عمل «صبياً» في محل «عبدالعزيز بن نصّار» -أحد تجار الرياض قديماً- وعمره (14) عاماً براتب (20) ريالاً شهرياً، حيث واجه تحدياً كبيراً من زميل له في المحل، الذي كان يستغل أي فرصة ليبرهن للتاجر أنه الأميز، وهو ما جعله يشعر بالإجهاد والإحباط؛ ليعمل مع قريب له، حيث افتتحا «دكاناً» خاصاً بهما، إلاّ أن «النصار» عرض عليه العمل من جديد، وبعد مشاورات مع شريكه عاد براتب (60) ريالاً. نتعلّم منه الصبر على الرزق وتحدي الذات ب «عزيمة الكبار» والبحث عن التطوير مهما كانت التحديات «عبدالرحمن الجريسي» -رجل الأعمال المعروف- انطلق من ثلاثة عناصر؛ الأمانة، الصدق والإخلاص، العمل الجاد، مما جعله يدير شركاته وأعماله بذكاء من خلال مثابرته وصبره وتعايشه مع بيئات العمل المختلفة، فتغلب على كل التحديات والإخفاقات، وأصبح يملك اليوم عشرات الشركات التجارية والمصانع المعروفة التي جعلته من أهم رجال المال والأعمال في المملكة؛ ليتبوأ مناصب تجارية مهمة، كما حصل على العديد من الأوسمة والجوائز المحلية والعالمية، ويمتلك الآن عدداً من المؤسسات التي تنضوي تحت مظلة «مجموعة الجريسي»، منها «مؤسسة الجريسي لخدمات الكبميوتر والاتصالات»، و»أثير» أحد مزودي خدمة الإنترنت، و»الجريسي للتقنية»، و»الجريسي للتنمية»، كما يمتلك أربعة مصانع، هي «الجريسي للأثاث»، ومصنع «ستيلكيس» للأثاث، ومصنع ثالث لصناعة البطاقات الذكية، ورابع لصناعة «ورق الكمبيوتر». «الرياض» تستقصي بدايات ونجاحات رجل الأعمال «عبدالرحمن الجريسي». تبوأ مناصب تجارية مهمة وحصل على العديد من الأوسمة والجوائز المحلية والعالمية قرية رغبة ولد «عبدالرحمن بن علي الجريسي» عام 1932م في «رغبة»، وهي قرية صغيرة من قرى محافظة ثادق والمحمل، وتقع على بعد حوالي (140كم) شمال غرب الرياض، وتوفي والده وهو لا يزال رضيعاً، وتولى جدّه تربيته ثم عمه «محمد الجريسي»، ودرس حتى الصف الخامس الابتدائي في مدرسة «التذكارية» في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ثم عمل صبياً في محل «عبدالعزيز بن نصّار» -من رجال الأعمال المعروفين في الرياض آنذاك-، وكان عمره آنذاك (14) عاماً، وبمجرد توليه العمل واجهته ظروف صعبة ناتجة من طبيعة وقت العمل الطويل والمستمر، كما كان عليه أن يؤدي أعمالاً إضافية غير مهامه الرئيسة كجلب الماء من بئر بعيدة إلى منزل التاجر الذي كان يعمل معه، أيضاً واجهه تحد كبير من زميل له في العمل حيث كان ذلك الشاب نشيطاً وذكياً للغاية، بل ومنافساً يستغل أي فرصة ليبرهن لصاحب العمل أنه الأميز، لذا بدأ يشعر بالإجهاد والإحباط؛ فكان عند رجوعه إلى منزل عمه يتبادر إلى ذهنه ترك العمل، غير أنه سرعان ما يبعد هذه الفكرة من رأسه، حيث كان يقول لنفسه: لماذا الرجوع للخلف؟؛ فيواصل عمله. أول من ساهم في دخول «الكمبيوتر» إلى أسواق المملكة و«التدريب» أساس التطوير في العمل ثلاثة عناصر استمر «الجريسي» في هذا الحال لمدة ثلاثة أعوام دون أن يعرف بالضبط ما هو مرتبه، حيث لم يكن في تلك الفترة بحاجة إلى المال؛ لأنه يسكن في منزل مجاور لبيت «ابن نصّار» ويأكل مما يأكل، وبعد تلك الفترة ترك العمل، وعندها صُرف له ما يعادل (20) ريالاً في الشهر عن فترة عمله، وأخذ المبلغ وبدأ في عمل آخر مع قريب له، حيث فتحا «دكاناً» إلاّ أن «ابن نصّار» عرض عليه العمل من جديد، وبعد