يعاني كثير من الأبناء من وجود أب ذي طباع عصبية، أو بمعنى أصح «حمقي»، يتنرفز على أتفه الأسباب، معتقداً أنه بذلك يفرض نفسه، ويفرض هيمنته على كل صغيرة وكبيرة في المنزل، متناسياً أهمية تأسيس أُسرة مبينة على الاحترام المُتبادل بين الآباء والأبناء، ليدخل في بحر «عدم التفاهم»، وهو ما يؤدي إلى عدم راحة الأبناء، وقد يضطرهم ذلك إلى مغادرة المنزل، ثم الوقوع في «متاهات» عديدة هم في غنى عنها، ولو تعامل الأب معهم بطريقة فيها الحُب والاحترام والتفاهم لأصبحت الأسرة سعيدة ودون مشاكل تُذكر. أب عصبي وقالت «أم جنى»- موظفة-: إن زوجها يعمل معلماً، وهو ما جعله يُفرط كثيراً في الغضب والصراخ لأتفه الأمور، مضيفةًَ أنه لا يمل من تكرار طلبه لمتابعة أبنائه في المذاكرة، حيث يستمر في مناداتهم وحثهم على إحضار الكتب والاطلاع على واجباتهم المدرسية، مبينةً أنهم يتحججون بأعذار واهية تمنعهم من الجلوس بجانبه لمساعدتهم؛ لعصبيته المفرطة وغضبه عند صدور الأخطاء منهم، مشيرةً إلى أنهم يتحينون الفرصة لمغادرة والدهم المنزل كي يطلبوا منها المساعدة. وأوضحت «مرام»- طالبة جامعية- أنه أصبحت والدتها مراسلة لها ولأخوتها لنقل ما يرغبون قوله إلى والدها، مبينةً أن «الطق دائماً يكون رأس الوالدة»، مشيرةً إلى أن لها طُرقها الخاصة في التعامل مع والدها، إضافةً إلى أنها تفضل أن يصب جام غضبه عليها حتى نسلم نحن. بُكاء وعقاب وذكرت «أم عبدالحميد» -ربة منزل- أن زوجها لا يكاد تمر ساعة إلاّ ويعلو صراخه أرجاء المنزل في كل صغيرة وكبيرة، وأصبح مصدر قلق لأبنائها، خاصةً أطفالها، فأحدهم عندما يصدر منه خطأ يجهش بالبكاء لمجرد أن تقع عيناه على أبيه، وقبل أن يتحدث معه، فهو يعلم مسبقاً ما سيحدث له. وضربت «أميمة» -طالبة- مثالاً على هذا النوع من الآباء وقالت: زوج أختي هو من هذا النوع، وقد نتج عن عصبيته المفرطة أن أبناءه أصبحوا يتحاشون الحديث معه، ويخشون استشارته أو إبلاغه بتحركاتهم اليومية، بل ويلجؤون إلى والدتهم في كل شؤونهم. لا تُناقش وأكدت «تهاني عبدالعزيز» -موظفة- على أن أفضل أُسلوب يجب اتباعه مع هذا النوع من الآباء، هو عدم الاستمرار في مناقشة أي موضوع يثير انفعاله، مع تأجيل المناقشة حتى يهدأ، أو عندما يحاول هو العودة لنفس الموضوع، مضيفةً: «جربت هذا شخصياً، ففي معظم الأحيان يحاول إعادة فتح الموضوع بعد أن يهدأ، وكأنه يقول أنا مستعد الآن»، مبينةً أنها مؤمنة أن أول تصرف يجب أن تفعله الزوجة والأولاد هو الكف عن الخوض في مناقشة الأمور مهما كانت أهميتها، حتى يهدأ الأب ويعطي إشارة البدء لمعاودة الحديث. وتساءلت «موضي العبدالله» -موظفة- عن أي علاقة يبنيها هذا الأب مع أبنائه خاصة الأطفال؟، وكيف سيكون أخاً وصديقاً لكبيرهم؟