اقرأ.. هي المبتدأ نحو الطريق الطويل إلى المعرفة، والقراءة زوّادة يحملها المهتم بالشأن المعرفي ويمعن في الإضافة إليها بشكل دائم لكونها الكشَّاف للماضي والحاضر والمستقبل، فلذلك كثرت النصائح ب(اقرأ ثم اقرأ واقرأ) من قِبل من مر بالتجربة المعرفية وأخذ في الاستمرار ليوسع إطاره المتأتي من المتابعة لما من شأنه أن يضيف ويوسع ذلك الإطار ليشمل المتغيرات والمستجدات المسايرة لركب عجلة الحياة والمتحركة دوما، والمباغتة بإضافات كثر كانت من نتائج المتابعة والركض وراء ما يمكن أن يضاف إلى مكونات الزوَّادة التي تلتهم وتلقف المزيد مما يجري من متغيرات في الكون والمحيط حسب ما يتناقل وينشر وخاصة ما يكون بين دفتي كتاب أو مجلة (كما ذكرت الشاعرة الأديبة سعدية مفرح نظرتها للقراءة والكتاب في هذا المكان السبت الماضي) إضافة إلى وسائل التواصل التي تتسم بالجدية والبحث والتوجيه في سبيل المعرف والتَّعريف بها، وكذلك رسم الخطط التي من شأنها أن تقود إلى آفاق أوسع تبعا لمتطلبات العصر المحتم اللحاق بركب الحضارة السائر بسرعة مذهلة، فالقراءة زاد الكاتب لا محالة ومن تركها أو تجاهلها وأمعن في المتح من معينه الضيق أو اللا شيئي الذي تركه كما هو (مكانك راوح) دون أن يجهد نفسه في متابعة ما تنتجه المطابع من كتب ومجلات في شتى الفنون والإبداع وهو يتوجه إلى ما يرى أنه الملائم له ولذوقه، ثم أنه يرى فيه ما يساعده على أن يسهم في الاستزادة ويسانده بطريق التوجيه وخدمة المجتمع من خلال عمله الذاتي الذي يَعْبُر من خلاله إلى أنفس الآخرين من المتلقين الذين هم المقياس الحقيقي لمدى قوة التأثير التي كانت من أسباب منتجه الذي لفت إليه الأنظار، فكان الترقب من المقومات السائدة لملاقاة ما تجود به قريحته من أفكار وآراء يشارك فيها وجدان الجميع كبرهان وفاء لمحصوله الذي يتوجب عليه مثل الضريبة لطبيعة الإنسان الذي يخدم أخاه الإنسان. القراءة زاد يستعمل للإفادة والاستنارة لصاحبه ولكنها كذلك توجب أن تظهر إلى الآخر للتفاعل معها، وكاتب دون قراءة لا لون له أو طعم، فمع الأسف أن من يتابع بعض ما يكتب في وسائل الاتصال وبعض المجلات والصحف وخصوصا السيارة، يدرك أن هناك من اتخذ شعار (اكتب.. واكتب.. واكتب) فقط اكتب للكتابة اسبوعيا، أو يوميا، أو بين يوم ويوم، وهكذ تشابكت الأمور على القارئين والمتابعين الذين هالهم هذا الركام من الكتابات التي يراد منها (الترزز) لا غير، فالمؤمل أن الكاتب يأتي بما يستحق أن يُقرأ، أما ما هو سائد عند الكاتب اللا قارئ فيتمثل في البحث عن مواطن الإثارة والمشاغبة والتدليس وجعل (الحَبّة قُبّة)، مستخدما الأسلوب المتلفع بعباءة عدم الرضا عن أشياء هي في حقيقتها أشياء تهم، ولكنها تلفت إلى أن وراء ما وراءها خواء يجعجع ولا يطحن، فمصدرها الجلسات والشلة، وكتابتها بتواتر الكلمات المنقولة من بعضها البعض، ثم الهَبَّة التي تشبه الاتفاق على التشويه والتندر دون القدرة على التوجيه، ومقترحات الحلول لأمور حياتية تهم المجتمع. فيها ما يخص الخاصة وهناك ما يتوجه إلى العامة، وبوسيلة أسلوب يوحي بأن وراء الكلمات عقلا واعيا.. حلل أموره قبل إبداء الرأي المتوازن المؤطر بعمق الإدراك للإيجابيات والسلبيات، وهذه لا تتأتى إلا لمن يقرأ ويتابع، فكاتب دون قراءة مهما عمل وعمل فلن تكون له رائحة ولا طعم ولا فائدة، وضرره أكثر من نفعه، فالكتابة مسؤولية وتقويمها وإدراك أهميتها تكمن في مدى المساحة التي قطعها صاحب الرأي عبر القراءة، وموازنة الرأي والرأي المضاد ومن ثم الأخذ بالمفيد. القراءة زاد القارئ وكيان الكاتب فاقرأ ثم اقرأ وأقرأ، وبعد ذلك اكتب قالها إبراهيم عبدالقادر المازني: (إذا امتلأت الحنفية.. افتح الصنبور).