مر الحرم المكي بتوسعات عدة منذ أن فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، أزال ما كان على الكعبة من أصنام، وكان يكسوها ويطيبها، ولكنه لم يقم بعمل تعديل على عمارة الكعبة وما حولها كما لم يرجع الكعبة إلى سابق عهدها في أيام سيدنا إبراهيم عليه السلام خشية من الفتنة؛ لأن قومه كانوا حديثي عهد بالإسلام، لكن كانت أهم الأحداث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هو توجيه القبلة بأمر من الله إلى المسجد الحرام. وظل المسجد الحرام على حاله طوال خلافة أبي بكر الصديق من دون تغيير، ثم بدأت أول توسعة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في العام السابع الهجري، بعدما استشعر مدى الحاجة لهذه التوسعة حين رأى الزّيادات المطّردة في عدد الحُجّاج الذين يفدون للطّواف حول الكعبة المشرّفة سنوياً، وعجز المطاف عن استيعاب تلك الزّيادات، فقام بشراء البيوت المجاورة للمسجد، ووسّع بها ساحة المطاف وجعل لها أبوابًا يدخل الحجّاج والمعتمرون منها للطّواف حول الكعبة المشرفة. أما في العهد السعودية فبدأت توسعة المسجد الحرام في عهد الملك عبدالعزيز، ثم جرت توسعة شاملة لبيت الله الحرام وعمارته في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز تضمنت ثلاث مراحل: شملت إزالة المنشآت السكنية والتجارية التي كانت مجاورة للمسعى، وكذلك إزالة المباني التي كانت قريبة من المروة، وإنشاء طابق علوي للمسعى بارتفاع تسعة أمتار مع إقامة حائط طولي ذي اتجاهين، وتخصيص مسار مزدوج يستخدمه العجزة الذين يستعينون بالكراسي المتحركة في سعيهم مع إقامة حاجز في وسط المسعى يقسمه إلى قسمين لتيسير عملية السعي. كما أنشئ للحرم 16 باباً في الجهة الشرقية (ناحية المسعى)، كما تمّ إنشاء درج ذي مسارين لكلّ من الصّفا والمروة؛ خصّص أحدهما للصّعود والآخر للهبوط. كما أنشئ مجرى بعرض خمسة أمتار وارتفاع يتراوح بين أربعة وستة أمتار لتحويل مجرى السّيل الذي كان يخترق المسعى ويتسرّب إلى داخل الحرم، كما تمت توسعة منطقة المطاف على النّحو الذي هو عليه الآن، كما أقيمت السّلالم الحاليّة لبئر زمزم. وكان المطاف بشكله البيضاويّ يبدو وكأنّه عنق زجاجة؛ الأمر الذي كان سبباً في تزاحم الطّائفين حول الكعبة المشرّفة. وزال هذا الوضع بعد إجراء توسعة المطاف، وكذلك جرت وفق هذه التّوسعة إزالة قبّة زمزم التي كان يستخدمها المؤذّنون الذين أنشئ لهم مبنى خاص على حدود المطاف إضافة إلى بعض التطويرات الكثيرة، وأصبحت مساحة مسطحات المسجد الحرام بعد هذه التوسعة 193000 متر مربع، بعد أن كانت 29127 متراً مربعاً؛ أي بزيادة قدرها 131041 متراً مربعاً. وأصبح الحرم المكي بعدها يتسع لحوالى 400 ألف مصلٍ، وشملت هذه التوسعة ترميم الكعبة المشرفة وتوسعة المطاف وتجديد مقام إبراهيم. وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز تم الإبقاء على البناء العثماني القديم، مع عمل تصاميم العمارة الجديدة بأفضل أساليب الدمج التي تحقق الانسجام بين القديم والجديد. وما زال البناء الحالي يجمع بين التراث والمعاصرة. أما في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد فخضع الحرم المكي للتوسعة، وتم وضع حجر الأساس لتوسعة المسجد الحرام بمكةالمكرمة، بحيث تتألف من الطابق السفلي (الأقبية) والطابق الأرضي والطابق الأول وصمم، وتم بناؤه على أساس تكييف شامل، وعمل محطة للتبريد في أجياد، وروعي في الأقبية تركيب جميع الأمور الضرورية من تمديدات وقنوات، وعُملت فتحات في أعلى الأعمدة المربعة، اذ يتم ضخ الهواء والماء البارد فيها من المحطة المركزية للتكييف في أجياد. ومبنى التوسعة منسجم تماماً في شكله العام مع مبنى التوسعة الأولى، وكُسيت الأعمدة بالرخام الأبيض الناصع، كما كسيت أرضها بالرخام الأبيض، أما الجدران فكسيت من الخارج بالرخام الأسود المموج والحجر الاصطناعي، وكذلك من الداخل مع تزيينها بزخارف إسلامية جميلة، ويبلغ عدد الأعمدة للطابق الواحد 350 عموداً دائرياً ومربعاً. وجعل في هذه التوسعة 14 باباً؛ فبذلك صارت أبواب المسجد الحرام 112 باباً، وصنعت الأبواب من أجود أنواع الخشب، وكُسيت بمعدن مصقول ضبط بحليات نحاسية، وصُنعت النوافذ والشبابيك من الألومونيوم الأصفر المخروط وزينت بمعدن مصقول بحليات نحاسية، وعمل لهذه التوسعة مبنيان للسلالم الكهربائية في شماله وجنوبه وسُلّمان داخليان؛ وبذلك يصبح مجموع السلالم الكهربائية في المسجد الحرام تسعة سلالم، هذا عدا السلالم الثابتة الموزعة في أنحاء مبنى المسجد الحرام. وفي سنة 1991 أُحدثت ساحات كبيرة محيطة بالمسجد الحرام، وهُيئت للصلاة، لاسيما في أوقات الزحام بتبليطها برخام بارد ومقاوم للحرارة وإنارتها وفرشها، وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات 88.000 متر مربع، وفي سنة 1994 تمت في المسجد الحرام توسعة منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلاً للساعين؛ وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا، فيما جرت في سنة 1996 إعادة تهيئة منطقة المروة لغرض القضاء على الزحام في هذا الموقع. وشهد بناء وعمارة المسجد الحرام على امتداد أكثر من 14 قرناً نقلات معمارية كثيرة على مر العصور، إلا أن توسعة الملك عبدالله الحالية شهدت تطوراً وتوسّعاً أفقياً ورأسياً وخدمياً، إذ تعد علامة بارزة في تاريخ عمارة المسجد الحرام تضاف إلى المشاريع الكثيرة التي شهدها المسجد الحرام في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومنها توسعة المسعى الذي ارتفعت طاقته الاستيعابية من 44 أإلى 118 ألف ساعٍٍ في الساعة، وهو ما سهل على الحجاج والمعتمرين إكمال مناسكهم، ثم ارتبط بهذه التوسعة دراسة توسعة المطاف والأمر بتكييف كامل المسجد الحرام اللذين يتوقع ظهورهما قريباً تسهيلاً وتيسيراً للمسلمين، ومن تلك الإنجازات مشروع سقيا زمزم، الذي وفَّر الماء المبارك بأسلوب تقني متطور.