يكثر الكلام هذه الأيام عن البترول ومدى أهميته في تطورات النمو الاقتصادي بالعالم أجمع خصوصاً مع استمرار الزيادة بالطلب العالمي السنوي على هذه المادة الطبيعية «غير المتجددة» وذلك من قبل الدول الصناعية الغربيةواليابان مع ما نشهده من تطور في زيادة الطلب من قبل الدول النامية مثل الصين والهند حيث يبلغ أجمالي معدلات تلك الزيادة 7٪ سنوياً يذهب 40٪ من تلك الزيادة للدول الصناعية و60٪ منها يذهب للصين والهند حيث تعيش هذه الدول تطوراً مدنياً هائلاً أدى إلى ارتفاع مستوى المعيشة فيها مما ادى إلى حدوث زيادة مطردة بمعدلات استهلاكها للبترول كل عام وبمقابل ذلك نلاحظ أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في الطاقة الإنتاجية الفائضة في أغلب الدول المنتجة للبترول الاعضاء بمنظمة أوبك ناهيك عن بقية الدول المنتجة من خارج المنظمة المذكورة.. وهذا الاستهلاك نجد أن نسبة كبيرة منه قد وظفت في سد حاجة وسائط النقل الخاصة التي كثر اقتناؤها بتلك الدول نظراً لارتفاع مستوى المعيشة فيها والتي رفعت معدلات استهلاكها للبترول عالياً مع عدم وجود بديل آمن حتى الآن يغني عن البترول، بينما في الوقت الحاضر نلاحظ تناقص الاعتماد على البترول في قطاع توليد الكهرباء من 30٪ عام 76 إلى 6٪ الآن نظراً للتوسع في استغلال الغاز المصاحب للبترول حيث يتم استعمال هذا الغاز بديلاً عن البترول في توليد الكهرباء، كما ان هذا الغاز استغل في قطاعات الصناعة المختلفة وبخاصة في مجال البتروكيماويات فخفف كثيراً من استهلاك البترول لاغراض الصناعة. لقد عاش العالم طفرة سعرية مفاجئة عام 73م بسبب ما يسمى الصدمة البترولية الاولى فارتفعت الأسعار بسببها من 3 دولارات للبرميل إلى ما يقارب ال 40 دولاراً آنذاك وذلك لاضطرار أمريكا على أن تعتمد على البترول المستورد لسد حاجاتها من البترول نظراً لبدء انخفاض انتاجها الداخلي في ذلك الوقت ونجد هذه الأيام دولة مثل اندونيسيا بدأت تستورد البترول وبعضاً من مشتقاته من الخارج لعدم كفاية انتاجها لسد حاجة الطلب المحلي على الرغم من انها تعتبر عضواً فاعلاً في منظمة أوبك مما يؤكد لنا ان استمرار الزيادة بالطلب على البترول وبمستوى هذه الوتيرة المتصاعدة سوف تقابل حتماً بنقص في امدادات البترول بالمستقبل المنظور لعدم قابلية تجدد هذه المادة خاصة وأن عملية استشكاف مكامن بترولية جديدة أو تطوير الإنتاج في حقول قائمة يحتاج إلى توفير موارد مالية ضخمة يصعب تجهيزها حتى تستثمر في انشاء البنى التحتية اللازمة للانتاج والتصدير مع ما يلزم تلك الاستثمارات من استقرار أمني بالدول المنتجة.. وخير دليل على ذلك هو عدم مقدرة العراق حالياً على الوفاء بالتزاماته التصديرية من البترول على الرغم من انه يملك طاقة انتاجية عالية نسبياً فنجده يصدر من البترول أقل بكثير من طاقاته تلك نظراً للاضطرابات الأمنية فيه، مع التأكيد على أهمية دور الأوضاع السياسية العالمية غير المستقرة بالعالم في دفع أسعار البترول للصعود إلى الأعلى مثلما حصل في عام 73م من اضطرابات