك بوضوح في مقابلة له أنه: «يفضل التفاوض مع أمريكا (بالنسبة للأراضي المحتلة)، على التفاوض مع العرب» (يدعوت أحرونوت 11/8/2005). فهو يريد أن يفاوض من لا حق لهم، وليس مع أصحاب الحق. من هنا نستطيع أن نلقب هذه العملية بأنها «تمثيلية» هدفها العلاقات العامة، والحصول على مزيد من المساعدات المالية الأمريكية. فكل وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث هذه الأيام عن «التضحيات الكبيرة» التي تقدمها إسرائيل من أجل السلام، والتعاطف الكبير مع هؤلاء« الذين يطردون من منازلهم». ولكن لا أحد يتحدث عن أن هذه الأراضي التي اغتصبها المستعمرون من أصحابها الأصليين، الذين طردتهم سلطات الاحتلال. ولا يتحدثون عن أخلاقيات الاحتلال التي أدت إلى تشريد الآلاف وهدم المنازل، واستغلال القوى البشرية الفلسطينية. إن عملية «انفصال»، هي مسرحية تصب في الجعبة الصهيونية، وليست خطوة في تجاه السلام. والواقع أن شارون نجح في رمي الكرة على الجانب الفلسطيني، معتبراً أن بداية «خارطة الطريق» تبدأ في أعقاب تنفيذ «مخطط الفصل»، ومطالبة الفلسطينيين بالبدء بتطبيق بنود هذه الخارطة عن طريق «محاربة الإرهاب» والقضاء على البنية التحتية للمنظمات الفلسطينية التي تعتبرها إسرائيل «منظمات إرهابية». يجب أن نبقي في ذاكرتنا، أن شارون، والقادة الإسرائيليين غير معنيين بسلام عادل، بل باستسلام فلسطيني كامل، تحت السيطرة الإسرائيلية، وأن استعماله للاصطلاح «لا يوجد شريك فلسطيني» هو بحد ذاته وسيلة سيستخدمها شارون، ولن يتنازل عنها إلا بوقوع حرب أهلية فلسطينية. وهو، أي شارون، على استعداد بأن يبقي «حالة اللاحرب واللاسلام» مربوطة باتفاق مرحلي طويل الأمد، إلى أن تصل إسرائيل إلى أهدافها المرجوة، والتي ستكشف لنا الأيام عن ماهيتها.