استقلَّ "مُحمَّدٌ" السيَّارة التي دفع أُجرتها (10) ريالات عداً ونقداً -هذا المبلغ الذي كان في تلك الفترة الزمنيَّة من نهاية الثمانينات الهجريَّة يُمثِّل مبلغاً كبيراً-، وذلك بُغية السفر إلى العاصمة الرياض من أجل إكمال دراسته الجامعيَّة، إذ لا سبيل لذلك إلاَّ عن طريق الغُربة عن الأهل والأحبَّة ومُفارقة أزقَّة القرية الضيِّقة التي تعجّ دوماً بالحياة.. طموحٌ يَحملهُ "مُحمَّد" بين جنبيه وهو يشيح بنظره مُودِّعاً قريته بنظرات أسىً وحزنٍ كبيرين، فهو لم يعتد أن يُفارقها، بيد أنَّ ظروف الدراسة أجبرته كغيره على المُغادرة في سبيل طلب العلم وإكمال الدِّراسة للحصول على الشَّهادة الجامعيَّة، وفيما يُعيد النَّظر إلى مكان جلوسه في السيَّارة تلوح له "بُقشة" ملابسه المتواضعة وكيس من ال"قُرصان" الطَّري الذي أعدَّته له والدته منذ ساعات الفجر الأولى قبل مغادرته مع انشقاق الصبح؛ ليقتات به خلال التوقُّف للرَّاحة في طريق الرِّحلة الطَّويل الَّذي قد يستغرق اليومَ كُلَّه. أشهر معالمه: «الصِّحِّيَّة»، «المعهد العلمي»، «المتوسطة الثانية»، «كليَّة الشريعة»، «بلديَّة الرياض»، «حديقة البلدية»، «المكتبات»، مصلى العيد وفي المُقابل فإنَّ "إبراهيم" صديق "مُحمَّدٍ" كان يقفُ في موقف سيَّارات الأُجرة الآتيةِ إلى الرياض والمُغادرة إليها، والَّتي كانت تُسمَّى "استيشن" ومعناها "محطَّة"؛ من أجل استقبال ابن قريته وقريبه "مُحمَّد" الذي كان قد كتب له رسالةً يُخبره فيها أنَّه قادمٌ إلى الرياض يوم "الجمعة"، وما هي إلاَّ لحظات قبل الغروب بدقائق معدودة وإذا ب"مُحمَّد" ينزلُ من سيَّارة الأُجرة ليُعانق قريبه وصديقه "إبراهيم" والفرحة تغمره بلُقياه وبوصوله سالماً مُعافىً بعد أن اجتاز أخطار الطريق، دقائق قطعاها في مشوار التوجُّه إلى سكن "إبراهيم" الذي تركه ليرتاح قليلاً، وبعد العشاء قال: "إبراهيم" نَم يا "مُحمَّد" وفي الصباح الباكر سوف آخذك في جولة على أحياء الرياض، وسيكون "شارع الوزير" محطتنا الأُولى، فسأل "محمَّد" صديقه "إبراهيم" ولماذا "شارع الوزير" بالذات؟، فردَّ عليه "إبراهيم" وهو يضحك ضحكة شخصٍ واثقٍ من نفسه وخبيرٍ بأحياء وشوارع الرياض بعد سنةٍ قضاها فيها: "إنَّ شارع الوزير يُعدُّ بمثابة واجهة الرياض الرَّاقية بما فيه من محال تزخر بمُختلف البضائع، ولما له من جمالٍ أخَّاذٍ، ومطاعم فاخرة، ومبانٍ فخمة"، وقربه من الأحياء المخملية في العاصمة "دخنه، المربع، الدحو"، فما كان من "محمَّد" إلاَّ أن نام بعد أن سمع هذا الكلام وهو يحلم ونفسه تتيه شوقاً لشوارع الرياض الفسيحة المُختلفة عن الأزقَّة الضيِّقة في قريته الصغيرة، نام وهو يتخيَّل حياةً تعجُّ بالحركة التجاريَّة ومرور السيَّارات وأجناس كثيرة من النَّاس ذات لغات وجنسيَّات مُختلفة. يضم محلات الملابس الشعبية و»الأفرنجية» وسلسلة من المقاهي والمطاعم أشهرها «القبَّاني» للمأكولات اللبنانيَّة قبل أن نخوض في الحديث عن موقع "شارع الوزير" بالعاصمة الرياض وتاريخه العريق، لا بُدَّ أن نتوقَّف قليلاً عند تسميته بهذا الاسم، فللوهلة الأولى فإنَّ كلمة "الوزير" تعني أنَّ هذا الشارع سُمِّي بهذا الاسم