سياسية بمنطقتنا العربية دفعت أمريكا والدول الصناعية الغربيةواليابان إلى بناء خزين استراتيجي من البترول خططت ليكفيها لمدد تصل إلى 90 يوماً خشية من أية طوارئ.. فاحدث هذا الخزين زيادة في الطلب على البترول في ذلك الوقت مما أدى إلى ارتفاع أسعاره عالمياً. ومن الجدير بالذكر أن معدل عدد أيام الاستهلاك التي يستطيع أن يغطيها هذا المخزون التجاري في تلك الدول الصناعية الغربية قد بلغ 53 يوماً فقط حسب دراسات فنية جرت في الربع الاول من هذا العام.. وهذه هي الصين تتبع الأسلوب نفسه الآن حيث قامت مؤخراً بالبدء ببناء خزين نفطي استراتيجي مما أدى إلى ارتفاع الأسعار حالياً مع ما يشهده العالم أصلاً من نمو في الطلب العالمي وانخفاض في المعروض من خارج دول أوبك ومحدودية الطاقات الإنتاجية الفائضة وكذلك انخفاض طاقات إنتاج مصافي التكرير بالعالم كل هذه العوامل أدت بالنهاية إلى رفع أسعار البترول في وقتنا الحاضر حتى وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من قبل لتبلغ 67 دولاراً تقريباً للبرميل وبالرغم من وصولها لهذه المستويات السعرية العالية إلا أننا لم نجد من الدول المستهلكة للبترول ما يدل على رفضها وعدم قبولها لتلك الأسعار بل أن هذه الأسعار وبناء على دراسات صندوق النقد الدولي وبنك آسيا للتنمية تعتبر مقبولة.. فهل يعيش العالم الآن الصدمة البترولية الثانية؟.. إن الحديث عن البترول يجرنا عنوة للتطرق إلى دور منظمة الدول المنتجة والمصدرة للبترول «أوبك» التي تعمل وبشكل مستمر في ايجاد معادلة تتحقق مع وجودها مصالح المنتجين والمستهلكين معاً حيث إنها تنتج أكثر من ثلث حجم الطلب العالمي على البترول والمقدر حالياً بأقل من 80 مليون برميل يومياً تقريباً ومن المتوقع أن يصل حجم هذا الطلب خلال العشرين سنة القادمة إلى 108 ملايين برميل يومياً تقريباً عندها تصل نسبة ما سوف يغطيه إنتاج أوبك من هذا الحجم إلى 60٪ تقريباً وهذا يؤكد أهمية دور دول منظمة أوبك في سد حاجة العالم من البترول وبالرغم من كل هذه الأهمية لدول أوبك الا انها كثيراً ما تعرضت لضغوط دولية كبيرة خلال السنوات الماضية دفعتها لرفع إنتاجها من البترول للوصول بالأسعار لمستوى سعري يخدم المستهلكين بالمقام الاول دون الاكتراث لما تسببه تلك الضغوط من هدر لثروات طبيعية ناضبة مع عدم اهتمام أصحاب تلك الضغوط بمصالح الدول المنتجة للبترول، وانني اجدها فرصة لاذكر الجميع بموقف حكومة خادم الحرمين الشريفين الحريصة على استقرار الاقتصاد العالمي.. هذا الموقف الداعي لاقامة مؤتمر دولي للطاقة بمدينة الرياض اواخر هذا العام ليتدارس فيه المنتجون والمستهلكون من دول ومنظمات وشركات دولية تلك التي تعنى بشؤون البترول كافة الأمور المتعلقة بهذه المادة الحيوية بالنسبة للعالم ليخرجوا من هذا المؤتمر بتوصيات تخدم مصالح العالم أجمع.. وبرأيي أن أهم تلك التوصيات يجب أن يتضمن دعوة جميع الدول الكبرى إلى اشاعة السلام في كافة اقطار العالم وبسط الأمن الدولي لتتوافر المناخات الاستثمارية المناسبة تلك المناخات