أن يموت لأحد منا قريب أو عزيز فهذا أمر طبيعي عندنا وعند كل بني البشر ففور سماع أي منا مثل هذا الخبر تتولد في أعماقه آلام شديدة وأحزان ذات وقع ثقيل عليه وهذه الآلام والأحزان تزداد طرداً مع مكانة ومدى أهمية ذلك المتوفى الذي يوارى جسده الثرى بمجرد تجهيزه فتبقى ذكراه ملازمة لنا حبيسة أعماقنا ما دامت أعماله ومنجزاته باقية.. فكيف بمن هو بوزن ومكانة الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعة.. وهو الذي قدم لدينه وأمته ووطنه أعظم المنجزات والتي نجدها أمام أعيننا شاخصة صباحاً ومساءً.. لا أقول أنها منجزات لا تحصى وإنما أقول منجزات يصعب تعدادها وحصرها. إن حزننا على فقد قائد مسيرة تطور ونماء هذا البلد لحزن كبير وثقيل يصعب على الجميع تأطيره وتحديده بحدود معقولة.. فمثل ذاك الفهد من الصعب ان ينسى؟ وكيف لمن مثله ان يمحى من الذاكرة؟ فمن ترك وراءه بصمات جلية تدل على أعماله ومنجزاته فإنه لا ينسى بل ان القاصي والداني يتحسس وجوده ويستأنس بمنجزاته.. لا نستطيع نسيان الفهد ونحن نشاهد بصماته في صروح شامخة للعلم باسقة وقد بذرها بيده الكريمة منذ أكثر من نصف قرن ورعاها بجد وحماس حتى استطاع أبناء هذا الوطن بتوفيق الله ثم بدعمه للعلم ان يتبوأ أعلى المراتب العلمية.. ألم يكن رحمه الله أول مسؤول عن التعليم عندما تسلم وزارة التربية والتعليم في عهد والده الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله.. وكيف ننساه وهو الذي حافظ على أمن هذا الوطن عندما تولى مسؤولية وزارة الداخلية بعهد الفيصل رحمه الله.. فعمل وأحس العمل عندما أرسى دعائم الأمن والاستقرار واستطاع ان يبعد هذه البلاد عن كثير من المزالق والفتن.. كيف ننسى فترة الرخاء والسؤدد التي لازمت فترة ولايته لعهد المغفور له الملك خالد بن عبدالعزيز حيث أدار دفة الدولة آنذاك بكل اقتدار وحكمة حتى غدت المملكة العربية السعودية بذلك العهد الزاهر واحة أمن وأمان لمواطنيها وللقادمين للارتزاق بها أولئك الذين ساهموا في بناء هذا الوطن الشامخ العزيز عندما شاركوا المواطن في صنع نهضتنا المعاصرة الممتدة حتى اليوم بفضل الله ثم بفضل قيادتنا الرشيدة.. كيف ننسى الفهد وهو الذي أنشأ للصناعة عندنا صروحاً وقلاعاً تظاهي في مستواها ورفعتها أرقى قلاع الصناعة بالعالم حتى غدت الصناعة الوطنية عندنا رافداً من روافد الدخل الوطني ولا أكثر دلالة على ذلك من المكانة العالمية التي وصلتها اليوم الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك».. تلك الشركة التي وضع حجر أساسها ورعاها بنفسه وهي تمثل جزءا من نهضة المنظومة الصناعية الشاملة عندنا.. كيف ننسى الفهد وهو الذي في عهده تم عمارة الحرمين الشريفين بمستوى هندسي متطور لم يشهد التاريخ لها مثيلاً تحقيقاً لراحة ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين كل عام حتى انه أشرف على هذه العمارة والتوسعة بنفسه رحمه الله تعالى تأكيداً لحرصه الشديد على ذلك الأمر.. كيف ننسى الفهد وكيف للمسلمين بالعالم ان ينسوه ونحن وإياهم نرتل ونقرأ القرآن الكريم كل يوم من مصحف المدينةالمنورة الذي تم طبعه بأمره الكريم بمجمع خادم الحرمين الشريفين لطباعة المصحف الشريف بالمدينةالمنورة والذي بلغ مجموع ما وزع منه حتى الآن أكثر من مئتين وعشرة ملايين نسخة على عموم المسلمين بالعالم.. كيف ننسى الفهد ونحن نسير الآن على شبكة من الطرق المتطورة والممتدة لآلاف الكيلو مترات صممت ونفذت في عهده البهيج وبحرص منه رحمه الله لتربط مدن وقرى بلادنا المترامية الأطراف وقد نفذت وفق أعلى