أكاد أجزم بأن جملة داود الشريان؛ بلهجته العامية البسيطة، وتلقائيته المباشرة السريعة، الموجَّهة للمسجون الإرهابي وليد السناني "يبغى لك من يقرا عليك علّ الله يطامنك باسمُه" تجاوزت حدود التندر لتشكل انطباعاً عاماً لكثير ممن تابع هذا اللقاء المثير في برنامج الثامنة، ولعل مقولة "بين الجنون والعقل شعرة" تشخص بارزة متسائلة للمبقي على شعرة العقل؛ ما هذا البغي؟! الخلط والتخليط في خطاب هذا النموذج الإرهابي الأصيل صاغ معاني معكوسة للفتنة والحق والهدى والضلال، لتهدي الزميل داود الشريان بعضاً منها في نهاية اللقاء : «يظهر أن الهدى في وادي وأنت بوادي» لكن وإن لم يخرج المشاهدون إلا بالتعرف عن قرب على الفكر الإرهابي فقد وجب الشكر للبرنامج والقائمين عليه.. وكيف يتحمل جوف مخلوق كمية هذا الكره والتأزم في داخله؟! وما هي اللوثة الجارفة التي استبدت بعقله ليأتي استعداده النفسي متخماً بحجم هذا العداء والكراهية والعنف والإجرام؟! في حالة كهذه؛ تستنفر مشاعر متنافرة متضاربة؛ تجمع الخوف بالأسى، وتدمج الدهشة بالانبهار، لكنها تصل بالعقلاء ليقين تام بأن الشخص الذي رأوه واستمعوا لجنون استبداده من المؤكد بأنه شخص غير طبيعي.. إنه أقرب في جنوحه العنيف إلى سلوك ابن الغابة بل هو أوحش من وحوشها، فهو يرفع درجة إرهابه لتقبل قتل الأبرياء والنساء والأطفال بكل أريحية، ويعلن تأييده المطلق للعمليات الإرهابية داخلياً وخارجياً؛ كتفجير مجمع المحيا، وغرناطة ومبنى إدارة المرور، وتفجيرات 11 سبتمبر، ويفخر بانتمائه لفكر القاعدة التكفيري الخوارجي، ويبارك جميع عملياته وعمليات بقية الجماعات الإرهابية وهو يعيش يقين أدلجة الإيمان السادي الوحشي! وكتكفيري حركي يتشظى في ولاءاته لجماعات التعدي والعنف ما دامت تمارس القتل والإرهاب، كانتمائه لمدرسة التكفير والهجرة، فالدولة كافرة والقوانين كفرية طاغوتية وجنود الدولة كفار ومنافقون، ولما يعتمل في نفسه من سوءات البغضاء احتدم هجومه بلسان سليط يكثر اللعن والشتائم" خونة زنادقة ملاعين طواغيت مرتدون منافقون" كأوصاف عامة للدولة والجنود والأفراد والمفتين، وهكذا هم المتنطعون؛ دوائرهم تتسع غلواً وتنطعاً، كاتساع الخرق على الراقع. وهو إذ يطالب أبناءه بالهجرة للمناطق التي تتواجد فيها الجماعات الإرهابية في أفغانستان وباكستان والعراق، لكنه وعندما سأله الأستاذ داود: وبناتك؟ جفل وبسرعة صارخة بالرد "لا البنات ما لهن إلا بيتهن" ؟! فلماذا أحس أن البيت الآمن هنا؟! لماذا لا يكون هجرة البنات إلى ديار المجاهدين هي الأمن لهن؟! عنصريات يفضي بعضها لبعض، فتورث زخرف القول والفكر كذباً وغروراً! من خلال همجية وارتباك شخصية التكفيري السناني يظهر أنه يرسل فقط ولا يستقبل إلا على سبيل الاستهزاء بمن يخالفه الرأي وبلغة مغلقة لايرتد لها غير رجع صداها، كما يعيش تناقضاً صارماً في ولاءاته وسلوكياته وكأنه التوازن التام: * فهو يتابع قناة الجزيرة ويعرض عن قناة القرآن لأن فيها ذوات أرواح!