ما زال "الطب الشعبي" يرتبط ارتباطاً جذرياً بالأعمال والمهام الأخرى المكملة لعمل الطبيب، فالصيدلي والطبيب النفسي والقارئ وطبيب الأسنان جميعها تختصر فيما يسمى الآن "الطب الشعبي"، الذي يعده "العلم الإكلنيكي" الحديث أحد فروع بل وأصول "الطب البديل"، الذي تخصص له كبرى الجامعات والمستشفيات العالمية عيادات مستقلة ومراكز بحثية، هي الآن تندرج علمياً تحت مسميات طب الأعشاب أو الصيدلة. أعماله: «التختين، الحجامة، الحلاقة، تكحيل العيون، تجبير الكسور، الكي، ترفيع اللهات، علاج الأسنان والحصبة والجدري» كان الطب في العقود المنصرمة مرتبطاً بمهام أخرى، ربما يعرض عنها بعض الأطباء جراء ضغوط العادات والتقاليد، التي لا تتيح له احتراف مهنة "التحسين" أو الحلاقة، تلك الوظيفة التي تتعدد مهامها ووظائفها لتقتحم عالم الطب والعلاج ب"الكي" و"الحجامة"، إلى العلاج بالأعشاب وتجبير الكسور والانزلاقات المفصلية والغضروفية، ناهيك عن جراحات الأسنان والفم، التي أجازت لعامة الناس آنذاك أن يضربوا المثل بتعدد المهام بقولهم "حلاق وقلاع ضروس". حجامة وتختين كانت معدات وأدوات "المزيّن" لا تخلو من "الأثمد" و"الخلولة" و"صابون أم عنز" و"الشنان" و"المروك" و"الفروك" و"الحبشوشة" و"الخرورا"، كما لا تخلو من "الزنانير" و"المقابض" و"الشناكر" لقلع وخلع الأسنان والأضراس، بل كان المزين يتجاوز هذا إلى تلبيس وتزيين الأسنان، ويعالج أمراض اللثة والشفاه، حتى تتزين الابتسامات بالأسنان المذهبة والثغور المليحة، لا سيما حين يتزاحم الشباب المقبلين على الزواج على أبواب المزيّن، في غرفة عيادته التي اقتصها من منزله، والتي لا تقف عند "تحسين" الرؤوس وتشذيب الشعر، وربما فتل الأشناب وصبغ رؤوس الشيب والشباب، الذين سيشاهدون في غرفة المزيّن أماً تحمل صغيرها الذي حان وقت "تطهيره" وتختينه"، كما سيشاهدون بعض أقرانهم من الشباب الذي مازال يترقب يوم السابع عشر من الشهر، حين فوران الدماء بالأجساد الفتية، التي وجدت في "الحجامة" طريقاً أمثل لتقليص ساعات النوم وزيادة النشاط في العمل وحفر "القلبان"، وحصد وحرث النباتات والنخيل. وبعيداً عن "الحجامة" و"التختين"، فقد كان المزيّن يغسل الرؤوس ويكحل العيون ويشذب شعيرات الذقن والشارب، وفق ما يرغب الزبون الذي كثيراً ما يتحرج من تغطية شعره بالحناء، وربما الزعفران، خاصة المعاريس الذين يحجزون أماكنهم عند المزين قبل الزواج بيوم أو يومين. سوق الخرازين الملاصق للجامع الكبير في الرياض 1374ه وتبدو محال المحسّنين خدمات صحية كان عمل المزيّن لا يقف -أحياناً- عند الحلاقة وتحسين الرؤوس، بل يتعداه إلى الطب وتجبير الكسور و"الكي" و"الحجامة" والعلاج بالأعشاب، وإن هو عرف بين أهل القرية بالعلم والتُقى والورع فسيقرأ على صغيرهم وكبيرهم ويرقي مريضهم، وربما كان مأذوناً للأنكحة فيعقد لزواجاتهم ويشهد ويوثق حالات الخلع والطلاق فيما بينهم، كما يساهم بما حباه الله من العلم والخبرة بحل وعلاج مشاكلهم النفسية والاجتماعية، والقراءة