في آب أغسطس 2013، كشفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن طلب عراقي للحصول على منظومة دفاع جوي متكاملة، تشمل صواريخ أرض- جو، ورادارات متوسطة وبعيدة المدى، وبناء مركز قيادة وتحكم. وتبلغ القيمة الإجمالية للصفقة 2.4 مليار دولار، ويُرجح أن تصبح أساس الدفاع الجوي العراقي. وقد قطع العراق شوطاً أولياً على صعيد إعادة بناء قواته البرية، وشوطاً أقل على مستوى سلاح الجو، في حين لا زالت مساعيه أولية بالنسبة للدفاع الجوي. وفي ذلك كله، لعبت الولاياتالمتحدة دوراً أساسياً، لازال مستمراً بصور مختلفة. وهي تمثل مبدئياً مصدر التسليح الرئيسي للقوات الأمنية والعسكرية العراقية. كما قامت بتمويل أو تغطية بعض المشتريات العسكرية، وقدمت أخرى في صورة معونات وهبات. ودخلت مع بغداد في برامج مختلفة على مستوى التدريب والإعداد العسكري، والمناورات الحربية. لعبت الولاياتالمتحدة دوراً أساسياً، لازال مستمراً بصور مختلفة. وهي تمثل مبدئياً مصدر التسليح الرئيسي للقوات الأمنية والعسكرية العراقية. كما قامت بتمويل أو تغطية بعض المشتريات العسكرية، وقدمت أخرى في صورة معونات وهبات وقد جرى تأطير التعاون الدفاعي بين الولاياتالمتحدة والعراق في اتفاقات تفصيلية، تستند جميعها إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي، الموقعة بين البلدين، في السابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر عام 2008. وقد نصت هذه الاتفاقية، في أحد بنودها، على "أنه تعزيزاً للأمن والاستقرار في العراق، والمساهمة في حفظ السلم والاستقرار الدوليين، وتعزيزاً لقدرة جمهورية العراق على ردع كافة التهديدات الموجهة ضد سيادتها، وأمنها وسلامة أراضيها، يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية". ويخوّل برنامج المبيعات العسكرية الخارجية (F.M.S) الجانب الأميركي شراء الأسلحة والمعدات لوزارتي الدفاع والداخلية العراقيتين، وذلك منذ تشرين الأول أكتوبر 2006. وقد بلغت القيمة المالية للعتاد المستلم 962 مليوناً و300 ألف دولار، حتى نهاية آب أغسطس 2011. وقد أنشئ "مكتب التعاون الأمني" في السفارة الأميركية في بغداد، ليعنى بشؤون الاستشارات والتدريب والمبيعات العسكرية. ويتبع هذا المكتب أكثر من 225 عسكرياً أميركياً، وسبعة مدنيين، تابعين لوزارة الدفاع الأميركية، إضافة إلى 530 عضواً في فريق المساعدة الأمنية، وأكثر من 4000 موظف متعاقد بدعوة من الحكومة العراقية. كما يبلغ عدد العاملين في الجيش الأميركي المتبقين في العراق حوالي 200 عنصر، يعملون لمصلحة هذا المكتب. وأعلنت واشنطن أنها ماضية في خطط تسليح وتدريب للجيش العراقي، بتكلفة إجمالية تفوق العشرة مليارات دولار. ويقول البنتاغون إن الغرض من مبيعات الأسلحة للعراق هو مساعدته في تعزيز قدراته في الدفاع عن سيادته، في مواجهة التهديدات الخارجية، وأنها لا تمثل تهديداً لأحد. ويشير البنتاغون، كما وزارة الخارجية الأميركية، إلى أن المبيعات العسكرية للعراق، تخضع لاتفاقات تسمح للمفتشين الأميركيين بمراقبة كيفية استخدام