نسبة إلى أحد الوزراء في تلك الفترة، فمن هو يا تُرى هذا الوزير الذي سُمِّي هذا الشارع باسمه، هذا الاسم الذي لا يزال عالقاً في أذهان النَّاس لعقودٍ عديدةٍ من الزمن، على الرُّغم من أنَّ هذا الاسم قد تغيَّر ليُصبح بعد ذلك "شارع الملك فيصل"؟. إنَّه الوزير "عبدالله السليمان الحمدان" -رحمه الله-، وهو من مواليد محافظة "عنيزة" في العام (1305ه)، هذا الرجل الذي اشتُهر في عصره بلقب الوزير "ابن سليمان"، إذ أنَّ شهرته ولقبه طغيا على اسمه الرسميّ، فلم يكن يُعرف آنذاك في عهد الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه- إلاَّ بلقب الوزير "ابن سليمان"، فإذا ما سمع أحدٌ ذكر "الوزير" عرف على الفور أنَّ المقصود هو الوزير "ابن سليمان"، ولعلَّ السبب في ذلك أنَّ "المملكة" لم تكن تعرف الوزارات في بدايات تأسيسها، فهي لم تتأسَّس بعد، ولم يكن هناك "وزيرٌ" إلاَّ "وزيرٌ" واحد هو الوزير "بن سليمان" وزير المالية. غزل «الزكرت» بعد العصر و«عيال النعمة» يستعرضون بسياراتهم مساءً ففي العام (1346ه) الموافق (1927م) تمَّ أوَّل تطوير للماليَّة بإنشاء "مديريَّة الماليَّة العامَّة" في "مكَّة المُكرَّمة" ويُديرها "ابن سليمان" نفسه، وبدأ لقب "الوزير" يُعرف عند النَّاس لأوَّل مرة وهو ل"ابن سليمان"، ومفهومه كان يعني "وزير الملك الخاص"، فقد كان ذلك قبل التشكيلات الوزاريَّة الرسميَّة، وبعدها بسنة سُمِّي "وزير الماليَّة" وهو أوَّل شخص يُطلق عليه لقب "وزير"، ولعلَّ أوَّل ارتباط فعليّ بين "الملك عبدالعزيز" و"عبد الله السليمان" كان في عام (1338ه) عندما مرض "محمد بن سليمان الحمدان" فأناب عنه بإذنٍ من "الملك" أخاه "عبدالله" في عمله، وكانت ل"الملك عبدالعزيز" فراسةً في معرفة الرِّجال وقُدراتهم؛ فقرَّب "عبدالله" منه ووثق فيه بحيث لم تمض أكثر من سنة حتى أصبح مسؤول الخزينة المتوليّ لجميع إيرادت البلاد ومصارفها. تحيطه الأحياء المخملية «دخنة، المربع، الدحو».. ويستهوي «الجالية العربية» وفي عام (1351ه) الموافق (1932م) وهي سنة توحيد البلاد تحت مسمى "المملكة العربيَّة السعوديَّة" حصل "ابن سليمان" على لقب "معالي الوزير"، وبعد ذلك بسنتين صدرت أوَّل ميزانيَّة رسميَّة نظاميَّة حسب نظام "مجلس الوزراء" من "وزارة الماليَّة" التي كان هو وزيرها. وفي بدايات التوحيد والسنوات التي تلت التوحيد كان الوزير "ابن سليمان" حاضراً دائماً، خاصَّةً في التنقُّلات مع "الملك عبدالعزيز" في المدن والقرى والبادية، وكانت "الدَّراهم" نقوداً معدنيَّة في تلك الفترة وتأتي من الجمارك والزكوات والتجارة، وتُحمل في "صناديق" على "جِمال"، ثمَّ فيما بعد في "سيَّارةٍ" خاصَّة، وكان "الملك" يُرسل من يريد إعطاؤهم نقوداً من النَّاس العاديين المُحتاجين والأعيان وزُعماء القبائل إلى "ابن سليمان" الذي كان دائماً مرافقاً ومسؤولاً عن هذه الميزانيَّة المُتنقِّلة، فيُعطيهم حسب ما حدَّد "الملك"، ثمَّ إذا انتهت "الدَّراهم" التي لديه قال لكُلِّ من يجيئه بعد ذلك:"خلاص والله ما عندي شيء، الله يرزقنا وإياكم"، ولا يَعِدُ أحداً بشيءٍ أبداً ما دامت ال"صناديق" فاضية. ولم يبلغ إنسان من رجال "الملك عبدالعزيز" ما بلغه عنده "ابن سليمان" من ثقة ونفوذ ورأي وبصيرة، ومن القصص التي تُؤيِّد ذلك ما ذكره "الزركلي" منقولاً عن "عبدالرحمن بن سليمان الرويشد" في كتابه "عبدالله السليمان الحمدان صفحة مشرقة في تاريخ المملكة العربيَّة السعوديَّة" في تتبع سيرة هذا "الوزير": "ومِمَّا يدلّ على عبقريَّة وولاء وإخلاص ومحبة الشيخ ابن سليمان للملك تلك القصة التي مفادها أنَّ أحد زعماء القبائل مِمَّن لهم دالة على الملك دخل عليه ذات يوم وقال للملك: يا عبدالعزيز، أنا رجل مكثور "أيّ كثير الضيوف والأتباع" فأرجو أن يُضاعف مُخصَّصي من المُؤن والأطعمة، فهبَّ الملك في وجهه قائلاً: لست أكثر مني ضيوفاً، فكأنَّ الرجل خجل وخرج كذلك، وكان "ابن سليمان" في المجلس فانسلَّ واخذ سيَّارةٍ مُحمَّلةٍ بأطعمةٍ وكساوى ومُؤن إلى خيمة ذلك الرجل فرفضها قائلاً: لا أطلب منك يا ابن سليمان أو هكذا، فقال ابن سليمان: هذا من عبدالعزيز أمرني بذلك، فما كان من الرجل إلاَّ أن اتَّجه للقبلة رافعاً يديه وهو يدعو للملك، فلمَّا عاد ابن سليمان أخبر الملك بما فعل؛ فابتسم الملك وأيَّده على ما فعله"، وفي هذه القصَّة نجد أنَّ صلاحيَّات "ابن سليمان" كانت مُطلقةً وأنَّه أيضاً كان ذكيَّاً ولمَّاحاً ومُؤلِّفاً لقلوبِ النَّاسِ. مطعم القبَّاني احتضن "شارع الوزير" بالعاصمة الرياض في بداية تأسيسه العديد من المحال الراقية التي تعرض مُختلف الماركات العالميَّة، وكان حينها الوِجهَة المُفضَّلة للمُتسوِّقين بما يحويه من خياراتٍ واسعةٍ أمامهم، خاصَّةً الملابس المُتنوِّعة التي تُرضي جميع الأذواق، فإضافة إلى الملابس العربيَّة انتشرت الملابس "الإفرنجيَّة" كما كان يُسمِّيها النَّاس في تلك الفترة حيث لم يعتادوا عليها، وكان جُلَّ روَّادها من المُقيمين العرب والأجانب وقِلَّةً من المواطنين الراغبين في السفر إلى خارج "المملكة" للدراسة أو العلاج أو السياحة، وان كانت قليلةً أو شبه معدومة. مصلى العيد في نهاية شارع الوزير عام 1351ه وقد عرفت الرياض المطاعم الراقية والفخمة منذ تأسيس "شارع الوزير" منذ أكثر من نصف قرن" فقد كان هناك "مطعمٌ" يُقدِّم الوجبات للزبائن بطريقة "اخدم نفسك بنفسك" بحيث يختار الزبون الأطعمة المعروضة أمامه، ومن ثمَّ يذهب إلى "المُحاسب" ويدفع قيمة ما أخذ، ثمَّ يختار مكانه في "المطعم" ويتناول ما اختاره من طعامٍ لذيذٍ في نظره، ولا يزال الطلاَّب الذين جاءوا من خارج الرياض يتذكَّرون ذلك "المطعم" الذين هم من جُلِّ زبائنه، فقد كان مُتنفساً لهم ومُعيناً لهم على تناول وجباتهم دون تعبٍ في إعدادها بعد يومٍ طويلٍ من الدِّراسة. ونشير هنا إلى أنَّ أوَّل مطعمٍ للوجبات تأسَّس ب"شارع الوزير" كان "مطعم القبَّاني" المُتخصِّص في إعداد المأكولات اللبنانيَّة، ويقع في شمال شارع الملك فيصل "شارع الوزير"، وقد بهر النَّاس حينها بأنواع المأكولات التي كان يُقدِّمها لزبائنه، إذ لم تكن مألوفة ولا معروفة لديهم من قبل، بيد أنَّها كانت باهظة الثمن بمعايير ذلك الوقت في ظلِّ تواضع الأحوال الماديَّة لمُعظم النَّاس. محطة وقود في شارع الوزير في نهاية التسعينات دوائر حكوميَّة ضمَّ "شارع الوزير" العديد من الدوائر الحكوميَّة في بداية تأسيسها، ونذكر منها على سبيل المثال: "مستوصف الرياض" وهو أوَّل مركز علاجيّ، وسُمِّي ب"الصِّحِّيَّة" -بتشديد الصاد والحاء والياء-، وكانت تلك "الصِّحِّيَّة" تقع في مكان "الإدارة العامة للأراضي" التابعة الآن ل"أمانة مدينة الرياض" والواقعة في حيّ "الديرة" على شارع الملك فيصل "شارع الوزير" وشارع "البطحاء"، وكان يعمل بها أطباء أحضرهم "الملك عبدالعزيز"-طيَّب الله ثراه- من "البحرين". كما ضمَّ هذا الشارع مبنى "المعهد العلمي" الذي أنشأه سماحةُ مفتي الدِّيار السعوديَّة الشيخ "محمد بن إبراهيم آل الشيخ" -رحمه الله- عام (1371ه)، وكان يُديره حينذاك أخوه الشيخ "عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ" -رحمه الله-، وقد بُني هذا المبنى كأوَّل مقرٍّ حكوميٍّ للمعهد في "شارع الوزير"، ويقع في أوَّل الشارع من جهة حيّ "دُخْنَه"، وإلى جواره يقع مبنى "بلديَّة الرياض"، وأمام مبنى البلدية حديقة كبيرة كانت تُسمى "حديقة البلديَّة"، وكان مبنى "المعهد العلميّ" في البداية في "أُمِّ قُبَيْس" في قصرٍ من القصور الطينيَّة قبل أن ينتقل إلى مقرِّه الجديد في "شارع الوزير". المبنى القديم لمعهد الرياض العلمي بشارع الوزير وضمَّ هذا الشارع أيضاً "المتوسطة الثانية" التي تأسَّست عام (1379ه) وانتقلت إلى الشارع في مبنىً حديث، علماً أنَّ تأسيس أوَّل مدرسةٍ متوسطةٍ في الرياض كان في العام (1376ه). ومن بين الدوائر الحكوميَّة التي ضمَّها "شارع الوزير" كذلك "كليَّة الشريعة"، وكانت على امتداد "شارع الوزير" جنوباً مِمَّا يلي "البطحاء" قُبالةَ مبنى "البلديَّة"، ونظراً لأنَّ هذا الشارع حظي بوقوع العديد من المدارس والمعاهد والكُليَّات عليه؛ فقد ارتبط اسمه ثقافيَّاً ب"المكتبات" في سِنٍّ مُبكرة، إذ كان يُطلق عليها اسم "مكتبات شارع الوزير"، وكانت زاخرةً بالأدوات المدرسيَّة، إلى جانب أُمَّهات الكُتب في مُختلف الفنون، وكانت وِجهةً لمُرتاديّ الشَّارع من الدَّارسين والباحثين والمُثقَّفينَ بِمَا تَضمُّه بين جنباتها من كتبٍ نفيسةٍ في ذلك الوقت. شارع الماركات اشتهر "شارع الوزير" التجاريّ بنمطٍ خاصٍ تميَّز به لفترةٍ طويلةٍ من تاريخ تطوّر وعمران الرياض بطابعٍ راقٍ جمع إلى حد كبير بين الأصالة والمُعاصرة، وكان البعض خارج الرياض في المُدن والقُرى يعرفونه ويسمعون عنه ويقصدونه عند المجيء إلى الرياض، فقد كان مَعلماً مُهمَّاً ومكاناً للتسوّق لا يتركه الزوَّار مثله في ذلك مثل شارع "قابل" في "جدة"، وشارع "الملك خالد" في "الخُبر"، ثمَّ تغيَّرت الأحوال وأصبح لهذه الشوارع وأمثالها في مُدنٍ أُخرى مُجرَّد صدىً وذكرياتٍ من الماضي، حتَّى مع تنفيذ بعض مشروعات المُجمَّعات الكُبرى فيها، مثل المُجمَّع الجديد الذي يقعُ بينَ "شارع الوزير" و"البطحاء" الذي لا يبدو أنَّه نجح في استعادة مكانة "شارع الوزير" السَّابقة. شارع الوزير واجهة الرياض الرَّاقية في الثمانينات الهجريَّة وعلى الرُّغم من ذلك إلاَّ أنَّ "شارع الوزير" لا يزال الوِجهةَ المُفضَّلة إلى الآن لكثيرٍ من النَّاس الراغبين في شراء ملابس السفر من