لبست طهران جلدها الناعم وبدأت الزحف بنعومة نحو أهدافها اللينة والمستعصية، فتخلت عن دعاية إزالة اسرائيل من الخريطة، وغدت واشنطن لها صديقا محتملا بعدما كانت عدوا محتملا.. وحسن النوايا مسار سياسي جديد فتحته لأهل الخليج، دولة الملالي التي حافظت على برنامجها النووي من مخاطر المواجهة العسكرية مع اسرائيل والولايات المتحدة في فترة حكم أحمدي نجاد الذي جعل من لغة التصعيد والتهديد حواجز منيعة لم تستطع لغات التفاوض الغربي والدعاية الاسرائيلية تجاوزها، وصمدت سياسيا لأكثر من ثماني سنوات بقوتها الذاتية مرة، وبضعف الارادة السياسية الدولية مرات عديدة، اليوم تريد ان تحافظ على مكاسب الامس ولكن بأسلوب مختلف، فالعالم الذي تحمل قسوة حضورها السياسي في السابق ولم يتخذ خطوة جادة واحدة باتجاه تفكيك ترسانتها النووية، يستحق هذا العالم – وفق رؤية طهران الجديدة- أن تصافحه بيد ناعمة تقديرا على صبره عليها.. نعومة لغة طهران بالتأكيد ستكون معها نعومة سياسية، ليس باتجاه الخليج الذي ستكتفي بنعومة لغتها معه فقط، ولكن باتجاه اسرائيل فقد تجاوزت الدولتان جميع الاختبارات الصعبة بنجاح، فإسرائيل لم تضرب طهران عسكريا رغم تهديداتها الكثيرة، وطهران لم تمحُ اسرائيل من الخريطة، فقد كانت ضربات عسكرية اسرائيلية وجهت لطهران ولكنها على اراض عربية والدولة التي ربما تزول من الخريطة ايضا دولة عربية، فالدم العربي قدم قربانا للعلاقات السلمية المنتظرة، والأراضي العربية قريبا ستكون ثمناً لتلك العلاقات، وقد يكون من بين تلك الأراضي سيناء مصر فحركة حماس تستعجل إنجاز تلك العلاقات وتستعجل المكافأة، فقط تنتظر الاتفاق الايراني - الاسرائيلي الذي سوف تباركه واشنطن وعندها سنشهد خيانات عظيمة ترتكب على أرض سيناء المباركة، فمصر لم تعد حليفا استراتيجيا لواشنطن، وتل أبيب امامها فرصة تاريخية لا يمكن أن تفوتها، وطهران هذا هو طريقها الوحيد لحماية برنامجها النووي من ضربات واشنطن واسرائيل العسكرية، وحليفة طهران حماس لا تطمع بأكثر من أن تكون موجودة أياً كان ذاك الوجود أو على حساب من. دول الخليج تحتاج لثلاثة عيون لقراءة سيناريو علاقة طهرانوواشنطن الجديدة، عين على واشنطن لتعرف وزن تحالفها مع البيت الابيض مقارنة بتحالف طهران معه، وإن رجحت الكفة لصالح تحالف واشنطن مع طهران فسيحمل الأمر خطورة كبيرة لأهل الخليج، والعين الثانية تنظر بها لتحالفات طهران مع الصين وروسيا لمعرفة مدى رضاهما واقتناعهما بعلاقة الملالي مع البيت الابيض ومن المؤكد ان دول الخليج ستجد حلقة استقطاب جديدة قد تكون مؤلمة ولكنها مفيدة، والعين الثالثة تركز بها على الداخل الايراني بشكله السياسي والاستثماري فسياسيا لبعض دول الخليج علاقات جيدة مع اقطاب السياسة الايرانية فعلى تلك الدول التي تتمتع بعلاقات مقبولة في طهران أن توحد سياستها باتجاه طهران مع الدول التي درجة الثقة بها أقل فالموقف السياسي الخليجي الواحد إن لم يمنع التدخل الايراني الناعم في الخليج فسوف يؤجله حتى تظهر عوامل جديدة تساعد على منع التدخل او تظهر قناعات ايرانية جديدة ترى أن التدخل في شؤون الخليج فكرة تاريخية عاطفية لا تقدم شيئا لمستقبلها، أما من الناحية الاستثمارية فدول الخليج لديها القوة المالية التي إن هيأت طهران لها الضمانات السياسية والقانونية فقد تساعدها على تجاوز ازمتها الاقتصادية، وعن طريق الاستثمار سوف تسود الرؤية العقلانية ومع الوقت ربما تتغلب على الرؤية العاطفية المشحونة بأوهام التاريخ التي لا تحيا الا وسط القوميات الكسولة مثل القومية العربية والقومية الفارسية. ربما نشهد في الاعوام القادمة حضور بعض المستحيلات مثل السلام بين اسرائيل وطهران فبعد ربيع العرب لا يمكن تصور سلام بين العرب وإسرائيل قبل أن يكون هناك سلام يبدأ من طهران، وفي هذا السياق نتذكر مبادرة الملك عبدالله للسلام 2002 فلو تمت تلك المبادرة لتغيرت اشياء كثيرة لصالح العرب، ولكن للأسف عملت طهران وبعض الدول العربية ومعهم اسرائيل على إجهاضها، فايران وتل ابيب تنتظران مثل هذا التوقيت لكي يخرج العرب من معادلات التأثير في المنطقة، لتحدد خريطة المنطقة وفق رؤيتهما، فهل يدرك اهل الخليج اليوم عند بناء علاقتهم الجديدة مع طهران الشيء الكبير الذي رفضه العرب؟ ذاك الشيء الذي هو التفاوض بشكل جماعي وليس فرديا، أم إن تكرار الأخطاء أمر ثابت في السياسة العربية؟