زميلي فلان كان يستخدم الأيدي والأرجل والكلمات البذيئة، واليوم تطور أسلوب تعامله الشرس مع زملاء فصله بحمله مفك سيارة "سلاحاً أبيض"، بل هددني به شخصياً.. هكذا قال لي ابني طالب المرحلة الابتدائية بعد عودته من المدرسة. الأمر الذي جعلني أتجه للمدرسة شاكياً في يومنا التعليمي التالي هذه المدرسة التي تعد من أفضل المدارس الحكومية بشهادة ولاة الأمور ومرجعها الإداري وقد تشرفت بمقابلة مديرها ومرشدها وبعض من معلميها وأبلغتهم تذمري من تصرف هذا الطالب الشقي، ولكن فوجئت أنني من ضمن مجموعة مشتكين وقد فشلت جميع أساليب المعالجه لسلوك هذا الطالب بما فيها تدخل أسرته. وعلى الفور عرفت أن هناك مشكلة ما تواجه هذا الشاب لأسأل نفسي لماذا لا أعتبره ابني وأسخر العاطفة الأبوية له فاستأذنت من مسؤول المدرسة لمقابلة هذا الطالب وإجراء حوار خاص معه وقد رحب- وفقه الله - بالفكرة وأمر المرشد أن يتولى الإشراف على هذا الحوار المقترح وفي ردهات مكتبه. إلا أنني صعقت في مكتب المرشد المتواضع جدا وصعقت أكثر في محتوياته الأكثر تواضعاً وأنا الذي كنت أعتقد أن مثل هذا المكتب لمعلم مهمته تجمع بين الوسائل التعليمية والنفسية والاجتماعية قد وفرت له بسخاء حكومي جلب معه آخر ما توصلت اليه علوم المعرفة لتطبيقها نظريا وعلميا على ابناء لنا هم في أمس الحاجة لها سلوكيا. المهم: حضر ابننا الحبيب وبعد استقبال ودي ونقاش أبوي هادف طلبت ورقة وقلما وأخذت أستخدم أسلوب الربط الذهني لحاضر هذا الطالب ومستقبله الموعود وكيف هي الانحرافات السلوكية ستعيقه من تحقيق أحلامه وآماله بل نقلت له تجاربي الشخصيه وكذا استشهدت بقيم المجتمع السعودي النبيلة ومبادئه السامية وأن هناك رجالا عصاميين أصبحوا قدوة للمجتمع بما فيهم أحد أقاربه، وسألته ألم تراودك أحلامك أن تكون مثل هذا القريب لك بل ماذا سيقال عنك في حال جلبك لنفسك سمعة سيئة وهذا قريبك؟ وقد وضعت لهذا الحوار إطارا عاما لحياة الرسول عليه الصلاة السلام وكيف هو تعامله مع الآخرين.. وفي ختام هذا الاجتماع طلبت منه وفي خط يده أن يكتب خطته في الحياة منذ هذه اللحظة حتى أن يوفقه الله بتحقيق جميع أهدافه وفعلا وبخط تشكلت حروفه بالبراءة كتب مايتمناه واتفقنا على أن هذا الحلم سيتحقق بحول الله وقوته طالما أنه متمسك بسلوك منضبط وقد سلمنا هذه الورقة لمدير المدرسة الذي حفظها عنده للذكرى والتذكير بل وقع عليها كشاهد حاضر ووعد أن يكرم هذا الطالب في الحفل السنوي للمدرسة بل سيعده من القدوات الحسنة وقد ودعت هذا الابن في مشهد مؤثر ليصبح فيما بعد من أعز أصدقاء ابني بل فوجئت أيام عيد الأضحي المبارك بزيارته للسلام علي والمعايدة. الخلاصة: - يجب أن يكون هناك نظرة شمولية من الآباء على أن الطالب الشقي هو ابنهم ويحتاج لوقفة إنسانية معه ليس ضده حيث إنه قد يكون خلف تلك الممارسات المرفوضة أسباب أسرية أو اقتصادية.. وفي هذا الأسلوب نبعد مدارسنا عن تحويلها لأقسام شرطة مدعي ومدعى عليه - المهام الوظيفية للمرشد الطلابي هي من أرقى وأسمى وأهم الأعمال التربوية والتعليمية فهو معلم وطبيب في آن واحد بل هو من يقوم بالدور الأسري والديني والوطني والاجتماعي والأمني.. وبناء عليه يجب على وزارة التربية والتعليم أن تراعي هذا الجانب حيث هذا المعلم له دور وقائي قبيل انحراف الطالب وأثناء انحرافه وبعد انحرافه بمعنى أنه هو جسر العبور نحو منصة الاستقرار النفسي للطالب فهو الذي يؤهل لبقية المعلمين الطالب السوي. - تسخير الحوافز المادية والمعنوية والتأهيل العلمي والعملي للمرشد وتوفير جميع الامكانات والوسائل هي التي تصنع لنا جيلا يتسلح بالعلم والمعرفة لا بالسواطير والسكاكين والمفكات. سؤال: كم هي الجرائم التي ارتكبت داخل أسوار مدارسنا أو بجوارها بل كم هم الأجيال الذين دخلوا سن المراهقة واقتحموا عالم الجريمة والأب والمعلم يتساءلون وأعينهم دامعة أين منهجنا التربوي والتعليمي عن هذا السلوك؟ بل لسان حالهم يقول: ماذا نرجو من الوزارة ومكتب المرشد في المدرسة كأنه غرفة أب معوق في بيت ابن عاق؟. والله من وراء القصد.