ربما غيّر مجلس الشورى رأيه تجاه توصية العضوات الثلاث الكريمات بشأن قيادة المرأة السيارة وتراجع عن تصريحه المخجل بحق توصيتهن الذي اعتبره "مضيعة للوقت كونه مخالفا لقواعد المجلس واختصاصات وزارة النقل".. إذ كيف تكون السيارة وهي وسيلة "نقل" لا دخل لها بوزارة "النقل"؟!!! أم كيف يكون الحديث عن حق مسلوب مضيعة للوقت، رئيس المجلس ذكر لجريدة الحياة تصريحاً مختلفاً يسجل كتراجع نسبي عن الهجوم السابق، ب "أنه لم يصادر حق الشوريات إنما سيوجه التوصية لتقرير الجهة الحكومية المناسبة لعرضها".. إذاً الشوريات لم يخالفن قواعد المجلس بل رمين حجراً حرك مياهه الراكدة استنهضت السائد لمحاكمته، وذلك أمر لم يتعود عليه "المجلس النظيف" على رأي كاتبتنا القديرة أميمة الخميس. لا حل لراهن قضايانا العالقة إلا بقرارات سياسية سيادية من حبيبنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وأمده بالصحة والعافية، وكلنا ثقة بعزمه القوي ودعمه الوفي، وقبل وبعد ذلك حبه لشعبه وحرصه على نهضة الوطن وراحة المواطنين.. وإنا لمنتظرون لا غرابة في تردد المجلس ف "سواقة المرأة للسيارة" تعد محطة ضمن محطات أخرى في تاريخ ممانعة ممنهج ضد المرأة، تاريخ أنهك المجتمع عامة والمرأة بالذات بأعباء خصوصيته، تاريخ يواجه حركة الحياة بجمود الثابت، ليستلب الإنسان ويوالي بتخشبه المناهض لحركة التاريخ توظيف حشود الممانعة لإيقاف حق بسيط يمارسه الناس عامة في كافة أقطار الدنيا بكل بساطة، تاريخ يثبت بتكرار أزماته مع المرأة أننا نحن "السعوديين"- ربما - نكون بدعاً من البشر! ببعدين شديدي التباين يكاد التلاسن الجدالي حول سواقة المرأة يراوح بين لغة المسالمة ولغة العنف، ويقاس بمنطقين؛ منطق الحرية ومنطق الاستبداد..، فالمسالم الذي يحترم حق القناعات ويؤمن بمبدأ الحريات في الأمور الخاضعة للخيارات الشخصية تنطبع سلميته على لغته ومواقفه، بينما يظل منطق المتشدد يمارس استيلاد بشاعاته على مر العصور ليحمل الناس على اتباع قناعاته المتنطعة، وبإفراز تصادمي عنيف يحضر الوحش الذهني ليهدد المرأة بالتحرش الجنسي "عقلية العربي صاحب السبايا" كطريدة اقتناص، ويلوح بالعنف الجسدي الدموي فكر "إرهاب طالباني" كناقصة استحقاق، وبتكتل حشود الممانعة تختلط عقيدة الكراهية المدمرة والتوحش الرجعي والدموية الإرهابية لتنشر العبث بالحقوق عبر تويتر ضمن حركات الاحتجاج المبرمجة بأداة الاحتساب الإكراهي. مصيبة ألا يعتدل التعامل مع المرأة في بيئة تظن أنها تقبض على الدين الحق؟!! ومصيبة أن يُسكت عن أعداء الحق وكأنما يعبرون عن الدين الحق!! خاصة وهم يتنادون بالتحرش الجنسي والعنف الجسدي لمن ستقود سيارتها باسم الدين!! ويحضر الإرهاب اللفظي ليمنح ألفاظ القذارة الأخلاقية كلفظ "العاهرات" تمرحلاً ارتحاليا يجدد انتمائه لأجندته الوالغة في الشر منذ عشرين عاما وزيادة "كتاب السادس من نوفمبر للاطلاع على مستوى التمادي اللفظي القبيح"، ويسجل تاريخاً حافلاً يشهد بتلفيات أخلاقية وعنف ممنهج رهين محبسين؛ تراث يتخبط بلا إنسانية، وعنصرية تتلذذ بالابتذال الأخلاقي، وتظل ورقة المرأة الورقة التي يستميت الإرهابيون للإبقاء عليها لاستمرار وصايتهم الشنعاء وتسجيل هدر زماني قابض على أساه. وعلى أساس من ذهنية "استئجار المرأة، وملكية البضع" يقذف أرباب التوحش واللاإنسانية، تربية الورق الأصفر بكل