مشاورات مع شريكه عاد ب(60) ريالاً، استمر مع «ابن نصّار» لمدة (11) عاماً كموظف مبتدئ وبسيط ثم ترك العمل معه عام 1378ه. وعن مبادئ العمل التي انطلق منها الجريسي لتحقيق أهدافه، قال: انطلقت من ثلاثة عناصر مهمة جداً وهي الأمانة، الصدق والإخلاص، العمل الجاد، مضيفاً أنه على الرغم من كل التحديات، فقد استطاع أن يتطور بذكاء، من خلال أولى مشروعاته مؤسسة «بيت الرياض». ينصح الشباب بعدم اليأس ومتابعة «حلالهم» بأنفسهم من دون تخاذل أو تواكل أو جمود شركة متخصصة بدأ نشاط مؤسسة «بيت الرياض» في مجال الأواني المنزلية وبيع القهوة وبعض الأغذية، ثم تحول إلى الأثاث المكتبي والأدوات المكتبية، وبعد عشر سنوات تم إدخال الكمبيوتر من ضمن التجارة، وبعدها أجهزة الاتصالات والبرمجيات، ليتحول «الجريسي» من بائع إلى أحد كبار رجال الأعمال، حيث يُعد أول من ساهم في إدخال الحاسوب «الكمبيوتر» إلى المملكة، فأسّس شركة «الجريسي» لخدمات الكمبيوتر والاتصالات، ولاحظ أن القطاع يتوسع بسرعة ويحتاج إلى تخصص، فقرر دخول هذا المجال، وأنشأ شركة متخصصة عمرها الآن أكثر من (40) عاماً منذ تم تأسيسها، كذلك يعمل في «مجموعة الجريسي» نحو خمسة آلاف موظف وعامل، منهم أربعة آلاف موظف يعملون في مجال التقنية، غالبيتهم مهندسون ومبرمجون وإداريون، ووصف بدايته في عالم التجارة أنها كانت بمحض الصدفة ولم تكن بإرادة أو مخطط لها. يرى الأمير سلمان قدوة للناجحين في أي موقع ومدينة الرياض شاهدة على بُعد نظره الغرف التجارية وعن بعض المواقف الراسخة في مخيلته، قال «الجريسي»: لا تبارح ذاكرتي تلك اللحظة المؤلمة التي سلمت فيها جدّتي الروح إلى خالقها، كذلك رؤية الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وصورته وهيبته لا تفارقني أبداً، مضيفاً أن من المواقف التي حدثت له من وقت قريب جداً، عندما قرر ركوب «الدباب الصحراوي»، فإذا به وكأنه ركب على ظهر فرس جامح، ليرتطم بالأرض ويتقلب أربع مرات، مؤكداً على أنه كاد أن يفقد حياته لولا ستر الله ولطفه. وحول تجربة (40) عاماً في خدمة الغرف التجارية، أوضح أنه تشرف برئاستها خلال فترة يعتبرها إثراء شخصي له، حيث تحقق خلالها بعض النجاحات الملموسة، وتم أيضاً فيها تعزيز العلاقات الوثيقة التي تربط الغرفة بنظرائها المسؤولين وأصحاب القرار مما يخدم قطاع الأعمال، إضافةً إلى توثيق العلاقة ما بين الغرف في المملكة وخارجها، وبما حققته كأكبر غرفة على المستوى الإقليمي بأكثر من (100) ألف منتسب أو يزيد، وهما ما قادها إلى تحقيق النجاح في خلق عمل مؤسسي شارك بفعالية في بلورة كثير من الرؤى. وأشار إلى أنه كان لابد أن يترك الأمانة لإتاحة الفرصة أمام قيادات أخرى لمتابعة المسيرة وتحمل المسؤولية، خاصةً القيادات الشابة وكوكبة من رجال الأعمال، الذين أدوا دوراً وطنياً من خلال مجلس إدارتها ولجانها لخدمة قطاع الأعمال والاقتصاد الوطني. الأمير سلمان يكرم الجريسي على دعمه المتواصل لجمعية «إنسان» تصحيح العمالة وحول الآثار المترتبة على قرار تصحيح العمالة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، أكد «الجريسي» على أن الدولة رعاها الله تضع تنمية الموارد البشرية الوطنية كأحد الأركان الأساسيَّة في معادلة البناء، وتعدُّها من أهم عوامل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، مضيفاً