كنت جالسا في عيادتي المسائية ذات ليلة وإذا بهاتف جوالي يَرِّن وإذا به اتصال من زوجتي تخبرني أنها ستذهب لزيارة أم سعيد جارتنا الطيبة وذلك لتتحمد لها بالسلامة فقد أجرت منذ 3 ايام عملية استئصال للمرارة بالمنظار ولكنها للأسف حدث لها مضاعفات جراحية جعلت الأطباء يوصون ببقائها تحت الملاحظة مدة أطول مع إمكانية أن تخضع لعملية جراحية أخرى لإصلاح ما حدث أثناء العملية الجراحية الأولى. وهنا أمطرتني زوجتي العزيزة بسيل عارم من الأسئلة، أليس من المفروض أن تكون عملية المرارة بالمنظار وأليست عملية بمضاعفات قليلة ونادرة الحدوث؟ أليس من المفترض أن تكون عملية يوم واحد وتخرج من المستشفى في اليوم التالي، أليس، أليس......... دون توقف وأنا أحاول بين كل سؤال وآخر أن أجيب عليها بالمختصر الذي يهدئ من غضبها وحرقتها على جارتنا العزيزة بينما يجلس أمامي أبوصالح - مريضي الذي عرفته منذ سنوات فهو زبون دائم في عيادتي – بكل صبر وهدوء ولكن عندما بدأت علامات عدم الارتياح والملل على وجهه أنهيت المكالمة مع زوجتي العزيزة بلباقة قلما أوفق إليها واعدا إياها أن أجيب على كل أسألتها بعد عودتي من عيادتي. من منا لم يسمع عن عزيز أو قريب أو جار أو زميل خضع لعملية استئصال المرارة جراحيا بالمنظار وغادر المشفى بخير وسلامة والحمدلله ولكن القليل منا لديه أحد من معارفه خضع لهذه العملية ووقع بعدها مضاعفات مختلفة له. فما هي المرارة ؟! هي ذلك العضو الكمثري الشكل الذي يقع تحت الكبد وتحت القفص الصدري في الجانب الأيمن من البطن ويعمل على تخزين وتركيز العصارة الصفراوية التي تفرزها الكبد يومياً والتي تتكون من ماء وكولسترول وأملاح صفراء. تنقبض المرارة السليمة مفرزةً العصارة عند تناول الطعام. تساعد العصارة الصفراوية الجسم على امتصاص الدهون من الوجبات الدسمة، والفيتامينات التي تذوب فيها. ومن نعم المولى التي لا تعد ولا تحصى علينا نحن بني آدم أن الجسم لا يتأثر كثيراً عند فقدان المرارة(بعد استئصالها جراحياً) فهو يتأقلم تلقائياً مرسلاً إلى الكبد ما يذكرها بفقدانه للمرارة. وهكذا تستمر الحياة. عدت عند العاشرة للمنزل فوجدت زوجتي العزيزة قد مرت على مكتبة من المكتبات وقد اشترت أحد الكتب الطبية التي تتحدث عن أمراض الجهاز الهضمي وقد شرعت في قراءة المقدمة. سلمت عليها وقبل أن أغير ملابسي عاودتني بأسئلتها المنهمرة تريد أن تعرف المزيد عن هذا العضو الذي لم يترك أحدا من صاحباتها إلا واشتكت منه وأخبرها الطبيب بوجود حصوات فيه وأنها تحتاج إلى استئصال........