على مسحورهم ورقية "المعيون والمنظول"، كما أن لكواليبه وملاقيطه ذكريات مضحكة مبكية مع مرضاه، الذين لا يسلمون من كي مجمره و"لبخاته" و"صبخاته" التي يوزعها على أجساد مرضاه ورواد عيادته، التي لا تخلو من جملة من الأعشاب والنباتات العطرية والعشبية ك"العنزروت" و"الحلتيت" و"قلب الجوزة" و"سكر نبات" و"الحرمل" و"الصبرة" و"العصفر" "ودم الخوير" و"القطور" و"الدجنان" و"ملح الواد" لعلاج الأسنان، ناهيك عن أدوية "اللعوط" و"الصعوط" وخدمات "الدعك" و"التدليك"، التي غالباً ما يعمل بها أبناء المزيّن كعمل مكمل لما يستدعيه علاج والدهم لمرضاه. سوق المقيبرة 1356ه حيث يوجد أكثر من مزيّن في تخصصات متعددة تسنين وترفيع كان المزيّن الذي يمتهن أيضاً مهنة الطب يحدد أوقاتاً للأطفال حديثي الولادة، الذين تحملهم أمهاتهم له كي يجري لهم عملية "ترفيع اللهات" أو ما يسمونه آنذاك "العظيم"، والذي غالباً ما يربط بأمراض وأوجاع "الخاز باز"، التي تتدلى من خلالها اللوزتان من حلق الطفل، ناهيك عن علاجات "الرمد" و"التسنين" و"حصر البول" التي يعالجونها بغمس الجزء الأسفل من جسد الطفل بالماء الدافئ، إلى أن يدر فيرتاح وينام وسط تهليل وتكبير الأم، التي أعياها السهر وهي تغني لطفلها: يا عين أبوي أنت قم اختر البنت عيت تبي العود ما تبي إلاّ أنت مكافحة الأوبئة كان عمل "المزين" خطراً بحكم ضرورة احترازه من نقل العدوى بين الأهالي، الذين كانت أمراض "الحصبة" و"الجدري" و"العنقز" و"الأمراض الوبائية" تنتقل بينهم عبر العدوى والمخالطة، لذا كان على الطبيب أو المزين أن يحرص على تعقيم وتطهير أدواته ومعداته، التي يستخدمها لحلاقة وعلاج مرضاه، كأن يغسلها بالماء المالح أو يسخنها بالنار، كما كان يعمد إلى تبخير غرفة علاجه بالبخور "الكمبودي" و"الجاوي" لقتل الحشرات والبكتيريا، كما كانوا يحرقون ثياب "المجدور" و"المحصوب" والمصاب بأي مرض معد، وتحديداً انهم كانوا يعالجون لسعات الحشرات والعقارب بالتمر لامتصاص السم، ويخلطونه بالملح للتعقيم وإبطال مفعول السم أو التقليل منه، كما كانوا يغسلون الثياب التي تردهم من البلاد البعيدة، لاسيما تلك التي تأتي عبر السفن وذلك خشية من نقلها للأمراض المعدية، كما كانوا يستغلون حرارة الشمس لنشرها وتعقيمها عبر إبقائها في الهواء الحار. وذكر المؤرخ "عبدالرحمن الجبرتي" أن الأهالي في مصر قبل قرنين من الزمان كانوا يمزقون طرود البريد والمكاتبات التي تردهم بالسكاكين، ثم يبخرونها بالدخون والأعشاب والبخور لتعقيمها. المحسّن يعمل حجامة لأحد الزبائن علاج إيماني كانت الأمراض والأوبئة والجروح النازفة، تواجه بالقلوب المؤمنة الراضية بما قسم الله لها، كما كانت قادرة -بما حباها الله من العلم والإيمان- على التمييز بين "الدجالين" والمشعوذين الذين يستغلون حاجة الناس للدواء والعلاج، وينتهزون ذلك للكذب والدجل عليهم، فيدعون أنهم الأطباء القادرون على شفاء مرضاهم وعلاج جراحهم وأوجاعهم، من خلال استغلالهم والتدليس عليهم، وهؤلاء