، مؤكدةً على أن علاقة الوالد بأبنائه تبدأ منذ نعومة أظفارهم، مبينةً أن البعض من الآباء لا يعي من الأبوة إلاّ مبدأ التسلط وفرض الرأي، أو هكذا يعتقد معناها، وقد يكون وارثاً لهذا المبدأ من والده مما يجعل أبناءه يرثون المبدأ نفسه. تبلد إحساس وقالت «ندى السعيد» -معلمة-: إن من أنجح الأساليب لمناقشة الأب العصبي دون حدوث غضب أو انفعال هو اختيار الوقت الملائم للدخول في أي موضوع تعتقد الزوجة أو الأبناء أنه سيغضبه، مضيفةً أن من الأوقات التي تعتبرها ممنوعة لمناقشة أي أمر قد يثير الغضب هو وقت الظهيرة، وكذلك كافة الأوقات التي يكون فيها الأب مرهقاً جسدياً أو ذهنياً. وذكرت»أم ريان» -ربة منزل- أن أولادها أصبح لديهم تبلد بصورة غير طبيعية بعد أن اعتادوا على منوال والدهم، مضيفةً أنه أصبحت عصبيته لا تحرك فيهم ساكناً، مما يزيد «طينة» الغضب لديه بلّة, لافتةً إلى أن أسلوبهم انعكس على والدهم سلباً وعليها صحياً ونفسياً, كل هذا نتج من اعتيادهم على غضبه وصراخه. مرح وفكاهة وأكدت «آسية البراهيم» -أخصائية اجتماعية- على أن هذا النوع من الآباء بإمكانه التغيير، أو الحد من نوبات الغضب التي تنتابهم عند كل شاردة وواردة، مضيفةً أنه بمقدور الزوجة معرفة الأمور التي تثير غضب وعصبية الزوج وتعكر مزاجه وتجنب آثارتها وتجنب كل ما يؤدي إلى تأجيج غضبه، فعلى سبيل المثال تجنب بعض العبارات «لماذا أنت غاضب؟»، «الأمر بسيط»، «لا تنفعل فهذا يؤثر على صحتك»، مبينةً أن حالته لا تمكنه من استقبال التوجيهات، بل تزيد فتيل الغضب اشتعالاً، حيث بإمكانها والأبناء التلطيف من نرفزته بقول: «كل ما تريده سيكون»، دون الإفراط في الاعتذار، خاصةً وهو في حالته تلك, ومن ثم تأتي المصارحة، لكن في أوقات هدوئه مع عدم المعاتبة، ناصحةً بافتعال المرح والفكاهة في المواقف التي يمكنهم تعديل أجوائها، وما أعظم أن نتدبر قوله تعالى: «وجعلنا بينهم مودة ورحمة». فرض هيمنة وأوضحت «آسية البراهيم» أنه قد يفتعل الزوج أحياناً، إما بحثاً عن الاهتمام أو لفرض الهيمنة، لكن في المقابل نجد أن من يحمل هذه السمات طيباً سريع الرضا، مُشددةً على أن للغضب والعصبية أسباباً كثيرة، منها الأسباب المرضية التي تجلب التوتر، كما لا ننسى هموم الحياة ومشاكلها، إضافةً إلى أن الزوج قد نشأ في بيت مضطرب وقد يرث من والده سماته السلبية التي رسخت في ذهنه منذ الصغر، حيث إنه لم يعرف غيرها، وتطبع بها، فنقلها إلى «عشّه» هو بعد زواجه، لافتةً إلى أن بعض الزوجات بمجرد أن تجد الزوج قد ساء مزاجه وتغيّر تشاطره الانفعال، وقد يكون بصورة أكبر، فيهيمن العناد على كل منهما، ثم تشتكي طباعه، مؤكدة على أنها تستطيع أن تعيد المياه إلى مجاريها لو استخدمت ذكاءها.