تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مُؤخراً العديد من الصور حملت شكاوى المعلمات العاملات في القرى والهجر، حيث يعانين من صعوبة التنقُّل من مقارِّ سكنهنَّ إلى مدارسهنَّ؛ مما دفع "الرياض" لتأخذ زمام المبادرة وتعيش هذه التجربة من بدايتها إلى نهايتها على أرض الواقع، حيث رافقنا بعض المعلمات رحلة الوصول إلى مدارسهنَّ عبر إحدى الحافلات التابعة لإحدى شركات النقل المُتخصِّصة في هذا الجانب، وذلك بالانتقال إلى المدرسة الابتدائيَّة الأولى في "هجرة الدراويش" التي تبعد حوالي (450 كم) عن مدينة "الرياض"، وقضاء يومٍ دراسيٍ كاملٍ برفقة أولئك المعلمات داخل أروقة المدرسة، ثمَّ الانتقال إلى مقر سكن بعضهن في الهجرة، وحتى عودة المعلمات إلى مقار سكنهنَّ بمدينة "الرياض"، فكان أن خرجنا بالحصيلة التالية: قبيل أذان الفجر بعد أن انطلقنا من مدينة "الرياض" قبيل أذان صلاة الفجر وكان ذلك عند الساعة الثالثة صباحاً تقريباً، وصلنا إلى المدرسة عند السابعة وخمس وأربعين دقيقةً تقريباً، وتضمنت رحلتنا توقفاً مؤقتاً للحافلات في إحدى محطات البنزين على الطريق؛ وذلك لأداء صلاة "الفجر"، وأثناء سير حافلتنا على الطريق المؤدِّي إلى المدرسة رصدت عدسة "الرياض" عدداً ليس بالقليل من الحافلات التابعة لشركات مُتخصِّصة في نقل المعلمات للعديد من القرى والهجر التابعة لمنطقة "الرياض"، وقد كانت هذه "الحافلات" تجتمع تارةً وتفترق تارةً أُخرى على طريق يكتسي بالإسفلت أحياناً وبالتراب أحياناً أُخرى تتخلله بعض المنحدرات والمرتفعات والمُنحنيات الخطرة المُفاجئة، وقد كانت "الحافلة" الواحدة في كثير من الأحيان تُقلُّ بداخلها معلمات يتم نقلهنَّ إلى أكثر من هجرةٍ واحدة. وما إن بدا لنا مبنى مدرسة هجرة "الدراويش" إلاَّ وتبيَّن أنَّه عبارةٌ عن مبنىً قديم يبدو عليه الطابع السكني الخاص أكثر من كونه شكلاً من الأشكال التقليديَّة للمباني المُخصَّصة للمدارس، إذ إنَّ المبنى بالفعل كان مُخصصاً للسكن قبل أن يغادره مالكه الأصلي برفقة أفراد أُسرته ليتم استئجاره وتخصيصه كمبنى لهذه المدرسة. مقصف المدرسة وخلال جولة لنا داخل المدرسة استطعنا رصد العديد من الصعوبات والعقبات التي تعاني منها معلمات المدرسة ومنسوباتها في سبيل أدائهنَّ لهذه الرسالة العلمية العظيمة، ومن ذلك الحاجة إلى تأمين وسائل مواصلات آمنة ووسائل مُعينة على تحسين بيئة العمل، ورغم مايلاقينه من عناء إلاَّ أنَّنا لاحظنا الهمة العالية التي بدت على ملامحهن في سبيل إيصال هذه الرسالة وأدائها على الوجه المطلوب وفق الإمكانات المتاحة. صيانة دوريَّة وأوضحت "جميلة السهلي" –مديرة مدرسة هجرة الدراويش- أنَّها أمضت أربعة أعوام مديرةً للمدرسة، مُضيفةً أنَّ مبنى المدرسة غير مُهيَّأ للعمليَّة التعليميَّة ويحتاج لصيانة دوريَّة، وخاصَّةً في جانب التمديدات الكهربائيَّة، مُوضحةً أنَّها أرسلت مؤخراً خطاباً لمندوب "وزارة التربية التعليم" بالمنطقة؛ لإخلاء مسؤوليتها عن أيّ حادثٍ قد ينتج عن هذا الوضع المُزري لتمديدات الكهرباء المكشوفة داخل