المستويات والمقاييس الهندسية العالمية. كيف ننسى الفهد وبلادنا اليوم أصبحت ملاذاً طبياً يلجأ إليه من أراد التطبب والعلاج حيث تبوأت مملكتنا الحبيبة بتوفيق من الله تعالى ثم بفضل الفهد الذي هيأ كل الظروف وذلل كل العقبات بالبذل غير المحدود والجهد المتواصل في دعم القطاع الصحي بالمملكة طيلة فترة عهده المشرق.. كيف ننسى الفهد ونحن نرى الكهرباء وقد اضاءت بتوجيهه ودعمه اللا محدود رحمه الله تعالى كل قرية وهجرة ومركز نائي بصحاري وسواحل وسفوح وعلى جبال مملكتنا المظفرة.. كيف ننسى الفهد وهذه صروح المدينة والعمارة الحديثة شاهدة على عصره الميمون.. كيف ننسى الفهد وكل العرب قادة وشعوب يجمعون على محبته ويثنون على مواقفه في دعم كافة القضايا العربية اقليمياً وعالمياً وعلى الأخص القضية الفلسطينية التي نالت من يديه الكريمتين دعماً سخياً عجز عن مجاراته بها الكثير وما دوره في اتمام اتفاق الطائف الذي أنقذ وجود لبنان بغائب عن بال الجميع.. كيف ننسى الفهد ذلك الفذ الذي قاد سفينتنا بحكمة ونظرة ثاقبة استطاع ان يجنبها اعتى المحن وأصعبها فحافظ بذلك على مكتسباتنا الوطنية.. كيف ننسى الفهد وتلك القمم العربية شاهدة على تألقه بها واسهاماته الموفقة بحواراتها واجتماعاتها التي شارك بها بكل حنكة وسعة أفق وبسياسة استطاع بها لم الشتات العربي على كلمة سواء.. كيف ننسى الفهد وهذه العواصمالغربية وقياداتها يجمعون على ان العالم بفقده وأخيك الذي بايعه الجميع على السمع والطاعة في المنشط والمكره.. وقد شد الجميع على يديه الكريمتين وهم يعزونه فيك فنعم الزعيم ونعم الملك من خلفك من بعدك يا فهد وهو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ذاك الملك العادل المتسامح المنتزع لحق الضعيف من يد القوي حفظه الله وسدد على درب الخير والسعد خطاه وحقق على يديه الكريمتين ما تصبو له هذه البلاد من رفعة ومنعة.. فهو بحق خير خلف لخير سلف كما أكدوا البيعة لولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز.. ان عزاءنا بفقدك يا فهد قد تحقق لحظة نظرتنا لتلك الجموع المتدافعة والمتدفقة تدفق السيل المنهمر على مقار التعزية التي أقيمت بكافة أنحاء المملكة وبالخارج وهي لا تدري هل تعزي فيك أم تقبل العزاء بك؟ لقد كانت لحظة قلما يتم رصدها.. فيها تلاحمت وانصهرت فاختلطت مشاعر اخوانك وأبنائك وأفراد أسرتك المالكة الكريمة بفقدك مع مشاعر المواطنين على فراقك فمن كل شعبك ومن كل محبيك في بقاع العالم يا فهد فاضت دموع الحرقة على فقدك من كل هؤلاء جميعاً ومعها فاضت قلوبهم حزناً على فراقك فتدفقت منهم مشاعر العزاء جياشة لخادم الحرمين الشريفين أخيك الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولاخوانك الأمراء ونخص بالذكر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض الذي رأى الجميع في عينيه معاني الحزن العميق والأسى الظاهر على قسمات وجهه بفراقك يا فهد كيف لا يحزن وهو الذي ظل مرافقاً لك طيلة مكوثك على سريرك الأبيض.. وكما وصل فيض مشاعر العزاء تلك لأبنائك الأشاوس محمد وسعود وخالد وعبدالعزيز وأحفادك الكرام فلهم منا خالص العزاء والمواساة.. ان كل قلوب وألسنة أفراد شعبك ومحبيك يا فهد تلهث وتبتهل لله تعالى ليل نهار داعية المولى العلي القدير ان ينزلك ووالديك ومن سبقك لوجهه الكريم من اخوانك ملوك هذه البلاد الطاهرة منازل الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً وان يديم علينا نعمة الأمن والأمان تحت راية التوحيد عالية خفاقة وان يحفظ قادتنا وأمراءنا عزاً لهذا الوطن إنه سميع مجيب.