وحاولت أن أؤجل الموضوع لوقت آخر إلا أنها أصرت وألحت فما كان من بد أمام هذا الإصرار أذعنت لها وبدأنا نتجاذب الحديث عن هذا العضو المزعج المريح في آن واحد. سألتني * ماالذي يجعل المرارة تؤلم وتتحول من ذلك العضو المفيد إلى ذلك العضو المزعج المضر؟! - تبدأ المشاكل في الظهور عندما تتكون حصوات في المرارة وتأخذ هذه الحصوات طريقها إلى خارج المرارة، عندها تبدأ رحلة المتاعب. المرارة بعد إستئصالها * ولكن كيف تتكون الحصوات وكيف تؤدي إلى مشاكل بل وهل كل من لديه حصوات يشعر بها؟!! - لا ياعزيزتي ليس كل من لديه حصاة يعني أنه سيشتكي منها وقد لا يحتاج إلى أي تدخل جراحي. خلق الله العصارة الصفراوية بمقياس دقيق تكون متماسكة إذا كان هناك اتزان بين نسبة الكولسترول والأملاح و الماء المكون لها. وعند حدوث خلل في هذه البيئة المتزنة وتطغى نسبة الكولسترول كثيراً على غيرها، وقتها تتكون حصى المرارة، وهذا ما يحدث لما يقرب من 10 % إلى 20 % من البالغين بصفة عامة. وهذه الحصى قد تكون صغيرة في حجم حبة الرمل وقد تصل إلى حجم كرة الغولف. عندما تتكون الحصوات في المرارة فهذا يعني أنها أصبحت عضوا مريضا قابلا لجميع الاحتمالات مثل التهابها ومحاولة خروج الحصوات منها إلى القنوات الصفراوية التي تربطها بكل من البنكرياس والأمعاء الدقيقة. فإن كانت من الكبار فإنها تسد عنق المرارة مسببة ألما فظيعا كل مرة نأكل فيها دسماً ولا يخف الألم الإ إذا تحركت الحصاة وزال الانسداد وقلَّ الانقباض. أما إذا كانت الحصوات صغيرات فتأخذ طريقها إلى خارج المرارة الحصى بسد قناة الصفراء مما يسبب التهابات حادة جدا وآلآما بالبطن مع ظهور صفار في العين وارتفاع في درجة حرارة الجسم . وفي مرات قليلة ولكنها الأسواء تستقر الحصى في نقطة التقاء قناة البنكرياس مع القناة الصفراوية المشتركة وهذا يتسبب في حجز إنزيمات البنكرياس مما يؤدي إلى إلتهاب البنكرياس والذي يتفاوت من شخص لآخر من التهاب بسيط إلى آخر مميت. * لماذا أغلب من نسمع بأنهم مصابون بهذا الداء من السيدات؟!! - بالفعل نسبة إصابة النساء بداء حصوات المرارة تصل إلى ضعف التي يصاب بها الرجال. يعود السبب في ذلك جزئياً لوجود هرمون الأستروجين الذي يعمل على تركيز الكولسترول في العصارة الصفراوية، إلا أن هذا الفرق يبدأ في التضاؤل كلما تقدم السن. وكلما تقدم السن بالإنسان كلما زادت نسبة تعرضه للإصابة بحصوات المرارة. وكلما زادت عدد مرات الحمل زادت النسبة. * هل هناك عوامل أخرى غير كوني امرأة ولودا؟! - نعم هناك عوامل أخرى كثيرة أذكر منها على سبيل المثال الإصابة بمرض السكري و أمراض القلب وفقر الدم المنجلي ومرض الإيدز ولا أنس مرض العصر ألا وهو السمنة وزيادة الوزن وكذلك الفقدان السريع للوزن. * وكيف تعالجون المريض في مثل هذه الحاله؟! - إن العلاج الأمثل لاعتلال المرارة هو استئصالها جراحياً باستخدام المنظار وقد يضطر الجرّاح إلى تحويل مسار العملية إلى عملية مفتوحة حيث إن ذلك خاضع لشدة الالتهابات. بعض من الحالات يتطلب استخدام المضادات الحيوية قبل الجراحة للتخفيف من حدة الالتهاب. وفي حالات أٌخَرى حيث الالتهاب اشد أو كون المريض لا يتحمل التخدير يضطر الطبيب المعالج لوضع انبوب عبر الجلد لتحويل مسار العصارة الصفراوية حتى تستقر حالة المريض ومن ثم إجراء الجراحة. حصوات المراره