التي تشجع الجميع على ايجاد مكامن بترولية جديدة ليتم استغلالها بانتاج مزيد من البترول لسد حجم الطلب العالمي المتنامي على هذه المادة حتى يتم تخفيف الضغط على معدلات انتاج البترول في الدول المنتجة له حالياً مع دفع الجميع باتجاه العمل الجاد والمخلص على ايجاد وتطوير بدائل للبترول يتم من خلالها اطالة أمد الاستفادة مما تبقى منه بالعالم ليتم معه ابعاد شبح نضوب هذه المادة الاستراتيجية عن العالم ما أمكن.. وارى أن يرفع المؤتمرون شعاراً واضحاً جلياً مفاده «نريد بترولاً طويل الأجل» خاصة بعدما ثبت للجميع فشل النظرة التي ظهرت بثمانينات القرن الفائت التي تقول إن رفع أسعار البترول سوف يؤدي إلى ظهور حقول ومناطق إنتاج جديدة في العالم وهذا سوف يؤدي إلى قلة الاعتماد على بترول دول أوبك ومن ثم تنخفض أسعار البترول من جديد.. فهذه النظرية قد ثبت فشلها الآن لأنها لم تأخذ في حسبانها عامل تزايد نمو الاقتصاد العالمي بشكل عام مع ظهور دول نامية تطورت سريعاً مثل الصين والهند وبوتيرة متصاعدة يضاف لها دول اخرى مثل كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة والفلبين حتى باتت تلك الدول تمثل مركز ثقل اقتصادي مهم جداً، وكذلك لم تأخذ تلك النظرية بحساباتها تراجع انتاج البترول في عديد من الدول ومحدودية تطوير معدلات الإنتاج في دول اخرى مثل دول بحر الشمال مع وصول العديد من دول أوبك حالياً لطاقاتها الإنتاجية القصوى وكذلك لم تأخذ في الحسبان ارتفاع معدلات النمو السكاني العالمي مع ارتفاع مداخيل دول العالم الصناعي ومعها الدول الصناعية النامية بشكل عام، فما كان يصلح لذلك الوقت من تنظير ليس بالضرورة أن يصلح الآن.. كل هذا يجب ان يدفع المؤتمرين لأن يتركوا آلية العرض والطلب العالمي على مادة البترول هي التي تحدد السعر العادل لهذه المادة دون التدخل من قبل الدول الصناعية المستهلكة للبترول بالضغط على الدول المنتجة للتأثير على سلوك الأسعار بالضخ الجائر لهذه المادة الناضبة.. وهنا أود ان أذكر الدول المنتجة للبترول على أهمية استغلال مواردها البترولية العالية التي أدت إلى تكون فوائض مالية وفيرة في ميزانياتها السنوية على مدى السنتين الماضيتين بأن تستغل هذه الفوائض بالاستثمار في تنمية رأسمالها البشري من خلال وضعها لخطط تنموية طموحة تعمل على تنمية مواردها البشرية وعليها أن تعتمد رفع جودة تعليم أبنائها بمختلف المراحل الدراسية مع العمل على انشاء صناعات متطورة ببلدانها من شأنها أن تقلل الاعتماد على الاستيراد من الخارج ولتكون منها أداة لمكافحة البطالة بين أبنائها وما سبقنا من دول في هذا المجال لم تكن لتملك مواد خام أو بترول.. الا انها نجحت في تحقيق تنمية بشرية عالية المستوى لمواطنيها يشهد لها التاريخ مثل اليابان والصين ودول شرق آسيا والهند.. لخير دليل على أهمية استثمار وتطوير الموارد البشرية بالنسبة لجميع الدول لأن الاستثمار الحقيقي يكمن في تنمية الموارد البشرية فيها من خلال العمل على دفع ادائها نحو الأفضل. ٭ جيولوجي [email protected]