، فهل الجزيرة تعرض رسوما متحركة مثلاً؟! * يستخدم الكمبيوتر والنت ويمنع التلفزيون على أهل بيته؟! * يشعر بضيق الوقت رغم فراغه مسجوناً لوحده مع ثمانية كتب لمدة 18 سنة، ومنفرداً برغبته رغم وجود ابنه في نفس السجن!! * درس وانتسب للجامعة وتركها بإرادته، لكنه بسلطته الأبوية المستبدة جهّل أبناءه وحرمهم حق التعليم. يمثل مقياس الزمن لديه صفرا من مئة، فهو خارج عن التاريخ والوعي به جملة وتفصيلاً، بل التاريخ في تصوره شعور جامد ليس للزمان معه تدخل أو تماس، كما هو جامد أيضاً على الحال، فالماضي والراهن والمآل ألفاظ منبتّة عن مدلولاتها كما يوحي بها فكره ومنهجه الساكن في جموده الإرهابي المعطل للحياة والقافز على الإنسان، والمعتدي على ميزان الحق والعدل، والمعطل لسنة التنوع الإلهية، والذي يهدف في غائيته النهائية لفناء الإنسان. خروجه عن الوعي بالزمان وجموده على نقطة في الماضي الملتبس في القراءة والوعي العام جعله يرفض الواقع ومتطلباته الراهنة؛ يحرم دفتر العائلة والبطاقات الشخصية، ويجرم مفهوم الجنسية والوطنية، ويتحامل على مفهوم الإنسانية النبيل وينكر مفهوم العلاقات الدولية، فيجد أن السعودية في دعوتها لإلغاء كافة العداوات بين الدول والشعوب وبناء العلاقات على مبادئ الصداقة والإخاء والاحترام المتبادل قد خرجت عن الدين والحق، ذلك أنه لازال كرفاقه المأسورين بالحلم الاستبدادي الشمولي الموهوم بدولة الاستعمار الإسلامية ! تبين أنه لا يحب أو ينتقص بيئة والده الدينية، ويصفها بأنها بيئة عامية، ويمتدح بالمقابل بيئة أخيه "أحمد" ويصفها بأنها علمية دينية "فيها ولاء وبراء وحب وبغض، وتصنيف لأهل الكفر من الإيمان من النفاق، وبين بساطة التدين وتنطع المتشدد يستدرك داود على هذا المتطرف مستنكراً "الناس على كثرة الوعاظ ليسوا أفضل من أول، كلنا نصلي ونصوم، العامة فيهم خير"، فيرد: بأن الله أخبرنا أن أكثر الناس في كل زمان ليسوا على الحق(وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)، مستدلا على تطرفه بآيات مقطوعة من سياقها ليسوغ للتشدد الذي يزحف على الدليل ليبرر سلوك العنف، وبإصرار يمدد البغي والعدوان على الديانات الأخرى يتغافل عن آية السلم الدولية الجلية التي تمنع التعدي الآثم بلا حق، وتحفظ حق احترام العلاقات الإنسانية العامة (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ...) فالمجال في الآية يغلق أي تعد على غير المعتدي. وبهمجية متعدية لإهلاك الأنفس يحكم على قتل الإرهابيين للأبرياء في معارك التعدي بالإثم والعدوان ب "أنها قتل بالحق" فالدموية المتأصلة في فكره ووعيه لا يعنيها حرمة إزهاق نفس واحدة عند الله، وكأن قوله تعالى (.. من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) آية معطلة الحكم !! الخلط والتخليط في خطاب هذا النموذج الإرهابي الأصيل صاغ معاني معكوسة للفتنة والحق والهدى والضلال، لتهدي الزميل داود الشريان بعضاً منها في نهاية اللقاء : "يظهر أن الهدى في وادي وأنت بوادي" لكن وإن