اختص الله عز وجل بعض عبادة بأن أجرى ويجري على أيديهم أنواعاً من القربات والفضائل التي يحتاجها الناس وبالأخص حجاج بيت الله الحرام: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ). ولقد كان التنافس الشريف من قبل ولاة أمور المسلمين منذ الخلافة الراشدة إلى زماننا هذا في إيلاء المسجد الحرام والمسجد النبوي والمشاعر المقدسة في عرفة ومزدلفة ومنى والمواقيت المكانية التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم بإعمارها وتوسعتها وتيسير الطرق إليها وتأمينها بما يحتاجه الحاج من مستلزمات مستشعرين قول الله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) الآية , وقوله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) . وفي عهد الخلفاء الراشدين ابتدأت التوسعات المباركة، ثم استمرت التوسعات في عهد بني أمية كان أكبرها عام (91) للهجرة. وفي العصر العباسي تواصلت الجهود من الخلفاء في عمارة المسجد الحرام، وفي العصر المملوكي والعهد العثماني جرت زيادات وعمارات. وفي عهد الدولة السعودية الثالثة حصلت أكبر توسعة عمرانية للمسجدين المقدسين ولاتزال جارية حيث ابتدأها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله بأمره بترميم المسجد الحرام ترميماً كاملاً، وفي سنة 1345 و1346 أمر بوضع سرادقات في صحن المسجد ومظلات قوية على حاشية صحن المطاف وتبليط المسعى بحجر الصوان المربع , وهو أول مرة بالتاريخ يرصف فيها المسعى منذ أن فرض الله الحج على المسلمين. وفي سنة 1366ه, أمر بتجديد سقف المسعى بطريقة فنية محكمة، وعمل باب جديد للكعبة. وفي الخامس من ربيع الأول سنة 1375ه ألقى جلالة الملك سعود رحمه الله خطابه التاريخي بالشروع في توسعة المسجد الحرام التي أمر بها والده الملك عبد العزيز رحمه الله، وتضمنت هذه التوسعة بناء ثلاثة طوابق: الأقبية، والطابق الأرضي، والطابق الأول، مع بناء المسعى بطابقيه، وتوسعة المطاف. وفي عام 1377ه أمر الملك سعود بترميم الكعبة المشرفة، واستبدال سقفها الأعلى القديم بسقف جديد، وأبقى على السقف السفلي بعد ترميمه وتغيير الأخشاب التالفة فيه. وعندما تولى الملك فيصل الحكم عام 1384ه واصل رحمه الله إنجاز توسعة المسجد الحرام التي بدأت في عهد أخيه الملك سعود رحمه الله، والتي أمر بها الملك المؤسس عبد العزيز رحمه الله . ومن أهم ما حصل في عهده إزالة البناء القائم على مقام إبراهيم توسعة للطائفين، ووضع المقام في غطاء بلوري، وذلك عام 1387ه. ثم واصل الملك خالد رحمه الله إتمام ما تبقى من عمارة وتوسعة المسجد الحرام، وكان ذلك في السابع من رجب عام 1396ه . ومن الأعمال المهمة في عهده توسيع المطاف سنة 1398ه في شكله الحالي، وفرش أرضيته برخام مقاوم للحرارة. كما أمر رحمه الله بصنع باب الكعبة المشرفة في عام 1399ه , بشكل بديع . وفي عام 1403ه أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله بالتوسعة الكبرى للمسجد الحرام. وفي عام 1406ه أمر رحمه الله بتبليط سطح التوسعة السعودية الأولى بالرخام البارد المقاوم للحرارة وكان من قبلُ غير مهيأ للصلاة فيه. وفي صفر عام 1409ه وضع الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله حجر الأساس للبدء في التوسعة السعودية الثانية، الواقعة غربي المسجد الحرام وتم تكييفها كاملاً. وفي سنة (1411ه) أحدثت ساحات كبيرة محيطة بالمسجد الحرام، وهيئت للصلاة، وذلك بتبليطها برخام بارد ومقاوم للحرارة وإنارتها وفرشها . كما تم في نفس السنة تجديد غطاء مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام . ومن الجدير بالذكر أن مما تم عمارةً للمسجد الحرام في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، هو ترميم الكعبة المشرفة ترميمًا شاملاً لم يحدث مثله منذ سنة 1040ه . وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ابتدأت ملحمة أخرى عظيمة من ملاحم بناء وعمارة المسجد الحرام والمشاعر حيث جرت أعمال توسعة المسعى وزيادة أدواره فلمس الحجاج والزوار لبيت الله الحرام آثار هذه التوسعة المباركة وقلت مظاهر الزحام والتدافع وأصبحت نسياً منسيا بحمد الله. وعزم حفظه الله على توسعة تعد هي الأضخم في تاريخ المسجد الحرام في الجهة الشمالية منه ولا تزال الجهود المتواصلة لتنفيذ هذه التوسعة جارية , كما أن هناك توسعة وتعديلاً للمطاف بفكرة رائدة ستزيد كثافة الطائفين عن ما سبق لاستيعاب الأعداد المتزايدة كل عام من الحجاج والزوار. وكانت التوسعة الكبرى للجمرات الثلاث في منى في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتنظيم الدخول والخروج في تلك الأدوار المتعددة بطريقة انسيابية أبعدت عن الحجاج شبح الخوف الذي كان سائداً عند البعض منهم بسبب التدافع والزحام الشديد وهو ما صار شيئاً من الماضي. هذا ما يخص المسجد الحرام والمشاعر المقدسة في مكةالمكرمة وأما ما يخص المسجد النبوي الشريف ومساجد المواقيت فقد حظيت بأكبر توسعة في التاريخ وستكون توسعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للمسجد النبوي عمارة تتحدث عنها الأجيال بالفخر والاعتزاز والدعاء له على ذلك. وتفصيلها يحتاج إلى مقال آخر إن شاء الله لما له من أهمية كبرى ولضخامة ما جرى كما أشرت من توسعات هائلة لم تسبق في التاريخ الإسلامي قط. نسأل الله أن يجزل الأجر والمثوبة لولاة أمورنا على ما بذلوه في سبيل تذليل العقبات لحج بيت الله الحرام إنه سميع مجيب. * وكيل الوزارة المساعد لشؤون المساجد