فوق الإحصاء ما يكتب في الصحف ويقال في وسائل الإعلام، والاتصال، والتواصل الاجتماعي عن قضايانا المحلية في كل المجالات التي تقوم عليها حياتنا العملية بكل جوانبها، ولست أجزم بوجاهة كل هذه الآراء، وفي المقابل لا يمكن تسفيهها كلها، والحكمة تقتضي من كل مسؤول أن يتمعن فيما ينشر من الآراء عن مؤسسته أو إدارته، فقد يجد فيها صواباً الأخذ به نفع وصالح عام يجب أن تقوم به إدارته، وبهذا يتحقق التطور والتحسين في هذه الأمور، أو يكون هناك فهم خاطئ من الكاتب، وعلى هذا المسؤول تصويب ما أخطأ في فهمه هذا الكاتب، وبيان الحقيقة للناس، مدعمة بما يؤكدها ويزيل سوء الفهم عنها. وفي كلا الحالين فإن تجاهل ما يكتب ليس من صواب العمل، واللياقة الإدارية، والكياسة الفكرية. ** ** ** رضي الله عن الخليفة الراشد أبي بكر الذي قال حين تولى الخلافة: (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني - وإن رأيتموني على باطل فقوموني). وقول الخليفة الراشد الآخر: (رحم الله امرءًا أهدى إليّ عيوبي)، ووفق الله قيادة بلادنا التي تسير على هذا النهج، وتحث الناس كل الناس على إبداء الرأي والنصيحة والمشورة، وتطلب من المسؤول أن يتجاوب مع الآراء والمقترحات حول عمله. ** ** ** ولقد أدرك خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - أهمية ذلك، وكرر في كل مناسبة مخاطبة الناس على وجوب إبداء آرائهم فيما حولهم من الشؤون العامة للوطن، وطلب من كل مسؤول ألاّ يستهين بما يطرح من أفكار ووجهات نظر الآخرين حول عمله، وهذا هو دأب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظه الله - فقد كان ولا يزال يطلع مع صباح كل يوم على ما ينشر في وسائل الإعلام كافة، ويتصل بمن كُتب عن إدارته أو مصلحته الحكومية شيء سائلا له: هل اطلعت على ما نشر حول إدارتكم؟! ويطلب بيان موقف هذا المسؤول مما كتب.. بل إن سموه الكريم كان يتولى بنفسه الرد على بعض ما ينشر ويقع في دائرة مسؤوليته، وسموه بذلك أنموذج عملي لما يجب أن يكون عليه المسؤولون كافة. كبار المسؤولين مهما منحهم الله من كفاءة في العمل، وحكمة في الرأي، مع طول تجربة وخبرة عملية، فإنهم بحاجة ماسة إلى الإصغاء لرأي الآخرين، فقد يجدونه أقرب للصواب، إذ قد تغيب عن المسؤول أمور لم يأخذها في الحسبان، وبتنبيه الآخرين له في هذا الشأن يتلافى ما قد يكون غير صائب من قراراته، ومعلوم أنه ليس هناك كمال في شيء إلاّ لوجه الله تعالى وكيف لا أذكر بكل اعتزاز مهاتفة سموه الكريم لي في الصباح الباكر - في كثير من الأحيان - حينما كنت على رأس العمل في وزارة التربية والتعليم لافتاً نظري إلى ما كتب في ذلك اليوم حول أمر من أمور الوزارة، طالباً أن أوضح حقيقة هذا الأمر، وأن آخذ بما جاء في هذا الرأي إن كان فيه صواب. ** ** ** والآن ، وبلادنا- حفظها الله من كل سوء - تمر بمرحلة دقيقة من التطور والنماء.. يتمثل ذلك في المشروعات العملاقة، والتجديد الكبير الشامل، وتحديث الأنظمة والمرافق - كما أن الدول حولنا تمر بمرحلة عصيبة غير مسبوقة من القلق والاضطراب، والنزاع السياسي والتمزق الداخلي - نرجو الله أن يكشف هذه الغمة عن الأشقاء، ويصرف نزعات الشر والفتنة عنا وعنهم.. آمين. من هنا تبرز الحاجة القوية إلى عدم تجاهل المؤسسات الوطنية والمصالح الحكومية للآراء التي تنشر عنها - فلعل فيها أو في بعضها ما يكشف عن خلل نحن في أمس الحاجة إلى تصويبه - حفاظاً على سلامة وطننا، وحسن التنفيذ لبرامج تنميتنا. ** ** ** إنه ليس من الحكمة أن يظن بعض المسؤولين عندنا أن الرأي والصواب هو رأيه وحده، والحق هو ما يتخذه هو من قرارات، متجاهلاً الآراء المغايرة التي يراها الآخرون، وهذا لا يعني الجزم بصحة وصواب كل ما يراه كل كاتب، وكذا ما يتمسك به هذا المسؤول؛ فالكل قد يخطئ، والكل قد يصيب. ** ** ** إن مصلحة الوطن وخيره يوجب ألاّ يكون هناك جمود في آراء المسؤولين، ولا تعصب في قرارات العاملين، بل تجب المشورة في كل أمر فلا خاب من استشار، والاستنارة بآراء الآخرين صحة وسلامة، ووقاية من كل عجز وتقصير. ** ** ** إن ما يعزز روح المواطنة عند أبناء الوطن هو أن يشعروا أن لهم دوراً، وأن آراءهم يستمع إليها، وكأنهم مشاركون حقيقيون في شؤون وطنهم، وفي إحداث التجديد والتحديث في أنظمته وإجراءاته. وكبار المسؤولين مهما منحهم الله من كفاءة في العمل، وحكمة في الرأي، مع طول تجربة وخبرة عملية، فإنهم بحاجة ماسة إلى الإصغاء لرأي الآخرين، فقد يجدونه أقرب للصواب، إذ قد تغيب عن المسؤول أمور لم يأخذها في الحسبان، وبتنبيه الآخرين له في هذا الشأن يتلافى ما قد يكون غير صائب من قراراته، ومعلوم أنه ليس هناك كمال في شيء إلاّ لوجه الله تعالى، ولنتذكر مقولة الإمام مالك - رحمه الله - (كل يؤخذ من رأيه ويرد إلاّ صاحب هذا القبر) مشيراً إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وقول الإمام الشافعي: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري عندي خطأ يحتمل الصواب). فلننهج في حياتنا العملية وتناولنا الأمور هذا النهج السليم، حتى نحقق ما استطعنا بذلك كل خير وصواب.. والله الموفق والمعين. ** ** ** وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأَمِدَنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.