وهنهم الأخلاقي لتستمر معارك التراث البدائي للإبقاء على صورة الأسيرة في القرن الواحد والعشرين، وبعودة زمانية لتعليم المرأة الذي كانت تحرس مدارسه مدرعات الجيش قبل ما يتجاوز الخمسين عاماً، يتكرر إرهابيو الحياة ليكرروا أباطيلهم، ومازالوا يؤلبون ويحشدون جنودهم عبر التاريخ لمواجهة كل تحديث وتنمية. وبمثال قديم جديد مارس حسان الصحوة "عبدالرحمن العشماوي" اعتراضه على قيادة المرأة للسيارة، بقصيدة تراثية المنهج همجية الألفاظ والمنعطفات، مستنهضاً ذكور الأمة قبل ثلاثة وعشرين عاماً "موجودة في المرجع المشار له كاملة" يقول فيها: أين الأب الراعي وأين الزوج في بيت به تُنهى النساء وتؤمر؟ هكذا يرى فروخ الصحوة المرأة مملوكة تنفذ الأوامر وتبتعد عما ينهاها ربها، فهي كذات مستقلة لا وجود لها في ترهاتهم الذهنية، وما زال حسان الصحوة يترع بخزعبلاته التراثية اليوم عبر تويتر فيقول "الأصل في المجتمع البشري السليم أن توضع الحلول لبطالة الرجال في مجالات العمل المختلفة ليقوموا بأعباء أسرهم وليس إقحام المرأة في ميادينهم". وكذلك يعبر أعداء الحرية والطبيعة عن ميادين الحياة؛ إنها أملاك ذكورية خاصة يزهو بها العشماوي وأشكاله، والمرأة الموظفة تنازعه ميدانه الخاص، فهل تلمس فرقاً بين خطابه بالأمس واليوم؟!! اليوم التناول الحقوقي المؤنسن يرهب الجماعات المتشددة، لذلك جرى تنشيط ممانعة قيادة السيارة ببراجماتية نفعية وذلك بتوظيف "الإرهاب الناعم" لترفع خطاباً مرتبكاً ذيل بتوقيع أربعة أسماء نسائية وجهنه لخادم الحرمين كمعارضات لقيادة المرأة للسيارة، وبذهنية ذكورية نسوية تنظر تلك المعارضات بانتقاص استحقاقي لأنفسهن فتجعلنها مع الصغار والعجزة وهي تطالب بمشروع نقل عام في خطابهن الغاضب، قبل إسهابهن بجوانب عديدة لأسباب رفضهن، كالجانب الشرعي والأخلاقي: وفيه يصورن مجتمعا متوحشا تتزايد جرائمه الأخلاقية وانفلاته الأخلاقي، ويتعرض الرجال فيه للخطف والتحرش بهم، مبدين امتعاضاً مضاعفاً جراء جرأة بعض النساء في القيام بمخالفات شرعية وتمردهن على القيم والأخلاق، ما يوحي بقبول المخالفات الشرعية طالما جاءت مذكرة الجنس، ثم صرحن بتحريم قيادة المرأة للسيارة بناء على فتوى قديمة مستندة على قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وهي قاعدة فقهية توظيفها وقفٌ على المرأة دون الرجل. وبمزيد من التوجه التراثي لمسؤولية المرأة المركّبة عن صالح وطالح الأمة تردد المعارضات سلبيات الجانب الاجتماعي في شارع به الصالح والطالح لا ليحاسب الطالح بل ليصول الطالح بفساده وتمنع هي عن القيادة "الأمر الحلال" لئلا يقع الطالح من عباد الله في الحرام!! وبمخاوف توجسية لا تفرضها ولا تمنعها قيادة المرأة أضفن بعداً اجتماعيا وصفنه بالخطير في تبادل الأدوار يهدد الاستقرار الأسري، مع أن المرأة ترعى الأسرة بواسطة السائق، فالدور التبادلي واقع لا محالة، ولكنه بدل تبادله بين المرأة والرجل يتبادل بين الرجل والسائق!! أما في الجانب التنظيمي فنظام ساهر وفوضى الشارع والتجاوزات المرورية، وازدياد الحوادث وغيرها من شكوك مدرسة الفقه الدارئة للمرأة ستسوء بقيادة المرأة، حتى يتخيل لك أن "امرأتنا السعودية" مخلوق فضائي لا يصلح لها ما يصلح لبنات جنسها في كافة أنحاء المعمورة! وبوضع لم يجرب تسخر "حريم الخطاب" في حديثهن عن الجانب الأمني من توقع القضاء على