أنه تتم عملية بناء الوطن وتنمية اقتصادياته، في إطار استراتيجيَّة تنمية وتطوير الكوادر الوطنيَّة، مبيناً أن هيبة النظام بدأت تعود إلى سوق العمل بعد انطلاق الحملات التفتيشية، وهو ما أسعد قطاع الأعمال؛ نظراً لأنها تحفظ حقوق جميع الأطراف وتحسن بيئة العمل، لافتاً إلى أن وزارة الداخلية أسهمت في تنمية عجلة الاقتصاد الوطني، الأمر الذي أسهم في إيجاد البيئة الآمنة والمستقرة والتي تُعد المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي. الجريسي مصافحاً الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب عطلة الأسبوع وفيما يتعلق بالمؤثرات التي تحسب إيجاباً على قرار عطلة يومي الجمعة والسبت، ذكر أنه قرار يعبر عن نظرة ثاقبة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، ويصب في مصلحة الاقتصاد الوطني الكلي، عبر اكتساب يوم إضافي في التعاملات مع الدول الأخرى على مستوى العالم، حيث يتزامن مع التعاملات الاقتصادية والتجارية والحكومية مع تلك الدول، وهو استجابة كريمة لمستجدات الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والتعليمية التي أصبحت ترتبط بشكل مباشر على المستوى الإقليمي والعالمي عبدالرحمن الجريسي خارطة طريق وعن نصائحه للشباب المقبل على العمل، أوضح «الجريسي» أنه من المهم الحذر في منح الثقة للآخرين، كذلك لابد من عدم وضع البيض في سلة واحدة، إضافةً إلى أهمية وضع خارطة طريق للمشروعات، إلى جانب عدم اليأس في العمل التجاري، مضيفاً أن من يعزم على الاستثمار فعليه التوكل على الله سبحانه وتعالى أولاً، ثم الوقوف في وجه العواصف مهما كانت، مبيناً أنه في العمل التجاري لا يجب التخاذل أو التواكل، مؤكداً على أن مجالات الاستثمار كثيرة جداً ومتعددة ومتوفرة، ولا تتطلب سوى الإرادة والتخطيط السليم، وقبل كل ذلك التوكل على الله، ومن ثم الاعتماد على الذات، ناصحاً جيل اليوم باكتساب الخبرة من الآخرين الذين نجحوا في المجال الاستثماري نفسه، حيث أن الفرص والدعم متوفرة أكثر مما كانت في الماضي. أ الجريسي مع «بل غيتس» في مناسبة عمل لتطوير منتجات الشركة همية التدريب وشدّد «الجريسي» على أن التدريب يلعب دوراً مهماً في تحسين وتطوير مهارات وقدرات الموظف أو المدير أو العاملين لأداء مهامهم وواجباتهم بكل كفاءة واقتدار، مبيناً أن التدريب يصقل المهارات ويستدعي مواهب الإبداع من عقول العاملين ليساهموا في عملية التطوير والتجديد، وكذلك علاج المشكلات التي تواجهم، مؤكداً على أهمية أن تبدأ عملية التدريب بالتوجيه والقدوة الحسنة والإرشاد، وكذلك عقد اللقاءات والاجتماعات المنظمة، مشيراً إلى أن أهمية التدريب لا تقتصر على تطوير قدرات العاملين من خلال تلك المعلومات والمهارات المرتبطة بأداء العمل فقط، وإنما تمتد تلك الأهمية لتشمل تحسين وتطوير سلوكيات العاملين في العمل وتعاملهم مع المؤسسة ومع الزملاء والرؤساء والمرؤوسين والعملاء. .. ويفتتح مشروعاً استثمارياً لشباب الأعمال في غرفة الرياض نقل عام وحول فكرة القطارات بالمملكة و»مترو الرياض»، قال «الجريسي»: أولاً تسمية هذا المشروع الوطني العملاق باسم «مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام» هو استحقاق ذهب لصاحبه، مضيفاً أن وجود نظام نقل عام جيد ومريح من شأنه أن يغيّر ثقافة المجتمع ويشجّع السائقين مع