لا مفارقة، كتلك التي صنعتها تجربة برنامج اقرأ (iRead) في أرامكو الظهران. جمهورٌ كبيرٌ يحتشد في طوابير طويلة، لقطع تذاكر، ليس لحضور مباراة ديربي ولا للتواجد في مسرح الأعياد التجاري، بل لمشاهدة ختام مسابقة طلابية، حول "الكتاب" يكون نجومها شبان وفتيات، يعرضون أمام الحشد المتجمهر ولجنة التحكيم، خلاصة ما قرأوا، ضمن عرض يخرج بالكتاب من الاطار الورقي ليندمج مع الفنون في عناق مبدعٍ وخلاق، أجاد المنظمون والفنانون المرافقون للطلبة صنعه، خلال أمسيتي المسابقة التي أعلنت نتائجها عشية ال"21" نوفمبر الجاري. حكاية مسابقة (قارئ العام) بدأت قبل ستة أشهر، عندما أعلن برنامج اقرأ، وهو (أحد برامج مبادرة أرامكو السعودية لإثراء الشباب التي يقدمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، بالظهران) عزمهُ فتح باب التسجيل لمسابقة تخص الطلبة، من مختلف المراحل المتوسطة والثانوية وحتى الجامعية، بأن يرسل كل راغب بالاشتراك ملخصاً للكتاب الذي ينوي عرضه والدخول به، في مسابقة (قارئ العام). المفاجأة كانت عندما تلقى برنامج المسابقة، ما يزيد على ال"2500" مشاركة، اختير منها "90" ثم صفيت إلى "36" ليترشح منها "18" متسابقاً ومتسابقة، دخلوا في دروة تدريبية خاصة، بحيث يكون لكل شخص، ملهمٌ يساعده في اختيار المحتوى النظري، إلى جانب توفر فنان مع كل طالب أو طالبة، لتقديم عرض فني موازٍ، كما رأينا في عرض كتاب (فهرنهايت 451) الذي تحول فيه المتسابق القارئ (سالم عبدالجواد)، إلى ممثل، ضمن عرض أخرجه ياسر الحسن، يصور فكرة تعبيرية مؤثرة، من كتاب (فهرنهيت 451) وهي حرق الكتب. وهكذا مع الفنانين حسام حسني (الجرافيكس) ومحمد الحواس (انميشن)، حيث تنوعت العروض الفنية المرافقة لعرض المتسابق لكتابه، بين الرسم بالرمل (أثير الخشرم) والخط العربي (عبدالرحمن الفايز) والرسم الكرتوني (رجاء القضيب) والموسيقى (محمد السنان) إلى جوار الفنون الأدبية كالقصة (هدى المعجل) والشعر المسرحي (هيلدا اسماعيل). داخل المسابقة انطلاقة المسابقة، كانت مع المرحلة المتوسطة والثانوية، عندما أبهر الطلاب والطلبة، أسرهم المتواجدين قبل الجمهور، لقوة الاجابات العفوية والذكية التي أجابوا عنها لجنة التحكيم، كما عند طالب الثانوية محمد الجغيمان، الذي أظهر اطلاعاً واسعاً بلاشك فاق عمره البايلوجي بسنوات. كذلك كانت طالبة المتوسط، حوراء القيصوم، التي اختارت موضوع العنصرية، مستلهمةً، من حياة وتجربة نضال نيلسون مانديلا، مادة معرفية، توجهها للحضور الذي صفق لها بحرارة عالية، وهو يرى فتاة صغيرة، تمتلك كاريزما خاصة وهي تتحدث عن مانديلا، مجيبة، على سؤال أحد أعضاء لجنة التحكيم حول الفرق بين الرجل الأبيض والأسود، معلقةً بنبرة صوتٍ خافتةٍ وحانية: "البشرة". كذلك كانت المشاركة النوعية والفكرية من الطالب الجامعي عبدالكريم الخليفي مع كتاب المفكر الفرنسي من أصل جزائري محمد أراكون (نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية) الذي شهد تفاعل الجمهور، بل، وأدت