لن أحنث لو أقسمت أن جميع الجهات ذات الصلة بتأمين الفرص الوظيفية للشاب السعودي بعد رحيل العمالة غير النظامية من البلد -لانتهاء المهلة الممنوحة لها من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين وبعد تمديدها- لم تتقدم من مراحلها الألف بائية في هذا الأمر، سواء بدراسة ذلك في المؤسسات المخولة بهذا الجانب كوزارة العمل ومجلس الشورى ومراكز الأبحاث والجامعات والغرف التجارية والمؤسسات الرائدة في السعودة ذات النطاقات المتقدمة في ذلك وغيرها من الجهات المعنية عادة بتقديم الدراسات المستفيضة في ذلك في أطر جاهزة للتطبيق على أرض الواقع سواء الحكومية منها أو الخاصة قبل الشروع في الحملة وخلق فجوات وظيفية واستثمارية لا يمكن شغلها فيما بعد -إلا بكثير من العشوائية التي ينتج عنها تشوهات عديدة في الاستثمار والقوى العاملة وخلافها مما لسنا بمعرض الحديث عنه الآن- لتأمين الفرص الوظيفية للشباب السعودي العاطل أو حتى تأمين الفرص الأفضل لهم كمناسبة التخصص أو ارتفاع الدخل وخلافه كبديل لتلك العمالة التي كانت تشغل حيزاً كبيراً من مجال الفرص الوظيفية والمشاريع الاستثمارية الصغيرة والتي تُدِر دخلاً جيداً لأصحابها خصوصا بعد تقليص المنافسين من غير السعوديين على خلفية الحملة، وهذا ما سيخفف العبء عن كاهل الدولة في مجال التوظيف على نطاق واسع جداً وينعش الاقتصاد المحلي من خلال الاستثمارات الصغيرة الأوفر حظا من إجمالي الاقتصادات العالمية والأكثر تأثيرا. ولكن ما نخشاه أن تُترك المسألة في ذلك للعشوائية حيث لن يستفيد في نهاية المطاف سوى كبار المستثمرين إذا لم يجد الشاب قليل الخبرة أو حتى عديمها من يأخذ بيده حتى يشتد عوده ويعلو كعبه في ذلك "وأعني هنا الاستثمارات الصغيرة". فعلى سبيل المثال سينقص لدينا بعد الحملة أعداد كبيرة من أصحاب الحرف اليدوية كالسباكين والنجارين والحدادين والكهربائيين وغيرها من المهن البسيطة والتي يمكن إتقانها في دورات وبرامج قصيرة المدة والتي إذا احترف الشاب السعودي بشكل جيد وجاد فإن عائداتها المادية لا يتخيلها إطلاقاً - مقارنة بدخل الوظيفة الحكومية - ولكن بشرط التحفيز وتذليل العقبات أمامه كالإجراءات الإدارية والرسوم وتخفيض الإيجارات في المناطق الصناعية وتوفير القروض الميسرة بشكل واسع على الأقل في البدايات؛ وأنا بذلك أزعم أن ذلك سينعكس بشكل إيجابي على عدة جوانب كلها تصب في الصالح العام والخاص ،من انضباط في العمل المؤسسي للشرائح المتوسطة والصغيرة وستتبعها الكبيرة كجزء من المنظومة الاستثمارية والذي كان يعاني جزئيا تحت إدارة تلك العمالة غير النظامية إلى تغيير صحي في ثقافة المجتمع تجاه الأعمال الحرفية إلى توزيع لمصبات الريع الاستثماري بشكل أكثر شمولية لشرائح المجتمع بدلاً من تقوقعه على المؤسسات والشركات العملاقة لعدم منافستها من المؤسسات المتوسطة والصغيرة لقلتها أو انعدامها في بعض المجالات إلى تأمين الفرص الوظيفية كما أسلفت.. ولكن جرت العادة أن نتأمل مثل تلك الحملات ونتداول أخبارها حتى"تطير الطير بأرزاقها" ثم نبدأ النواح والتشكي الذي لا يكاد ينتهي سواء بمبرر أو غير مبرر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.. وإلا فالعقل والمنطق يقولان إن تلك الأعداد المهولة من العمالة المُرحلة لا شك أنها ستترك حيزاً كبيرا إما أن نشغله بشكل مفيد للجميع وقانوني وإلا شُغل بغير ذلك..