المدرسة – على حد رأيها-، مُبديةً قلقها وتخوّفها مِمَّا يمكن أن تؤول إليه الأمور مُستقبل في هذا الشأن، وخاصةً في فصل الشتاء، مُشيرةً إلى أنَّ كون الساحة الداخليَّة للمدرسة مكشوفةً بالكامل أدَّى إلى عدم إخراج الطالبات من فصولهنَّ أثناء هطول الأمطار خوفاً عليهن، إلى جانب الاضطرار إلى التوقف عن العمل حينما تهطل الأمطار بغزارةٍ في بعض الأحيان. وأضافت أنَّها طالبت مالك المبنى مراتٍ عديدة بإجراء صيانة لأجهزة التكييف التي تتوقف عن العمل بين الحين والآخر، بيد أنَّه لم يستجب لتلك المطالب حتى الآن، مُشيدةً بالجهود الكبيرة التي يبذلها العديد من أهالي "هجرة الدراويش" في سبيل تحسين بيئة التعليم في المدرسة، مُشيرةً إلى أنَّهم خاطبوا "وزارة التربية والتعليم" من أجل بناء مبنىً حكوميّ للمدرسة، إلى جانب افتتاح فصول المرحلة المتوسطة؛ وذلك نتيجةً لِبُعد "هجرة الحصاة" التي تُعدُّ أقرب الهجر المحتوية على مبنى مدرسي حكومي يجمع المراحل الدراسية كُلّها، لافتةً إلى أنَّ بُعد هذا المبنى عن بيوت الطالبات أدَّى إلى توقف العديد منهنَّ عن إكمال تعليمهنَّ، مُؤكِّدةً على أنَّ جهود الأهالي نتج عنها صدور موافقة الجهات المعنيَّة على فتح فصل للصف الأول المتوسط هذا العام في المبني القديم للمدرسة. ولفتت إلى أنَّ عمليَّة إيصالها إلى المدرسة تتطلَّب دفع مبلغ مالي يصل إلى (2000) ريال شهريَّاً، وذلك من "هجرة الرويضة" القريبة من "هجرة الدراويش"، مُوضحةً أنَّ اجتماع المعلمات القادمات من مدينة "الرياض" وضواحيها في "حافلة" واحدة قلَّل قليلاً من المبلغ المطلوب من كُلِّ معلمه ليصل إلى حوالي (1800) ريال في الشهر. يسكُنَّ منازل مسقوفة ب«شينكو» وطريق العمل «يخوّف» معاناة يوميَّة ولمعاناة معلمات الهجر من الطريق المؤدِّي إلى مدارسهنَّ قصة أُخرى تروي جانباً من تفاصيلها "شريفة الجميري" –معلمة مادة العلوم-، بقولها : "تحاول شركات نقل المعلمات استغلال حاجتنا لهذه الخدمة؛ نظراً لعدم إمكانيَّة وصولنا إلى مدارسنا إلاَّ عن طريقهم"، مُضيفةً أنَّ المعاناة هنا تتمثَّل في عدم وجود مصادر معروفة وموثوقة تمكننا من التأكُّد من مصداقيَّة مالكي هذه الشركات فيما يتعلَّق بالرسوم التي يتم الحصول عليها مقابل هذه الخدمة، إلى جانب معاناتنا من الساعات الطويلة التي نقضيها على الطريق وخروجنا من منازلنا قُبيل الفجر. وأضافت أنَّ بعض سائقي "الحافلات" يعمدون إلى استغلال حاجة المعلمات لهم في ظل معرفتهم التامة بالطريق ومن ثمَّ إشعارهنَّ بعدم وجود من يُقلهن إلى مكان العودة، وبالتالي فإنَّهم بذلك يحاولون ممارسة الضغوط عليهنَّ من هذا الجانب كنوعٍ من الاحتكار بمُجرَّد التفكير باستبدالهم أو تغيير وسيلة النقل أو عندما يتأخرن في الخروج من المنزل في صبيحة كلِّ يوم، مُشدِّدةً على ضرورة وجود جهة معتمدة تعمل على تنظيم عمل هذه الشركات بشكلٍ يضمن كافَّة حقوق المعلمات، ولاسيَّما في حال تمَّ عدم مجيء أو تأخُّر سائقي هذه "الحافلات" لأيّ سبب من الأسباب لنقل المعلمات في أحد الأيَّام، الأمر الذي ينتج عنه تأخرهنَّ في الوصول إلى مدارسهنَّ في الوقت المطلوب. وأشارت "شريفة الجميري" إلى أنَّ بدل المواصلات الذي تحصل عليه المعلمات شهرياً لا يتعدَّى (450) ريالاً، أيَّ أنَّه يُمثِّلُ رُبع المبلغ المطلوب الذي ينبغي على كُلِّ مُعلِّمةٍ دفعه شهريَّاً أجوراً للمواصلات، داعيةً الجهات المعنيَّة إلى زيادة مبلغ بدل المواصلات على الأقل للمعلمات اللاتي يعملن في القرى والهجر والأماكن البعيدة عن أماكن سكنهنَّ، لافتةً إلى أنَّهنَّ يواجهن العديد من الصعوبات على الطريق المؤدِّي إلى مدارسهنَّ بشكلٍ يوميّ، وخاصّةً حينما تتعطَّل "الحافلة" التي تنقلهن، الأمر الذي يستدعي انتظارهنَّ طويلاً على الطريق حتى تأتي "حافلةً" أُخرى لتنقلهنَّ، مُبيِّنةً أنَّ الحال يزداد سوءاً عندما تتعطَّل "حافلةً" أُخرى تابعةً للشركة نفسها، إذ أنَّ الأمر يتطلَّب من السائق أن يعود بهنَّ إلى مكان توقف تلك الحافلة لنقل من فيها من معلمات، حتى لو أدَّى ذلك إلى العودة من مُنتصف الطريق أو أبعد من ذلك بكثير. لدغة عقرب وتروي "جميلة السهلي" –مديرة المدرسة- قصةً تُبيِّن جانباً آخر من جوانب المعاناة التي قد تتعرض لها المعلمات العاملات في القرى والهجر، بقولها: "تعرَّضت إحدى المعلمات في يومٍ من الأيَّام للدغة عقرب أثناء تأديتها عملها داخل أحد فصول المدرسة، إذ تمَّ نقلها حينذاك إلى المركز الصحي التابع للهجرة، حيث تعامل القائمون عليه مع الوضع بشكلٍ جيِّدٍ –ولله الحمد- رُغم ضعف إمكاناته المُتاحة و قِلَّة تجهيزاته". وضع مُقلق فيما رأت "تغريد القحطاني" –معلمة مادة اللغة العربيَّة- أنَّ الأمر بالنسبة لها يُعدُّ مُقلقاً وغير مطمئنٍ على الإطلاق أن تعمل في منطقةٍ بعيدةٍ جداً عن مقر سكنها بمدينة "الرياض"، إلى جانب عدم توفُّر أدوات الإسعافات الأوليَّة داخل المدرسة، وكذلك افتقاد المركز الصحي الذي يخدم ساكني الهجرة إلى الوسائل الإسعافيَّة الجيّدة والضروريَّة، مُشيرةً إلى أنَّ إحدى زميلاتها بالمدرسة تعرَّضت مؤخراً لالتهابٍ حادٍ في المسالك البوليَّة جعلَّها تلتوي ألماً وتذرف الدموع في وقتٍ كان المركز الصحيّ قد أغلق أبوابه؛ الأمر الذي أدَّى إلى نقلها بالسيَّارة إلى إحدى الهجر المجاورة لتلقيّ العلاج اللازم هناك، وذلك عقب مرور حوالي ساعتين من بداية تعرُّضها لتلك الوعكة الصحيَّة المُفاجئة. نقص الوسائل التعليميَّة وقالت "منيرة الثبيتي" –معلمة مادة الحاسب الآلي- : "أواجه صعوبةً كبيرة في شرح مادة الحاسب الآلي للطالبات، إذ أشرحها لهنَّ بشكلٍ نظريّ؛ لعدم توفُّر أجهزة الحاسب الآلي في المدرسة". كما شَكَت "شريفة الجميري" –معلمة مادة العلوم- من النقص الكبير في الوسائل التعليميَّة وصعوبة الحصول عليها من خارج المدرسة، رُغم بذلها ومديرة المدرسة قُصارى جهدهنَّ لاستكمال الوسائل التعليميَّة، بيد أنَّ ذلك لم يتم بشكلٍ كامل؛ نظراً لتكلفتها الماديَّة العالية، مُضيفةً أنَّ مبنى المدرسة غير آمن؛ نظراً لعدم وجود مخارج للطوارئ وطفايات حريق وحقيبة الإسعافات الأوليَّة. عاملات نظافة فيما بيَّنت "تغريد القحطاني" –معلمة مادة