الجاكيتات والبنطلونات والأحزمة والأحذية التي تجمع بين الذوق الرفيع والسعر المناسب، إذ تجد الماركات العالميَّة بسعرٍ مُرتفع، ولكنَّه أقلَّ بكثيرٍ من الأسعار التي تُعرض في العديد من المُجمَّعات الكبيرة والمولات الشهيرة، كما تجد معروضاتٍ تُرضي ذوق الزبائن من المُقيمين والمُواطنين، حيث اكتسب عددٌ من الباعةِ خبراتٍ واسعةٍ في هذا المجال تُغني عن السؤال والبحث المُضني، كما كسبوا العديد من الزبائن؛ نظراً لأنَّ بعضهم يعمل في محال هذا الشارع لفتراتٍ طويلةٍ جداً قد تزيد لدى البعض على (40) عاماً. تسوق وغزل مثّل شارع الوزير بمحاله الفاخرة والجميلة ومطاعمه الشهيرة مصدر جذب للتسوق وتمضية وقت مسلٍ لكلا الجنسين؛ مما هيأ فرصة لجذب الشباب "الزكرت" و"عيال النعمة" للتسوق ومحاولة جذب الانتباه للجنس الآخر، من خلال لبس الثياب الأنيقة، حيث تجد الشباب يتبارون فيما بينهم في تفصيل الثياب ولبس الكبكات "الماركة" و"الجزم" و"غترة العطّار" و"الكوت" والتطيب والتباهي بالهندام الجميل، وملء وقت فراغه بالمشي بين تلك المحلات الفاخرة من أجل الظفر ب"لفتة حنان" من قبل إحدى الشابات اللواتي يفضلن القدوم إلى هذا المكان الراقي في حينه.ويتنقل الشباب بين المحال من أجل التسوق والعثور على من يبادلهم الهوى، حيث يمني نفسه بنظرة إعجاب من إحدى المتسوقات، وربما توهم نظرة عفوية بأنها نظرة خجل واعجاب؛ فيلحق بصاحبتها وتحفى قدماه إلى أن يحين خروجها من السوق وقد خاب أمله، لكنه لا يمل من الحديث عند أصدقائه بأنه قد ظفر بمعجبة به ظلت تلاحقه طوال وقت تسوقه، ويحكي من نسج الخيال العديد من المواقف التي يُرضي بها غروره، وربما يشاركه غيره في هذه الأحاديث المحببة للشباب "الزكرت" المقبلين على الزواج وبحثهم عن بنت الحلال، من خلال معرفة من تثير اعجابه؛ لكي يبدأ رحلة الخطوبة والاقتران. شارع الوزير «الملك فيصل حالياً» وسط الرياض عام 1977ه استعراض وترفيه بعد أن تنتهي فترة العصر بالنسبة للشباب "الزكرت" الذين يمضون عصريتهم -كما أسلفنا- في التسوق والغزل؛ يشهد شارع "الوزير" في تلك الحقبة من الزمن في أواخر الثمانينيات الهجرية مطلع التسعينيات العديد من الاستعراضات الشبابية لسياراتهم الفاخرة ليلاً، فهو أشبه بشارع "التحلية" بمدينة الرياض حالياً، فقد كان المكان المفضل للشباب لاستعراض سياراتهم المتنوعة فيمضون جل وقتهم في الدوران والفرجة على المارة ويملؤهم الزهو والفرح، ومن السيارات الشهيرة الفخمة التي يفضلها الشباب "اولدزموبيل" و"بيوك" و"كاديلايك"، ويسميه البعض "الكدلك"؛ كدلالة على أنه رمز الكشخة، وهو ما خلدته لنا إحدى القصائد الشهيرة المغناة التي تقول أبياتها: ايست منكم ياهل الدوحه ماعادل لي حيله اراضيكم فارقتكم والروح مجروحه فارقتكم والعين تبكيكم عيت تهون أيام مملوحه يوم الليالي سافره فيكم لامن طرتلي قلبي تلوحه صدمات فرقاكم وطاريكم ماشفت يوم النفس مشروحه من عقبكم دايم اناديكم ودموع عيني دوم مفضوحه عجزت لا استر عين ترجيكم امركم بالجيه والروحه واقول انا يمكن الاقيكم بالكدلك اللي ازرقٍ اللوحه اللي انعدم من كثر ماجيكم لأني حالف يا هل الدوحه مادمت حي مانيب ناسيكم