إن الإبداع خلق مع بداية الإنسان فكانت الاختراعات تحدث بمحض الصدفة لحاجة الإنسان للتفكير والإبداع لتيسير مجال حياته وشيئاً فشيئاً حتى أصبح يسابق الزمن لمعرفة آخر الاختراعات، وقد تعددت طرق حماية حقوق المبدعين مع تطور الحياة البشرية بعد ما حدث الكثير من المشكلات الناتجة عن تباين نطاق الحماية للاختراعات بين الدول وقد شهد العالم في نهاية القرن الماضي أكبر ثورة تكنولوجية ومعلوماتية انتشرت على إثرها صناعة التقليد في العالم مما دفع الدول المتقدمة وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية لإبرام اتفاقيات جديدة في مجال التجارة بشكل عام والحقوق الفكرية بشكل خاص وتمخضت جهودها بالتوقيع على اتفاقية انشاء منظمة التجارة العالمية (WTO) وملاحقتها المتعلقة باتفاقية الجوانب المتعلقة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (TRIPS). والحقوق الفكرية كسائر الحقوق وفرت لها التشريعات حماية جزائية ومدنية وإجرائية كونها أموالا معنوية من الوجهة القانونية، وقد تباينت النظم القانونية في العالم على الصعد الداخلية والدولية في تنظيم الحماية لها، إلى أن جاءت اتفاقية تربس وألزمت الدول الأعضاء فيها بتعديل تشريعاتها بما يتوافق وأحكام الاتفاقية ولتوحد تلك النظم، لذلك سوف نتطرق لأشكال الحماية القانونية على سبيل الحصر لكل من براءات الاختراع والأسرار التجارية، فرغم اختلاف النظام القانوني لبراءة الاختراع عن النظام القانوني لحماية السر التجاري، إلا أن الشخص قد يتوصل إلى ابتكار جديد تتوافر فيه الشروط الشكلية والموضوعية للحصول على البراءة لكنه يفضل الاحتفاظ به كسر تجاري لاستغلاله في منشآته ومن هنا فإن فكرة ومضمون السر التجاري قد تقترب من فكرة ومضمون الأفكار والمعارف التي تشكل محلا لبراءات الاختراع كما أن مفهوم السر التجاري قد يختلط بمفاهيم ومصطلحات كثيرة كالمعرفة الفنية والتقنية والتكنولوجيا اما براءة الاختراع كإحدى مجالات الملكية الفكرية بشكل عام والملكية الصناعية بشكل خاص فنفرق بين معنى براءة الاختراع والاختراع نفسه وكذلك بعض المجالات القانونية في مجال الملكية الفكرية، تعرف براءة الاختراع بأنها "شهادة أو وثيقة حماية تمنحها الدولة للمخترع يكون له بمقتضاها حق استغلال واحتكار اختراعه ماليا بنفسه أو بطريق التنازل للغير وخلال مدة محددة وبأوضاع معينة". أما الاختراع فهو موضوع البراءة ويعرف بأنه "كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي سواء تعلق بالمنتج النهائي او وسائل الإنتاج وطرقه وانه فكره تجاوزت المرحلة النظرية الى مرحلة الابتكار والتطبيق والاستغلال والتقدم في الفن الصناعي وقد عرفه المشرع السعودي في نظام براءات الاختراع والتصميمات التخطيطية للدارات المتكاملة والأصناف النباتية والنماذج الصناعية واللائحة التنفيذية بأنه "فكرة يتوصل إليها المخترع، وينتج عنها حل مشكلة معينة في مجال التقنية" والاختراع يعد مسألة تهم المجتمع حيث تتدخل الجهات المانحة للاختراع في حالة أن تصنيع الاختراع واستغلاله ذا نفع للمجتمع بتوجيه المخترع باستغلال اختراعه وإلا تتدخل بما يسمى بالتعاقد الاجباري وفق شروط معينه مع احتفاظ المخترع بحقه الأدبي والمالي. تتمتع براءة الاختراع بخصائص قانونية تميزها عن غيرها تتمثل في: اولاً: البراءة تصدر بقرار إداري من السلطة المختصة: حيث تعطى البراءة لصاحبها بموجب قرار إداري من الدولة وهي من تتولى تنظيمها وليس للأفراد تنظيمه حسب رغبتهم وبما يتفق مع مصالحهم، وجهة المنح بالمملكة العربية السعودية هي (مكتب البراءات السعودي) بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. ثانياً: البراءة منشئة للحق في الاختراع: بعد حصول المخترع على البراءة، ينشأ له حق ملكية صناعية على اختراعه، وقبل منحه البراءة لا يكون له الحق في منع الاعتداء عليه، فطالما احتفظ المخترع بسر اختراعه لنفسه فإنه لا يتمتع بحق الملكية عليه، وان كان بإمكانه التنازل عنه للغير ويكون بذلك قد تنازل عن الحق في طلب البراءة وسر الاختراع. ثالثاً: الحق في البراءة من الحقوق المعنوية: الحقوق المعنوية هي تلك التي ترد على شيء غير مادي، فالحق في البراءة شأنه شأن سائر حقوق الملكية الفكرية الأخرى من العناصر المعنوية للمؤسسات التجارية، وهي حقوق مستقلة عن الحقوق العينية والشخصية، حيث إن طبيعتها الخاصة تأبى ادراجها ضمن أي من تلك الحقوق، فالحق الشخصي علاقة دائنية بين دائن ومدين، في حين ان الحق الفكري لا يمارس تجاه شخص معين، والحق العيني سلطة مباشرة على شيء مادي معين بذاته، اما الحق المعنوي ليس من هذا ولا من ذاك وإنما هو حق يرد على الشيء المعنوي المتمثل في الفكرة الإبداعية ذات القيمة المالية والاقتصادية التي تمكن صاحبها من احتكار استغلالها مادياً، لذلك فإن الحق في الاختراع أقرب للاحتكار منه للملكية التي تقوم على الدوام وترد على شيء مادي معين بالذات. رابعاً: الحق في البراءة حق مؤقت ينتهي بمدة محددة: يعتبر الحق الفكري المتمثل بالبراءة ذات طبيعة مزدوجة وله جانبان، الأول أدبي شأنه شأن سائر حقوق الملكية الفكرية وثيق الصلة بشخصية المخترع، وهو حق المخترع في ان ينسب اختراعه اليه، فهذا الحق لا يموت أو ينتقل أو يتنازل عنه وهو دائم وغير مؤقت، أما الجانب الثاني فهو الشق المالي للحق في الاختراع والمتمثل بإمكانية استثمار الاختراع صناعياً واستغلاله والتصرف فيه، وهذا الحق مؤقت ويقترن بمدة حياة البراءة، فإذا انقضى الحق بالبراءة بانتهاء مدتها أو ببطلانها بحكم قضائي، سقطت البراءة في الملك العام وأصبح للجميع الاستفادة منها دون ان يعتبر ذلك اعتداء على البراءة، ولعل هدف المشرع من جعل ذلك الحق مؤقتاً حتى يتمكن المجتمع من الاستفادة من الاختراعات ولتشجيع المبدعين للمزيد من الاختراعات، وحتى يتوافق ذلك مع شرط الجدة. * المحامي والباحث في مجال الملكية الفكرية