يقف الكثير حائراً أمام التدفق الكبير للبرامج والمواقع الالكترونية، سواء في زيادة المعلومات أو تبادل المعرفة، خاصةً مع دخول الأطفال هذه العالم، حيث يعدها البعض أشد خطراً على النشء، وإن كانت بحد ذاتها وسائل لتسهيل وصول المعلومة بأقصى سرعة، حيث أوجدت جيلاً أكثر إبداعاً بما أتاحته من إمكانات، مما ساهم في إنجاز العديد من الأعمال الإبداعية. ويُخطئ كثير من الأُسر في ترك أبنائهم أمام أجهزة الاتصالات الجديدة، وكذلك تصفح "الانترنت" أو مواقع التواصل الاجتماعي، دون مراقبة أو مُتابعة، وهو ما يؤثر على عقلياتهم وتفكيرهم، وربما قادهم ذلك إلى الاطلاع على برامج سلبية تؤسس على ممارسات خاطئة، وهنا لابد أن يعي الوالدان دورهم جيداً، عبر الجلوس بجوار الأبناء، ومتابعتهم، بل واللعب معهم، حتى يمكن توجيههم جيداً نحو أي برنامج أو لعبة إيجابية، وهو ما يقود في النهاية إلى إفادة الصغار، وكذلك ضمان عدم تأثرهم بأي معلومة من شأنها أن تؤثر عليه سلبياً في المُستقبل. ولكي نؤسس جيلا يُفيد ويستفيد، يجب أن يكون دور المدارس كبيراً في ذلك، عبر تأسيس مواقع على "الانترنت" تضم برامج علمية وتواصل اجتماعي، تجذب الطلاب والطالبات إليها لتفريغ مواهبهم واكتشافها، على أن يتم إدخالها ضمن الأنشطة اللاصفية، مما يُنشئ جيلا علميا ومعرفيا يُفيد وطنه في نهاية الأمر. مخاطر وسلبيات ومن واقع تجارب سابقة في مجال استخدام التقنية المتطورة وانعكاسها على فكر وسلوك الفرد والمجتمع، قالت "د. عهود الشايجي" -عضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود-: إن التقنية الحديثة المتمثلة ببرامج الاتصالات الحديثة، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي والترفيهي، تبدو لدى البعض أنها تنضوي على إيجابيات، إلاّ أن المخاطر والسلبيات تفوق كثيراً ما قد نتوقعه، مضيفةً أنه يجب عدم السماح للأطفال باستخدام مثل هذه التقنيات ذات الفضاءات المفتوحة والمنضوية على مخاطر سلوكية واجتماعية ونفسية وغيرها، مما يُهدد النشء في بداية مراحل نموه، بدءاً من الألعاب الالكترونية في مجموعات على الهواء، وحتى تلك المتعلقة ببرامج التواصل الاجتماعي على مختلف الأجهزة الالكترونية، مبينةً أنه بالإمكان إعطاء الطفل كل ما يرغبه وما نرغبه من برامج إبداعية داعمة، مشيرةً إلى أنه الأكثر تأثراً هو النمو الحركي، كون الطفل يجلس ساعات طويلة خلال اللعب ويمتنع عن الحركة، مما يُعرضه إلى أمراض تصلب العظام، ناهيك عن أن زيادة التركيز أثناء ممارسة التواصل أو اللعب يزيد من حدة مشكلة التصلب، كما يصبح الطفل أكثر انعزالاً عن أسرته لطول فترات جلوسه واستخدامه لهذه البرامج والألعاب. دور المدرسة كبير في إثراء الأطفال علمياً «أرشيف الرياض» غير مُراقب وأوضحت "د. عهود الشايجي" أنه أثناء اللعب يكون الأهل غير متابعين، مما يجعل التواصل لدى الطفل مفتوحاً، فلا مراقبة على نوعية الألعاب والبرامج التي يستخدمها طوال الوقت، مضيفةً أنه تتطلب المتابعة التحقق من أهداف ونتائج البرامج المستخدمة، مبينةً أنه مما يتأثر في الأطفال فقدان الأهداف والقيم السامية في حالة تحقيق نتائج الفوز أو الانتصار، حيث أنه في اللعب يصبح الهدف تجميع النقاط وتحقيق المكاسب المادية التي لا تخلو من تمكينه من السيطرة والقوة باستخدام أسلحة أو معدات عنيفة يستخدمها طوال اللعب، ذاكرةً أنه في حال مشاركته من هم أكبر منه في برامج التواصل ك"تويتر" و"فيس بوك" وغيرها من البرامج الكفية تكمن الخطورة في كون الأطفال يرغبون تجريب أدوار مختلفة إلى أن يستقروا، ومن ثم يتوقفون عند دور معين، في حين قد لا يعرف طبيعة العلاقات مع الكبار والقيم والمبادئ التي تحكمها، ومن ثم عدم القدرة على التعامل والخطورة، ثم الوقوع تحت ضغوط معينة، وربما تم استغلال الصغير في حال عدم التدقيق فيمن يتواصل معهم، خاصةً وأن الكثير يفتقد الوعي والهدف في تعامله مع هذه البرامج، إلاّ كونه يمتلك وقت فراغ كبيرا لا يدري كيف يضيعه؟ مكنونات داخلية وأكدت "د. عهود الشايجي" على أن كثيرا من الأطفال المنغمسين في هذا النوع من البرامج إنما يحاولون باستخدامهم لهذه التقنية التعبير عن مكنونات داخلية لم يتمكنوا من إيصالها للأسرة، وبالتالي تصبح هذه البرامج أداة تفريغ عن مشاعر وأفكارا غير واضحة وغير مفهومة من قبل الأهل، مضيفةً أن الأم والأب لو أمكنهم فهم أبنائهم لاستطاعوا احتواء أبنائهم عن الانغماس فيها، ولفضلوا اللعب معهم، بل وإيصال كل الرسائل التربوية التي يرغبون في إيصالها لهم، مبينةً أن اللعب يُعد وسيلة مهمة للتأثير في شخصية الطفل، فكل ما نرغب أن نوصله له يتم عادة من خلال اللعب معه، بل إن السعادة الحقيقة في حياة الطفل يتلقاها من خلال الحركة واللعب والانغماس مع الأسرة في علاقة جيدة مع الوالدين، مشيرةً إلى أن فقدانه ذلك يشعره عند الكبر أن طفولته مسروقة منه وبأنه غير سعيد. لا بد من تنشئة الطفل مُبكراً على التعامل الصحيح مع التقنية صعوبة كبيرة وتحدث "فاطمة علوان" -مديرة إحدى الروضات- قائلةً: إن وسائل التقنية والاتصالات الحديثة بوعي أو بدون وعي منا أصبحت للأسف في متناول أبنائنا في سن مبكرة جدا، وكأن ذلك من احتياجاتهم الضرورية، بينما كانت في السابق مقتصرة على استخدام بعض الألعاب البسيطة، مضيفةً أنها أصبحت الآن تشكل خطورة كبيرة جدا على سلوكياتهم وشخصياتهم؛ لما تتيحه من عوالم مفتوحة لاستخدام برامج "الانترنت" والتواصل الاجتماعي، تتجاوز مراحل عمرهم السنية بكثير، وأصبحت قدرة الأهل على منع استخدام أبنائهم لهذه الوسائل عديمة الجدوى، إذ لا يوجد طفل لا يملك أحدها ويستخدمها، بل لا فرق في ذلك بينه وبين الكبار، حيث بات العديد منهم يقلدون الكبار في استخدامهم وتعاطيهم مع نفس البرامج، مبينةً أنه يجد الأهالي أنفسهم أمام مشكلة في التعاطي مع أبنائهم وكيفية التأثير عليهم للحد من تأثير هذه التقنيات ومخاطرها عليهم، لافتةً إلى أنه يكتشف الوالدان أنهما متخلفان عن أبنائهم في القدرة على استخدام هذه التقنيات من جهة والنتائج المتقدمة التي يحققوها في هذا المجال. بعض مواقع التواصل الاجتماعي لا تتناسب مع أعمار الأطفال دور الوالدين وأوضحت "فاطمة علوان" أن مشاركة الأبناء في مثل هذه البرامج والتواصل معهم هو ما يحقق هدف المتابعة والتقارب، وذلك بالرغم أنها تصبح مكشوفة في بعض الأحيان في حالة وقوع تجاوزات، حيث يصبح التوجيه والتحذير مقبولاً على مضض، مضيفةً أنه يأتي دور الوالدين بالدرجة الأولى من منطلق وعي وثقافة تمكنهم من وضع قوانين للسير عليها، وعدم ترك الصغار دون توجيه، وقد يتطلب الأمر الاستعانة ببقية أفراد الأسرة في هذا الصدد، ذاكرةً إفادة الأبناء من استخدام التقنية وبرامج التواصل في دعم مواهبهم وإبداعاتهم في مجال الرسم والتصوير وإنتاج "الفيديو"، حيث سجلت بعض الفتيات الصغيرات إبداعاتهن، مؤكدةً على أنه بفضل ما تتيحه هذه البرامج من متابعة ومشاهدات للمنجزات والأعمال ساهم في نشرها من جهة وأصبحت حافزاً وداعماً لمواهبهم، مطالبةً الجهات المعنية عمل مواقع للمدارس على الانترنت تضم برامج علمية وتواصلا اجتماعيا تجعل الطلاب والطالبات يتجهن إليها لتفريغ مواهبهم واكتشافها، على أن يتم إدخالها ضمن الأنشطة اللاصفية. مراقبة الأبناء تضمن عدم تأثرهم بالأفكار السلبية تنمية موهبة وقالت السيدة "صفا سعد": إنها استطاعت أن تنمي لدى ابنتها الإفادة من إمكانات مواقع التواصل الاجتماعي بما يدعم مهارات الابداع من جهة وتطويعها للمعرفة والإثراء العلمي من جهة أخرى، مضيفةً أنه وبتوجيه منها استطاعت ابنتها أن تعد وزميلة لها مادة بحثية عبارة عن "فيديو" على برنامج "اليوتيوب" طلبت إعداده معلمتها حول سيرة الشيخ "محمد بن عبد الوهاب" على رابط يستطيع الزائر الوصول إليه، ويعطي صورة مبسطة عن سيرته، مؤكدةً على أن ابنتها أصبح لديها إمكانية في أداء العمل والإفادة منه في كل مرة ترغب في إعداد مادة علمية مرئية منوعة من البحث العلمي والمعرفي.