الأسلحة، لضمان عدم انتهاك شروط البيع. ويرى الخبراء الأميركيون أن على الولاياتالمتحدة أن تركز على بناء القدرات العسكرية العراقية، من خلال تقديم المشورة الفنية والخدمات الاستشارية والتكنولوجيا، ونقل المعرفة. ويمكن لهذه المساعدات أن تلعب دوراً هاماً على المستوى الوطني، كما على صعيد حماية المصالح الحيوية الأميركية في الخليج العربي عامة. ولذا من الأهمية بمكان، كما يرى هؤلاء، أن تكون الولاياتالمتحدة على استعداد لبيع الأسلحة الرئيسية للعراق. وإن نهجاً كهذا يُمكن أن يساعد على تحقيق الاستقرار الإقليمي. ومن هنا، ينبغي النظر إلى هذه المبيعات من منظور استراتيجي كلي، فهي ليست مجرد أمر مرغوب فيه، بل جوهري وحاسم. وكانت القوات الأمنية العراقية قد حُلت بُعيد الغزو الأميركي، حيث أصدر الحاكم المدني الأميركي، بول بريمر، في 23 أيار مايو 2003، الأمر رقم (2)، الذي قضى بحل الجيش العراقي، ووزارة الدفاع العراقية، وكلية الهندسة العسكرية التابعة لها. وكذلك كافة التشكيلات العسكرية والأمنية الأخرى. وفي آب أغسطس 2003، بدأ تشكيل أول فوج عراقي جديد (NIA)، وبدأ تدريبه بدورة مدتها تسعة أسابيع. وتخرج هذا الفوج في تشرين الأول أكتوبر من العام نفسه. وقد جرى التدريب التأسيسي للجيش الجديد، في المرحلة الأولى، عن طريق مقاولين أميركيين من مؤسسة ڤينيل (Vinnel)، تحت إشراف عسكريين من قوات التحالف، بقيادة الجنرال بول إيتون، القائد السابق لمدرسة المشاة الأميركية. وبعد أحداث العنف التي عصفت بالعراق عامي 2006 -2007، نفذت الولاياتالمتحدة خطة زيادة القوات الأميركية، وقد نجحت الخطة، بالتعاون مع قوات الصحوة، في خفض وتيرة العنف على نحو ملحوظ. وبموازاة استراتيجية التعزيز/ الخروج الأميركية في العراق، تقرر زيادة عديد الجيش العراقي، حتى أصبح في العام 2007 ما مجموعه 10 فرق عسكرية، 9 منها مشاة خفيفة، وواحدة آلية / مدرعة. وفي العام 2012، كان تعداد الجيش العراقي يبلغ حوالي 300 ألف عسكري، فيما يبلغ إجمالي القوات العسكرية العراقية، بما فيها تلك التابعة لوزارة الداخلية، حوالي مليون عنصر. ويزيد تعداد القوات الجوية قليلاً عن خمسة آلاف عنصر، والبحرية حوالي 3600 عنصر. وهناك اعتقاد اليوم بأن القوات العراقية قد تخطت المراحل التأسيسية الصعبة، وبدت في صورة تنظيمية وإدارية تؤهلها الاطلاع بالمهام الملقاة على عاتقها. وتبقى القضية الرئيسية مرتبطة بالإمكانات التسليحية. وقد قاد تقدم العملية السياسية، ومشروع المصالحة الوطنية، باتجاه تحرك الدولة العراقية نحو إعادة الكوادر العسكرية الكبيرة التي خسرتها بعد حل الجيش العراقي. وبعد بدايات أولية متعثرة، شهدت مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركية نهاية العام 2011، تركيزاً متزايداً باتجاه الاستفادة من الضباط العراقيين، الذين خدموا في عهد الرئيس صدام حسين. وعلى صعيد المسار التسليحي، تسارعت وتيرة تسليح القوات البرية، إلا أن الفروع الدفاعية الأخرى، الجوية والبحرية، لم تحصل على قدرات موازية. وبالنسبة لسلاح الجو، جاء