مرور الوقت للتخلي عن استخدام سياراتهم الخاصة؛ الأمر الذي سيخفف الاختناقات المرورية، خاصةً أوقات الذروة، مبيناً أن مشروع النقل العام في مدينة الرياض بشقيه القطار والحافلات يستهدف الحد من المسافات المقطوعة على شبكة الطرق، وبالتالي يوفر الساعات المهدرة في الشوارع يومياً، كما أن مشروع النقل بالقطارات في مكةالمكرمة سيسهم في جعل العاصمة المقدسة مدينة ذكية وجاذبة للمستثمرين وينهي حالات الزحام خلال موسمي الحج والعمرة، لافتاً إلى أن مشروع النقل العام باستخدام القطارات سيكون له مردود على الجانب الاقتصادي والعمراني من حيث تطوير المناطق الحضارية وزيادة الكفاءة الاقتصادية وإيجاد فرص عمل للشباب، وغيرها من الفوائد الأخرى في هذا العهد الميمون الذي لم يتواني بأن يجعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة. غرفة الرياض تكرم الجريسي بعد عقود من العطاء المميز والمخلص إنجازات الأمير سلمان وفيما يتعلق بالذكريات مع الأمير سلمان بن عبدالعزيز أكد «الجريسي» على أن الحديث عن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزيرالدفاع -حفظه الله- ذو شجون ويطول؛ لأن كل إنجاز شاهد عليه ويتحدث عن نفسه، فالأمير سلمان في أي موقع أو أي مكان يُعد قدوة في كل الأمور ولا يقبل بأقل من الإبداع، كما أنه يُعد مرجعاً لكل جهة لتحقيق الأهداف الوطنية، بل هو المفكر والمخطط والمهندس والمتابع لكل كبيرة وصغيرة في مشروعات مدينة الرياض لأربعة عقود مضت، أثمرت عن نهضة تنموية واسعة وإنجازات متتابعة شملت كافة القطاعات، حتى بلغت العاصمة آفاقاً غير مسبوقة في جوانب التحديث والتطوير الشامل، بل وأصبحت إحدى أبرز حواضر العالم في هذا العهد الزاهر الذي شهدت فيه المملكة أقصى درجات الرعاية من لدن قادتنا بداية من الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- ومتعه بالصحة والعافية. .. وهنا يتلقى شكر الأيتام على دعمه كراسي البحث وعن تمويل كراسي البحث العلمي، قال «الجريسي»: من الأعمال التي أحسب أنها تلعب دوراً مهماً في خدمة العلم والعلماء والمجتمع تلك البحوث العلمية، لذا عملنا على تمويل «كرسي عبدالرحمن الجريسي لدراسات حقوق الإنسان»، بقيمة بلغت ستة ملايين ريال، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ ليسهم في إعطاء الرؤية الواضحة والصورة الحقيقية لمقاصد الدين الإسلامي، مضيفاً أن بحوث ودراسات حقوق الإنسان تُعد من الأمور المهمة في الوقت الحاضر، لتوضيح أن ديننا الإسلامي وسيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حرصت على أن يكون الإنسان وحقوقه في مقدمة الاهتمامات، مبيناً أن العمل على تمويل كرسي «عبدالرحمن بن علي الجريسي» لأبحاث الحمض النووي (DNA) بجامعة الملك سعود، حيث حصل هذا الكرسي على الجائزة الأولى في الملتقى الخامس والعشرين للجمعية السعودية لعلوم الحياة (تقنية النانو في علوم الحياة) والذي عقد بجامعة الملك فيصل، والذي شارك فيه (246) باحثاً من داخل وخارج المملكة، وذلك لإنتاجه جيلاً جديداً من منتج «سلفر نانو» (نترات الفض النانوية)، مؤكداً على أن المنتج تم تقديمه إلى مقام خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بحضور وزير التعليم العالي ومدير الجامعة، كما تم نشر البحث الخاص به في مجلة علمية مُحكمة ذات معامل تأثير عال ضمن (ISI).