جرائم السائقين والاغتصاب والتحرش بالأطفال والنساء، بل ويجزمن أن جرائم السائقين لا تقارن بجرائم الخادمات ومشاكلهن السلوكية والأخلاقية، بدليل حالات تصل للزواج برب المنزل أو ابنه، إن مسؤولية الابتذال الأخلاقي هنا "لصياعة" الزوج من الزوج لا الخادمة، ولكن خلفيات وعيهم تُبَرِّءُ دوماً ساحة الرجل ولا تهتم بتقويم أخلاقه، فهو يمثل دور المفتون "المفعول به" لا "الفاعل" والرجل - بالذات في الجرائم الأخلاقية - مسكين وبريء، والخادمة "الفاتنة" ربما يصل افتتانه للزواج بها. وكما يلتبس الفاعل والمفعول به يختلط السبب بالمسبب في حكايتهن عن الأمن الوطني وانتحال شخصية المرأة لارتكاب جرائم بسبب الحجاب الحاجز للشخصية المسبب لجرائم إرهابية، فحاجب الهوية غطاء الوجه موجود طالما وجه المرأة مازال عورة، وليس بسبب قيادة السيارة!! وبكذبة صريحة يزعمن بأن قيادة المرأة للسيارة أمر مخالف للنظام العام في المملكة، بينما المنع سببه فتوى، والفتاوى تتغير بحسب المصلحة، وليست نظاماً وطنياً عاماً. أما أسوأ مبرراتهن الرافضة فالزعم بأن القيادة تكليف جديد يلقى على كاهل المرأة، مع أن لا أحد يملك فرضه، فالتكليف فرض وإجبار، والقيادة قناعة واختيار. وفي نهاية خطابهن المؤدلج سقن اتهامات مبتذلة لعضوات الشورى القديرات ومن يساندنهن من الكتاب بخدمة أجندات تغريبية، وقررن أن قيادة المرأة هي مدخل لرفع سقف المطالب؟!! وخطوة لكسر الحاجز لتحرير المرأة من الولاية والقوامة، ليصلن ل "مربط الفرس" لذهنية الاشتغال الذكوري عليهن لإبقاء المرأة أسيرة للرجل بكل وضوح. لتوضيح الالتباس والتلبيس حول قيادة 26 اكتوبر وجب التذكير بأنها ليست مظاهرة بل دعوة للقيادة وكسر حاجز التخوف منها، كونها كما يردد المسؤولون قرارا اجتماعيا، ولا يقف بوجه القرارات الاجتماعية الاختيارية إلا فئة المتحجرين المتشددين، ولا يمكن أن يصادره عن غيره إلا من كف عن فعل السلام إلى فعل التدخل الجاحد لفضل السلامة، سلامة الإعراض عما لا يخص المرء، فقناعات الناس حق لهم وممارستها حق حريتهم المصون عن الإكراه. هكذا هي بيئة المجتمعات المسالمة لا المتوحشة.. والمنظمة لا العابثة.. والطبيعية بفطرتها السليمة، لا المريضة بأوهام الفتن. إننا؛ بين راهننا والمأمول مازلنا نقف على طرقات التردد، فتأخير التغيير ولد خنق الخيارات الحرة، والسكوت على باطل الظلم والتعدي طال أمده فأنشأ محميات باسم الدين والدعوة والنصيحة والوعظ لتشتد على الناس وتمارس فرض السجون على قرارات المواطنين الخاصة. والجميع متورط اليوم في حكايات فصلتنا عن العالم بدعوى خصوصية غارقة في الوهم والإيهام. وإن كان للتاريخ شهادة إنقاذ في موقفنا المتردد تجاه الحقوق فسيشهد لرسالة عميقة الأبعاد للدكتور غازي القصيبي رحمه الله ينصح المسؤولين بعدم الاستسلام لتوجهات الفكر الصحوي المتخلف بعد حادثة جهيمان، وبضرورة تطابق مستوى المواجهة الفكرية بمستوى المواجهة الأمنية، ثلاثون عاما نخرتنا الصحوة غير المباركة بتهميش خطاب القصيبي، ومازلنا نرسف في إفرازاتها الموحلة بالعطب، ولا حل لراهن قضايانا العالقة إلا بقرارات سياسية سيادية من حبيبنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وأمده بالصحة والعافية، وكلنا ثقة بعزمه القوي ودعمه الوفي، وقبل وبعد ذلك حبه لشعبه وحرصه على نهضة الوطن وراحة المواطنين.. وإنا لمنتظرون.