التطوّر الأكثر مغزى في الاتفاق العراقي الأميركي على صفقة طائرات (F-16)/F-16C Block 52 Fighting Falcon/، التي جرى التوافق بشأنها في العام 2010، حيث تقرر أن يستلم العراق 18 مقاتلة من هذه المقاتلات الحديثة، التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن، والتي تنتمي للجيل الرابع من الطائرات الحربية. وفي 27 أيلول سبتمبر 2011، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن العراق قام بتحويل الدفعة الأولى من قيمة الصفقة، مما عنى أنها قد أخذت طريقها للتنفيذ. والقيمة الكلية لهذه الصفقة هي في حدود الثلاثة مليارات دولار، شاملة الصيانة والتدريب. وقد أعلن العراق عن مضاعفة حجمها ليشمل 36 طائرة. وأشار إلى أن قيمة شراء هذه الطائرات سوف تموّل من فائض واردات النفط العراقية، بعد ارتفاع أسعاره عالمياً. وفي تشرين الأول أكتوبر من العام 2012، أوضحت بغداد بأن موعد تسلم الدفعة الثانية من طائرات (F16) سيتداخل مع موعد استلام الدفعة الأولى، التي دفعت مبالغها المالية بصورة كاملة. وتحمل الدفعة الثانية من طائرات (F16) نفس مواصفات طائرات الدفعة الأولى، باستثناء بعض التعديلات المحدودة. والطائرة (F-16 Falcon) هي طائرة متعددة المهام، تصل سرعتها إلى 1500 ميل في الساعة. وهي تستخدم الصاروخ (M-61A1)، من عيار 20 ملم. ويُمكن أن تحتوي محطة خارجية على ستة صواريخ جو – جو. ويتكون الطاقم من شخص أو شخصين. وقد أعلنت بغداد أن تدريب الملاكات العراقية على طائرات (16 F) يحتاج من سنتين ونصف إلى ثلاث سنوات. على الصعيد السياسي الداخلي، أثارت صفقة ال (F-16) قلقاً كردستانياً، وحدث تراشق بالتصريحات بين أربيل وبغداد، إذ خشي الأكراد أن تستخدم هذه الطائرات في أية مواجهة محتملة معهم. وبالطبع، لا تبدو هذه الخشية سبباً لمنع العراق من تطوير قدراته الجوية، أسوة ببقية دول العالم. وعلى الرغم مما حصل عليه العراق حتى اليوم من قدرات على صعيد قوته الجوية، وما جرى توقيعه من عقود لهذا الغرض، فإن سلاح الجو العراقي لا تزال أمامه سنوات لفرض السيادة الجوية الكاملة على البلاد. وعلى نحو مبدئي أيضاً، فإن العراق ليس بحاجة إلى كم متزايد من الطائرات الحربية كي يحقق سيادة جوية متكاملة الأبعاد. وحيث إن الأسلحة الجوية عموماً هي الأغلى والأكثر كلفة، فإن العودة إلى حظائر الطائرات الكبيرة من شأنه أن يُمثل عامل ضغط على موازنة الدفاع، يكون على حساب الفروع الأخرى للقوات المسلحة، بما في ذلك الدفاع الجوي، الذي يُعد بناؤه هو الآخر فائق التكلفة. وفي المجمل، يُمكن للعراق أن يزيد من اعتماده على الطائرات بدون طيار، رخيصة الثمن نسبياً. فهذه الطائرات سوف تنهض في المستقبل المنظور بجزء كبير من المهمات التي تقوم بها الطائرات الحربية حالياً، لاسيما في مجال الاستطلاع. ويجب التأكيد على أن تحقيق السيادة على المجال الجوي، والدفاع عنه، لا يتحقق فقط بالطائرات الحربية، أو الطائرات بدون طيار، بل يتطلب بالضرورة منظومة رادار متطوّرة، وشبكة قيادة وتحكم، ومنظومات أرضية كالصواريخ، وقواعد جوية متقدمة.