براعة عرض الخليفي، إلى نفاذ نسخ الكتاب من المكتبات الكبرى في المنطقة الشرقية، وفق ما أشار أحد ملهمي البرنامج على صفحته في "تويتر". إلا أن المشهد الذي لا يمكن له أن ينسى، في الليلة الختامية، عندما فاجأت أم المتسابقة حصة الحسن، الحاضرين، وهي تصعد المسرح، لتضع طوق الورد على ابنتها التي فازت بالمركز الثاني عن المرحلة الثانوية، و"تضمها في عناقٍ" أشعل المسرح صفيقاً، وقف له الحضور تقديراً وإجلالا. فإعلان النتائج، الذي جاء بطريقة عصرية، ومشوقة، عندما استدعي إلى المسرح، الإعلامي أحمد الشقيري، إلى جوار مقدمي الحفل، الإعلاميين ياسر بكر ومحمد بازيد، لتكون النتائج كما أذيعت: "فهد المشرف في المركز الأول عن المرحلة الجامعية وعن المرحلة الثانوية فاز محمد الجغيمان أما عن المرحلة المتوسطة ففازت الطالبة نورة الجعفر عن الكتاب الذي قدمته (طفل اسمه نكره). وعن (نجاح التجربة) كانت المشرفة العامة على المسابقة سارة الجندان، سعيدة لنجاح التجربة، كبقية صناع الحدث الثقافي الأكبر (قارئ العام)، مشيرةً إلى "أن كل تعب الأشهر، ذهب بمجرد النظر لما أنجز، ولما أسس ضمن استراتجية، تأسيس مجتمعٍ معرفي يكون الكتاب المحرك الأول لكل تطور ونهوضٍ اجتماعي فيه". وعما إذا كانت هذه المسابقة، مستنسخة من مسابقات غربية في عالم القراءة، تؤكد الجندان، مجيبةً: "مسابقات القراءة كثيرة، ولكن لم يسبق أن طبق بهذه الطريقة في العالم، بأن تدمج عروض القراءة بالفنون". أما (نجوم الحفل) فهم إحدى أهم نقاط التحفيز لحضور الأمسيات، كانت استضافة نجوم الفكر والثقافة من العالم والخليج العربي، عندما أعلن منظمو برنامج "اقرأ"، استضافة ثلاثة من نجوم الفكر والأدب هم: صاحب كتاب (تاريخ القراءة) البرتو مانغويل والروائي الجزائري واسيني الأعرج (اعتذر عن الحضور) والروائي الكويتي سعود السنعوسي الفائز بجائزة البوكر العربية لهذا العام، بجوار تواجد مجمعة كبيرة من كتاب ومثقفين وإعلاميي المملكة، والذين خلقوا مناخاً احتضنته بكل أناقة "ارامكو السعودية". أما (لجنة التحكيم) فكانت فقط، الثغرة الوحيدة في المسابقة، حيث لم يكن بعض أعضائها، بذلك المستوى اللائق بهكذا مسابقاتٍ تحتاج إلى تأسيسٍ جاد لتقاليد ثقافية ومعرفية، تبتعد عن الشعبي والدارج، ليس للغة لجنة التحكيم التي غلب عليها المحكي، بل عندما تنحدر بعض أسئلة لجنة التحكيم إلى التبسيط "الشعبوي" المتكلف، في اعتقاد مفترض أن الطلبة صغار ويحتاج المحكمون النزول إلى أعمارهم، وهو ما نقضه الطلبة أنفسهم وهم يتحدثون بوعي ومنطق، تفوق على كل ما "قد يكون متوقعاً". وعن (قراء العام القادم) وبعد نجاح التجربة الأولى، ستكون المسابقة في العام القادم، مفتوحة للمتسابقين من كل مدن وقرى المملكة، وهو ما سيكون، تحدياً أكبر، للمنظمين في التعامل مع الطلبة في مدن متفرقة، غير أن التأسيس الموفق لتجربة مسابقة قارئ العام (الموسم الأول)، تدعو للتفاؤل، دامت بين هذه العقول السعودية الصانعة للجمال والمؤمنة بحب المعرفة. 1- 2-