سحر المكان يأخذني إلى حدود المالانهاية مع كل نفحة عطر أشمها في خيالي أتذكر ذلك المكان الموجود في تلك القرية على أعلى الجبل أذكر صبا الصباح يداعب وجهي، وعبير الورد تنتشي به روحي مع كل ذرة غبار حطت على ملابسي أو حذائي أذكر ذلك المكان جيداً أذكر الأواني التي ماتغير محلها من السنين أذكر أرضه، مغسلته، سقفه، الدهان المتدلي بماء المطر نعم أذكره أذكر غرفتي المطلة على شجرة الليمون، المكتسية بفستانها الأبيض شتاءً، والمتعطرة بأجمل من العطور الفرنسية. أذكر سريري الذي طالما استحملني وضمني بلحافه أذكر دراستي مع وردات الحديقة ولطالما مشيت ذلك الطريق مئات بل آلاف المرات، مصبحاً وممسياً، غادياً ورائحاً لأعز الناس إلى قلبي جدتي -رحمها الله- فكم بت في بيتها في حضنها، وكم داعبت شعري بيديها الحانيتين، وكم دعت لي بالبركة والعمر المديد السعادة والصحب الطيب، فكم حلقنا أنا وهي بذكرى صباها، أهلها إخوتها جيرانها، وكم حلقت بي في فضاء جدي بفروسيته.. وكم رأيت في عينيها مرارة السنين،و محبة أولادها وأحفادها والناس. اذكر تلك السجادة في ركن بيتها، من كثرة سجودها وصلاتها آناء الليل وأطراف النهار في زمهرير الشتاء، وحريق الصيف نعم أذكر تلك الذكريات التي تملأ جعبتي تلك الذكريات التي تونس وحشة الغربة الفظيعة، وتبرئ جراحها فهل تذكرون ما أذكر؟!..