تُعد "مشكلة التستر" من أهم المشاكل التي تهدد "اقتصاد الوطن"، حيث تصدير جزء كبير من دخله إلى الخارج، من خلال تحويلات العمالة التي قدمت إلى البلد للعمل في مهن معينة، وتحولت نتيجة خلل الأنظمة وسلبية بعض المواطنين إلى العمل تُجاراً ورجال أعمال! ويحتاج "التستر" إلى وعي وحس وطني عال من كل مواطن، وكذلك توعية دينية واقتصادية وصحية بضررها وعدم مشروعيتها؛ لأن المتستر عليه لن يتورع عن العمل بكل ما يمكن لتحقيق المكاسب المادية دون الاهتمام بمصلحة الوطن وصحة المواطن، لهذا يجب أن نساهم جميعاً في القضاء على هذه المشكلة، مع منع العمالة المخالفة من النمو والتمدد على حساب مصلحة الوطن والمواطن، ولن يأتي ذلك إلاّ من خلال إقرار نظام واضح وصريح. ويأمل المواطنون أن تأتي الإجراءات التي نفذتها وزارتا الداخلية والعمل فيما يتعلق بتصحيح أوضاع العمالة بنتائج جيدة للقضاء على التستر، لكن الشيء المنطقي الذي تجب مراعاته في حملة التصحيح هو أن المشكلة التي تراكمت منذ عشرات السنين لا يمكن تصحيحها في ستة أشهر، وإنما تحتاج ما لا يقل عن عام حتى تأتي بنتائج مرجوة، كما يجب أن لا نصحح اليوم وضع هذه العمالة ونكتشف بعد عام أو عامين أن الأمور عادت كما كانت عليه، وأننا نحتاج إلى تصحيح جديد، فالمهم أن لا تتكرر الأخطاء، وأن تكون خطوة التصحيح حلاً جذرياً لكل المشاكل التي عانى منها الوطن؛ بسبب مخالفة أنظمة الإقامة من مختلف الجنسيات. وطرح مختصون حلولاً من شأنها أن تُقلل من "مشكلة التستر"، وربما القضاء عليها وهي: (أولاً) عدم منح الترخيص لأي مشروع إلاّ بعد دراسة الجدوى الاقتصادية منه؛ لأن معظم حالات التستر تكون في الورش ومحلات البيع الصغيرة، (ثانياً) أن يكون استقدام العمالة انتقائياً، فلا نستقدم إلاّ من كان لديها المعرفة الفنية، حتى تُساهم في رفع اقتصاد الوطن بخبرتها ومهارتها وليس بمخالفتها للأنظمة، (ثالثاً) يجب أن يكون هناك رقابة شديدة من قبل مؤسسة النقد والبنوك على حجم تحويلات العمالة الوافدة، ومقارنة هذه التحويلات بالمهنة المسجلة في إقامة العامل، فإذا وجد أن التحويلات غير متفقة مع تلك المهنة وأنها بمبالغ كبيرة، فهذا دليل على أن ذلك العامل يعمل بالتستر، (رابعاً) أن لا تزيد مدة إقامة العامل على خمسة أعوام؛ لأن هناك عمّالاً أصبحوا مقيمين منذ أعوام، وهذا ساهم في إعطائهم الفرصة للعمل في التجارة بنظام "ما أحد درى عني"! إعادة نظر وقال "د. نايف الشريف" -أستاذ القانون التجاري بكلية الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز-: إننا بحاجة إلى إعادة النظر في الآلية القانونية التي تسمح بإنشاء المحلات التي تعطي الفرصة للتستر، وأن يكون لدى وزارة التجارة إستراتيجية للغاية من وجود السجل التجاري، وكذلك تفعيل الأنظمة بشكل يمكن من ضبط المشكلة؛ لأن معظم الحالات تكون في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مضيفاً أن عملية ضبط التستر وكشفه تتطلب وضع آلية أكثر وضوحاً، خاصة أن معظم المتسترين تجار كبار ومنتفعون، ولاشك أن كشف الموضوع عملية معقدة، لكن من خلال وضع رقابة على تحويلات العمالة يمكن أن تكون مؤشراً على وجود تستر، عبر ربط التحويلات المالية بالمهنة المسجلة في إقامة العامل، مشيراً إلى حملة تصحيح أوضاع العمالة ستكون جزءا مهما من محاربة التستر، لكن يجب أن نضع في الحسبان أن تصحيح وضع هذه العمالة التي مضى على وجودها عشرات السنين لا يمكن أن يتم في عدة شهور؛ لأن الفترة المعطاة الآن تفرغ المهلة من محتواها، لهذا نحن بحاجة إلى مدة أطول. هيئات قضائية وشدّد "د. الشريف" على أهمية وضع تدابير تساهم في عدم تكرار المشكلة مرة أخرى، وبعد أن تنتهي المهلة تكون هناك محاكمات لمخالفي نظام الإقامة مثلما هو متبع في أوروبا، حيث أن كل شخص يخالف نظام الإقامة يصدر عليه حكم قضائي، ويوضع في القائمة السوداء، مع تعيين