لم يخرج المشاهدون إلا بالتعرف عن قرب على الفكر الإرهابي فقد وجب الشكر للبرنامج والقائمين عليه.. أما الفائدة الأخرى فهي انكشاف الغمة عن حملة "فكوا العاني" التي رسم أصحابها لهذا الإرهابي صورة مغايرة تدعي أنه علامة وعاقل ومظلوم، وبأنه يجوّع في سجنه ويضرب ويحرم وغيرها من ادعاءات كذبها بنفسه، بل وأضاف أن إدارة السجن وبعد خمس سنوات في السجن عرضت عليه الخروج من السجن لقاء توقيعه بالالتزام بالسلم الاجتماعي والابتعاد عن الفوضى إلا أنه رفض العرض واستمر في رفضه. إن كانت الأخيلة الواهمة منطلقة في بث الأوهام، فكما يعيش الإخوان وهم الأستاذية، فهذا المتطرف وأشكاله يعيشون وهم التأله، فالشعور بالتفوق العقائدي لدى فئة الجماعة المكفرة تجعل منهم آلهة يحكمون، وليس أية آلهة بل آلهة غضب، تسوم عذابها وتوجه سهام سخطها على كل مختلف لاينتمي لدائرتها الحزبية المكفرة.. وبين التنظير الفقهي والوعي بالإنسان مراحل طال إدراجها ضمن المسكوت عنه ودخل بعضها قائمة المقدس" فلم تناقش ولم توضع على طاولة التشريح الفكري، فكان أن ولدت أرباب التشدد؛ كهذا المتطرف الذي يرى نفسه وتطرفه مركزا للكون، لا ليعيش البقية وإن على الأطراف، بل ليقضي عليهم تماماً باسم الجهاد، وبحالة استعصاء عيي يهدم الإنسان والحياة، وسنة التنوع الإلهية التي ارتضاها الخالق للوجود ليجري بها سنن الاختلاف والتنوع والتطور. ولئن كان مظهر التدين يسوق الناس غالبا للجحيم، فالنضج التوعوي يحتاج لمراجعة شاملة تضع في اعتبارها صورة هذا المتمرد على الكون والوجود والإنسان في الحسبان، ليتضح الحق ويعرف الأعداء وتبدأ رحلة وعي ثقافي جديد يناهض الإرهاب ويرسم معالم أخرى للحياة؛ معالم تهتدي بأنسنة الوجود، والإيمان بحرية الضمير والاعتقاد، ويفصل القول في خصوصية زمن الرسول الكريم، وتغير الزمان والمكان والحال، وبفقه يقدر الوعي بالقراءة التاريخية وتمرحل الزمان. ختاماً واختصاراً لتصوير حالة الوعي العام الذي يرسم أهم ملامحه مناهجنا الدينية الجديدة الموزعة عام 1432ه، وبعد بث حلقة الثامنة مع التكفيري الإرهابي وليد السناني، غرد المشرف الأول في لجنة المناهج الدينية المجددة يوسف الأحمد بتغريدات معبرة وبوسم # لقاء –وليد- السناني - مع الثامنة، قائلاً: *"مدرسة في الثبات وصدق اللسان وطهارة القلب والتعلق بالله، اللهم احفظه بحفظك" *"مقاطعة ورفع الصوت عليه واستفزازه ومحاولات التشتيت والتنقص لم تزد الشيخ وليد إلا حلماً وليناً وأدباً وابتسامة" *"كان معروفاً بين طلاب العلم فقط ثم تحول الآن إلى أسطورة تاريخية، فانظر كيف سخرهم الله لنصرته وهم لايشعرون" يختصر حالنا قبل وبعد تجديد المناهج قول الشاعر: كالثوب إن أنهج فيه البلى أعيا على ذي الحيلة الصانع كنا نداريها وقد مُزِّقت واتسع الخرق على الراقع أما قيمة التجديد فتعبر عنه مقولة عظيمة لجلال عامر (المشكلة أن الموكل إليهم حل المشكلة هم أنفسهم المشكلة). وتضم المآل أجمعه حكمة مصرية لطيفة تقول "جيت أغير البخْت لبّخت"