وقد استجد أكثر من أمر بخصوص المتابعة التاريخية لل"هيكسوس"، ومنها تزايد المكتشفات الآثارية في الآونة الأخيرة إذ اكتشف عام 2009 في تل الضبعة (محافظة الشرقية) أختام بابلية، وقصور ومنازل عدة تعاصر أحد حكامهم الملك جيان (1653-1614 ق.م)، وفي عام 2013 في تل حبوة (قرب قناة السويس) اكتشفت قلعة ثارو ومبان إدارية أخرى بالإضافة إلى خربة من الحرائق والهياكل العظمية التي تؤرخ لنهاية تواجدهم. وهذا البحث يحاول تجربة أرض وعرة ليجعل من الخيال مطية تلاعب الذاكرة والنسيان باعتبار أن التاريخ أدب ينتج مجازاته، فهو ابن عصره وظروفه الزمانية والمكانية، فالشعوب حين تقرر ترك أثر عنها تحاول أن تعرف من سبقها ومنجزاته الحضارية وتقدم منجزاتها هي أيضاً لتضع تخطيطاً عمودياً أما تاريخ الفنون والآداب يعتمد التخطيط الأفقي لا يعدم من وسائليته ووسائطيته وإنما يعيش بحسب حركة الإنسان ويمثل تجربته الفردية والجماعية ويموت معه ويحيا به. التسجيلات الصوتية والمرئية، في القرن العشرين، جعلت من الشاهد متحفاً متحركاً، فلا تغدو العناصر الثقافية المشتركة ( القول، الكلمة، اللحن، الصوت، الحركة..) غير مجرد وسائط ووسائل لا أكثر. يستعاد الأثر الثقافي بوصفه شاهداً كلما تقادم زادت شهوديته وفقد صلاحيته برغم حيوية إعادة تمثله في تسجيل مغاير وأصوات أخرى وإنما يظل يعبر عن ماض يخاطر بالنسيان وتغدو الذاكرة حبيسة الشاهد لا المنتج. لقد بقي أدب عربي من الشعر والقص وأيام العرب وأخبار الملوك والأمم.. لكنه مجرد شواهد فقدت الأداء والقول والحركة تحول إلى أرشيف. هذا الأرشيف هو مواد متحفية صماء. وضع أبو الفرج الأصفهاني (ت.997م)، في القرن العاشر الميلادي، كتابه الضخم متعدد المجلدات "الأغاني" عبارة عن نصوص تلك الأغاني وتراجم منتجيها لكننا لا نسمعها بصورة زمنهم ولا مكانهم، ولا هي تتحدث عن نفسها. وقد واصل تدوين هذه الكتب آخرون، على مر عصور الثقافة العربية، مثل ابن واصل الحموي (697 ه) في القرن الحادي عشر في كتابه "تجريد الأغاني"، والمقري (ت.1631) في كتابه "نفح الطيب"، وفي القرن الثامن عشر محمد الكنجي والقرن العشرين أنجز ذلك قسطندي رزق. أرشيف الغابرين؛ أرشيف لا يقول شيئاً إلا أسماء ونصوص. مجرد حروف مركبة في كلمات في عبارات. إنها أزمنة لا نسكنها وإنما الكتابة جعلت منها أرشيفاً يستعاد بحواسنا الناقصة.