الرياضيَّات- أنَّه تم تأمين مقصف مدرسي هذا العام لأول مرَّة منذ افتتاح المدرسة، مُضيفةً أنَّ ذلك تمَّ بجهودٍ فرديَّة وبمبادرة من بعض المعلمات، مُوضحةً أنَّ المدرسة بحاجةٍ ماسَّة إلى وجود عاملات نظافة، مُشيرةً إلى أنَّ المعلمات أنفسهنَّ هنَّ من يقمن بتنظيف المدرسة، إلى جانب حاجة المدرسة إلى "برَّادات مياه" جديدة عِوضاً عن القديمة التي أصابها الصدأ؛ مِمَّا يُشكِّل خطراً كبيراً على صحَّة الطالبات والمعلمات. ضغوط نفسيَّة وبعد انتهاء يومٍ دراسيٍّ شاق خرجنا من باب المدرسة متوجهين إلى سكن إحدى المُعلمات وذلك في "هجرة الحصاة" التي تُعدُّ أكثر تطوراً مُقارنةً ب "هجرة الدراويش"، ورُغم أنَّ هذا السكن يُعدُّ بمثابة مصدر مؤقت لراحة بعض المعلمات إلاَّ أنَّ الأمر لا يخلو من وجود بعض الضغوط النفسيَّة على المعلمات، إذ بيَّنت "عبير عبدالله" -معلمة مادة اللغة العربية- أنَّها تعاني ضغوطاً نفسيَّةً ناتجةً عن تشتُّت أفراد أُسرتها، مُضيفةً أنَّها تضطر إلى اصطحاب ابنتها الصغرى لتدرس وتسكن معها، بينما تتواجد ابنتها الكُبرى التي تدرس بمدينة "الرياض" عند جدتها، فيما يتواجد زوجها في المنزل بمفرده. فيما قالت زميلتها في السكن نفسه "نوف علي" -معلمة مادة الدراسات الإسلامية- : "مسكننا هذا غير ملائم للسكن ولا تتوفَّر فيه أدنى الدرجات المطلوبة للراحة والاستقرار بعد عناء يومٍ دراسيّ شاق، إلى جانب أنَّنا نُعاني كثيراً من سوء الطريق، وخاصَّةً أنني حاملٌ في الأشهر الأخيرة من الحمل"، مُضيفةً أنَّ سوء الطريق مابين المدرسة ومقر السكن بما فيه من مطبات ووعورة يُشكِّل خطراً يتهدَّد سلامتها. حيوانات مفترسة وخلال تجوّلنا داخل السكن وخارجه وجدنا أنَّه سكناً غير مؤهلٍ وغير مُلائم لسُكنى المعلمات؛ وذلك لافتقاده لأدنى مُقوِّمات المسكن المُناسب، لدرجة أنَّه سُقِف بسقفٍ من مادة ال "شينكو" التي لاتقي من حرارة أو برودة صيفاً وشتاءٍ في تلك الهجرة، كما أنَّ عدداً من المعلمات أشرن إلى أنَّ هذا السقف لم يتم بناؤه إلاَّ بعد أن تمَّ تهديدهن مالكة السكن بالخروج منه لعدم استيفائه للشروط اللازمة التي تجعله في حالةٍ تسمح بسكنهنَّ فيه، لافتاتٍ إلى أنَّ المكان هنا يبقى مُوحشاً ومُخيفاً، وخاصَّةً مع وجود بعض أنواع الحيوانات المفترسة كالذئاب، إلى جانب وجود الحشرات السامَّة كالعقارب. وفي نهاية هذه الرحلة ودعنا الهجرة وعدنا مع المعلمات في رحلة العودة الطويلة للوصول إلى بيوتنا، إذ تمَّ وصولنا إلى مدينة "الرياض" قُبيل أذان صلاة المغرب بدقائق معدودة، تاركين هؤلاء المعلمات ليبدأن مرحلة الاستعداد لتفاصيل رحلة معاناة أُخرى مُشابهة في اليوم التالي، وذلك بعد بضع ساعات فقط من هذا التوقيت. باص المعلمات من الداخل وقد حوَّلنه إلى مجلس نتيجة طول المسافة بداية طريق «هجرة الحصاة» في الطريق الى الهجرة والظلام لا يزال مخيماً على كُلِّ شيء إحدى حافلات نقل المعلمات على الطريق برادات الماء تبدو مُتهالكة سكن المعلمات من الخارج مبنى المدرسة كما يبدو من الخارج سقف سكن المعلمات كما بدا من الداخل