هناك عاملان مهمان يحددان نشاط أي مجموعة بحثية علمية، النشر العلمي والحصول على تمويل للمشاريع من الجهات المختصة بتمويل المشاريع العلمية. وكلا العاملين يخضع لمنافسة كبيرة جدا من قبل الباحثين. في مجال التمويل يمكنك مثلا أن تطالع الإعلانات الدورية للجهات التمويلية وشروطها وطريقة التحكيم لهذه المشاريع كمثال يعرفك بمسار التمويل البحثي الذي يخضع لشروط ومقومات أساسها الجودة والمصداقية البحثية. نشر الأبحاث العلمية يزداد صعوبة مع مرور الزمن فالدرويات العلمية المحكمة تبحث عن إبقاء معامل النشر عالية لذلك فإن اختيارها للأبحاث المقدمة للنشر يخضع لقيود وضوابط أهمها الجودة التي يرتفع معيارها سنويا. والنشر العلمي أيضا يخضع لضوابط، فترتيب اسمك على البحث يرتبط بمقدار مساهمتك الفكرية والعلمية في المشروع البحثي كتحليل النتائج والمساهمة في الفكرة العامة والمساهمة في التجارب المعملية أو تطوير تقنية معينة وكتابة الورقة البحثية. وهذا كله يقلل من الادعاءات الاكتشافية في المجال العلمي، فالتسويق الإعلامي غير الموثق لن يأتي بنتيجة لأن محركات البحث العلمية يمكنها أن تكشف عن أي ادعاء علمي مبالغ فيه أو غير صادق. فمثلا حين يقدم لك شخص سيرته الذاتية وفيها مجموعة من المنجزات البحثية التي تتحدث عن اكتشاف ما أو نتيجة علمية ما فإن أول ما يدعم هذا المنجز هو بحث موثق منشور في دورية علمية، فأي نتيجة بحثية غير موثقة لا يمكن أن تثق تماما بمصداقيتها العلمية؛ لأن النشر العلمي يمر بخطوات تحكيم وتقييم ونقد علمي دقيق قبل قبوله ونشره، فلا يمكن نشر أي نتيجة علمية غير مدعمة بحقائق تثبتها وتصف منهجية الوصول لها. ولا يمكن نسب إنتاج علمي جماعي لفرد واحد وإغفال فريق عمل كامل لذلك يأتي التوثيق البحثي المنشور ليحدد دور ومساهمة كل شخص شارك في العمل البحثي. فالأبحاث الناجحة هي نتاج فريق متخصص يعمل بصورة تكاملية وكأنها خط إنتاج معملي فكري، لكل فرد في هذا الفريق أهميته ودوره وهذا هو السائد الآن، فالتعاون البحثي مهم وتبادل الخبرات مهم. وإذا كنت تعمل في هذا المجال فقد تصادف حالات لأشخاص يبالغون في أهمية دورهم أو مساهمتهم في نتاج علمي، أو يدعون الحقوق الفكرية والعلمية لاكتشاف علمي، قد يكتبون هذا في سيرتهم الذاتية أو قد يستخدمونه في حوارهم معك في محاولة لإثارة إعجابك لكن يمكنك بسهولة أن تعرف ما إذا كان هذا الادعاء صحيحا أم لا، فميزة الانتاج العلمي أنه يوثق من خلال الدوريات العلمية المحكمة. وهذا ما نحتاج أن ننقله للطلبة والطالبات في المجال الأكاديمي حتى يعرفوا حقوقهم وحقوق الآخرين لتحقيق الوعي بأهمية التحلي بالأخلاق العلمية التي أساسها الصدق في تقديم المعلومة واحترام روح الفريق. فالمجتمع المعرفي يعتمد أساسا على الوعي بأهمية البحث العلمي ومعرفة شروط البحث العلمي الجاد الذي له مكانته ومصداقيته ويترك أثرا في المجتمع العلمي والأكاديمي..