هم من وصفهم الجاحظ قبل أكثر من ألف عام بأنهم يهللون لانتشار المرض حتى تنفتح أمامهم أبواب الرزق، فلو أُرشدوا إلى ما يحسن العلل لبارت سوقهم حتماً، ومن هنا كان شرهم أكيداً. طريقة التجبير في الماضي راحة واستجمام وبإطلالة سريعة على بعض المدن والأقاليم في بلادنا نجد أن ثقافة "المساج" والتنظيف والحلاقة، كانت موجودة ومعروفة عند الأهالي الذين كانوا يجدون في الحمامات العامة سبيلاً للراحة والاستجمام، عبر المكوث بالمياه الباردة في الصيف الحار، والانغماس بالمياه الدافئة حين حلول البرد وموجات الصقيع، وبالأخص في مواسم "المربعانية" و"الشبط"، والتي مازالت بقايا مثل هذه الحمامات موجودة في كثير من البلدات، لاسيما تلك التي تقع على طريق الحاج، كما أن أساسات وقواعد حمامات مدينة الدرعية الواسعة، مازالت باقية منذ تشييدها قبل أكثر من مائتي عام، وربما يجري الآن ترميمها وإعادة بنائها لتبقى ذكرى وشاهداً على مهنة المزين، التي كانت ومازالت ترتبط كثيراً بممارسة بعض أنواع الطب والعلاجات. وقد ذكر"الجبرتي" في حوادث سنة 1219ه أن بعض الأمراء في مصر طلبوا طائفة من المزيّنين وأرسلوهم لمداواة الجرحى، كما أكد "هيوارث دن" أن الطب في تلك الآونة كان يعتبر تجارة أكثر منه علماً، وأن مهنة الطب هي من عمل الحلاق والشيوخ الذين تخصصوا في عمل الأحجية والتمائم ضد المرض. الحلاق يؤدي أعمالاً أخرى غير مهمته الأساسية تجهيز عرسان في عصرنا الحالي أصبحت عيادة وغرفة "المزيّن" أشبه بأجنحة الخمس نجوم، التي يرتادها الشباب للحلاقة وتسريح وتقصير وصبغ الشعر، ناهيك عن خدمات "الجل" وتنظيف البشرة بالليزر و"الاستشوار" و"الفرد" وحمام الزيت، هذا عدا برامج "البودي كير" و"مني كير" و"تجهيز العريس والحمام المغربي والشامي والمساج وحمامات البخار، التي انتشرت في معظم المدن وحتى القرى، بيد أنها رغم إعراض الكثيرين عنها واقتصارهم على محلات الحلاقة التقليدية، بقيت منفصلة عن المراكز الطبية والعيادات الصحية، لكونها الآن تجارة منفردة ومستقلة، لا ينافسها في الآونة الأخيرة إلاّ محلات الكوافير" النسائية، حيث الإقبال المتزايد من قبل النساء على المشاغل، التي تتكفل في تقديم كل ما ينال إعجاب المرأة ويكفيها عناء جلب "الكوافيرة" إلى منزلها، التي كانت قبل أكثر من خمسين عاماً إحدى ضرورات النساء، لاسيما العروسة التي تتفرغ ليلة فرحها للماشطة، التي تطرق باب والدها منذ الصباح الباكر، وهي تحمل معها أمشاط الخشب وأعواد "الديرمان". بعض المستحضرات العشبية التي كان يستخدمها المرضى img src="http://s.alriyadh.com/2013/12/06/img/390388835265.jpg" title=" نصائح "الحلاق الطبيب" نجحت في إنقاذ المصابين بواسطة سم الأفعى " نصائح "الحلاق الطبيب" نجحت في إنقاذ المصابين بواسطة سم الأفعى img src="http://s.alriyadh.com/2013/12/06/img/321465377898.jpg" title=" ذكريات "المزيّن" انتهت مع وجود الحمامات المغربية" ذكريات "المزيّن" انتهت مع وجود الحمامات المغربية