هيئات قضائية متخصصة، تصدر أحكامها بصورة سريعة، موضحاً أن من الإجراءات التي يمكن أن تساهم في منع التستر عدم السماح بمنح الترخيص لأي مشروع إلاّ بعد دراسة الجدوى الاقتصادية منه؛ لأن معظم حالات التستر تكون في الورش ومحلات البيع الصغيرة بمختلف أنواعها وفي البوفيهات وما شابه ذلك، مطالباً بأن يكون استقدام العمالة انتقائياً، فلا نستقدم إلاّ من لديها المعرفة الفنية، مقترحاً إعادة النظر في الاستقدام من بعض البلدان؛ لأن عمالتها تعمل الكثير من المخالفات التي لها انعكاسات سلبية أمنياً واجتماعياً واقتصادياً. توعية إعلامية وأكد الأستاذ "أيمن النفجان" -رجل أعمال- على أن مشكلة التستر التجاري لها أضرار كبيرة على اقتصادنا على المدى القريب والبعيد، ويجب أن ندرك ذلك جيداً، حتى لا نصبح مجرد "متفرجين" على هذه المشكلة، مطالباً بتبني توعية إعلامية شاملة ومكثفة وفاعلة لتعريف المواطن بأضرار هذه المشكلة؛ لأن هناك شريحة كبيرة في المجتمع لا يعلم الناحية الشرعية في هذا الموضوع، وأنه لا يجوز شرعاً، مضيفاً أنه من المفارقات أنك تجد شخصا متسترا ويشتكي أن أولاده لا يجدون عملا، وينسى أنه هو السبب في ذلك، فالتستر له آثار سلبية على اقتصاد الوطن، وكذلك صحة المواطن وأمنه، مبيناً أن البعض لا يدرك ذلك، مما جعل له في بلادنا سوقاً منظمة يصعب كشفها، مشيراً إلى أن من الحلول التي يمكن أن تساهم في القضاء على التستر هو إلغاء نظام الإقامة، ويستبدل بعقد من الجهة التي يعمل فيها العامل، أو أن لا تزيد مدة إقامة العامل في البلد عن خمسة أعوام؛ لأن هناك عمّالاً أصبحوا مقيمين في البلد منذ سنوات، وهذا ساهم في إعطائهم الفرصة للعمل في التجارة بنظام التستر، ذاكراً أنه من الحلول ربط تجديد الإقامة بشروط محددة. احتكار تجاري وأوضح "النفجان" أن هناك موضوعا ساهم في التستر، ألا وهو "الاحتكار التجاري"؛ لأن كثيرا من التجار المحتكرين في السوق يلجؤون للتستر لترويج وتصريف بضاعتهم، مؤكداً على أن وجود أنظمة تحارب الاحتكار ستحد من التستر بشكل كبير، وهذا يتطلب من يقف وراءه، ويساهم في استمراره، مبيناً أن لدينا مفهوما سلبيا وهو أن المواطن لا يمكن أن ينجح، وهذا مفهوم يروج له المستفيدون من التستر الخفي، مشيراً إلى أن علاج ذلك هو السماح لمن لديه القدرة المادية من غير المواطنين في ممارسة العمل التجاري في الضوء، وتكون له إجراءات خاصة، بحيث توفر له الخدمات مقابل رسوم يدفعها، ومن خلال ذلك يستفيد اقتصاد الوطن بدلاً أن تذهب إلى جيوب بعض المستفيدين. رقابة شديدة واقترح "د. سالم باعجاجة" -أستاذ المحاسبة بكلية العلوم الإدارية والمحاسبة بجامعة الطائف- أن تكون هناك رقابة شديدة من قبل مؤسسة النقد والبنوك على حجم تحويلات العمالة الوافدة، ومقارنة هذه التحويلات بالمهنة المسجلة في إقامة العامل، فإذا وجد أن التحويلات غير متفقة مع تلك المهنة وأنها بمبالغ كبيرة، فهذا دليل على أن ذلك العامل يعمل في المجال التجاري بطريقة التستر، وقد يكون أحد الحلول لكشف المشكلة، مُشدداً على أهمية أن يكون المواطن متعاونا في هذا الجانب حماية للاقتصاد الوطني، فكل عامل يجب أن يعمل حسب الضوابط التي تم استقدامه بموجبها وليس من حقه أن يصبح تاجراً، مبيناً أن الإجراءات التي تعملها وزارة الداخلية ستساهم في كشف هذه المشكلة وقد بدأت نتائجها تظهر في الفترة الحالية. وأشار إلى أن الإجراءات التي اتخذت مؤخراً في إحدى دول الخليج بفرض ضريبة على تحويلات المقيمين تعكس خطورة وضخامة تلك التحويلات، التي تصدر نسبة كبيرة من دخل الوطن إلى الخارج، مطالباً بأن تتابع وزارة المالية هذه التحويلات حفاظاً على اقتصادنا؛ لأن حجم التحويلات من الوافدين في المملكة يفوق بنسبة كبيرة حجمها في تلك الدولة. التستر على العمالة أخطر على الاقتصاد الوطني من المخالفين للنظام د. نايف الشريف د. سالم باعجاجة أيمن النفجان