سعدت كثيراً بالقرار الأخير الذي اتخذه مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز الخيرية القاضي بإنشاء متحف بمدينة الرياض يحمل اسم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله)، ويختص بمقتنيات سموه، وبكل ما يتعلق بتاريخه الحافل على جميع المستويات المحلية والعربية والإسلامية والعالمية. وطبقاً لما صرّح به صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، رئيس أمناء المؤسسة فإن متحف الأمير سلطان سيكون معلماً بارزاً من معالم منطقة الرياض إن لم يكن معلماً من معالم المملكة. ومما لا شك فيه أن هذا القرار التاريخي الذي اتخذه أبناء الفقيد (رحمه الله) سيسعد كثيرين غيري ممن يعرفون مكانة سمو الأمير سلطان، وما أسهم به (رحمه الله) من أعمال خير وأفعال بر لخدمة الإنسانية ليس على مستوى وطنه وحسب، وإنما على مستوى العالم، فضلاً عن أن وطنه يحفظ لسموه أحد أبرز رجالاته الذين خدموه في مختلف المجالات السياسية والإدارية والعسكرية والتعليمية والتنموية والعلاقات الدولية، وقلّ أن تجد مرحلة من مراحل تطور المملكة العربية السعودية الحديث على مدى أكثر من 60 عاماً إلا ولسموه له فيها بصمات واضحة، ومنجزات تضعه في سجل الخالدين. وما أظن أحداً من أبناء هذا الوطن المعطاء، أو من خارجه إلا ويعرف جمائل سموه ومعروفه وأفعاله وأعماله في مختلف وجوه البر والخير، ومنهم من له معه (رحمه الله) أجمل المواقف، وأطيب الذكريات، وهذا كله سيكون في حالة فتح المجال أمام كل من له تجارب أو مواقف أو ذكريات مع سمو الأمير سلطان أن يدلي بها مكتوبة أو مسجلة، أو من خلال إجراء بعض المقابلات الشخصية، وجمع الرواية الشفوية عن سموه بهدف نشرها بعد اكتمالها في مدونة من عدة مجلدات بحيث تكون مرجعاً للدارسين والباحثين وطلاب العلم، ولكل من يود إثراء معارفه عن تلك الشخصية الفذة. فالأمير سلطان (رحمه الله) ذاكرة تاريخية متنقلة عن المملكة وتاريخها وعلاقاتها الخارجية، ومختلف عوامل نهضتها الحديثة، ذلك ما استشففته شخصياً من مقابلتين فقط جمعتني مع سموه بصحبة آخرين: المقابلة الأولى حينما شاركت في إعداد كتاب عن المواصلات والاتصالات أصدرته وزارة النقل بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، وكانت خطة الكتاب تستدعي إجراء مقابلات مع كل من عمل في وزارة المواصلات، أو له صلة بها، ولا سيما في بدايتها الأولى، وكان سمو الأمير سلطان على رأس من تقتضي الخطة مقابلتهم بوصفه وزيراً سابقاً للمواصلات والاتصالات. وقد تم ذلك بالفعل في مكتبه بجدة حيث استقبلنا سموه (رحمه الله) بكل ترحاب، وبابتسامته المعهودة، وبكل ماعرف عنه من أريحية وطيب نفس، وأفاض علينا بحديث ثريّ عبّر فيه عن حبه للمواصلات، وعشقه لها، وتجاربه مع شق الطرق وسفلتتها بما في ذلك طريق الهدا، وكيف أنه مع ابن لادن (رحمهما الله) قطعا المسافة على أقدامهما من أعلى قمة جبل كَرَا إلى أسفله، ثم إلى مكةالمكرمة، ليقوم سموه (رحمه الله) بأداء العمرة في نفس الليلة دون أن يتملكه التعب، أو يتطرق إليه النصب، وكان سموه – حينذاك – في عز شبابه، وقوته البدنية. وهذا الحديث مسجل على أشرطة سلمناها لوزارة النقل، وآمل أن تكون محفوظة لدى الوزارة، وفي متناول يد من يطلبها من الدارسين، وأذكر أنني حينما غادرت مكتب سموه عزمت على تأليف كتاب عن سموه (رحمه الله) بعنوان: الأمير سلطان وزيراً للمواصلات والاتصالات، يعتمد بشكل خاص على أحاديث سموه، وأحاديث معاصريه في الوزارة ممن عملوا معه، ولكن المشاغل صرفتني عنه. أما المرة الثانية التي قابلت فيها سمو الأمير سلطان فكانت حينما عُيّنت عضواً في مجلس إدارة الهيئة العليا للسياحة تحت رئاسة سموه، حيث ذهبت مع بقية الأعضاء بصحبة سمو الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز أمين عام الهيئة - حينذاك – للسلام على سموه في بيته العامر بالرياض، فاستقبلنا كعادته بالترحاب، وبطلاقة الوجه وبشاشته المعهودة، وتحدث (رحمه الله) في قضايا تاريخية مهمة، كثير منها غير مدون فيما نقرأه من تاريخ المملكة الذي بين أيدينا بما في ذلك العلاقة مع مصر في أيام الرئيس جمال عبدالناصر (رحمه الله)، وموقف المملكة مع مصر وسوريا والأردن في حرب 1967م، وأمور أخرى كثيرة تخص الشأن العام الداخلي والخارجي جديرة بالتدوين، فأسفت كثيراً أن يرحل عنا هذا الرجل العظيم والمسؤول الكبير دون أن يدون مذكراته بنفسه، أو يمليها على ذي ثقة من رجاله، فلعل مابقي منها في ذاكرة أبنائه، وإخوانه وفي ذاكرة من عملوا معه وهم كثر، وأيضاً كل من له تجارب ومواقف وذكريات مع سموه، سواء من عامة الناس أو من خاصتهم، سواء من الداخل أو من الخارج أن يكون في هذا المتحف قسم متخصص يكون من مهامه جمع شتات هذه المواقف والتجارب والذكريات، والعمل على تنظيمها وتبويبها ونشرها تباعاً في أجزاء أو فصول متفرقة، ثم جمعها فيما بعد في مجلدات متخصصة تحفظ لسموه مختلف مهامه ومنجزاته ومآثره. وتكون مرجعاً للباحثين والدارسين لتاريخ المملكة العربية السعودية الحديث والمعاصر خلال المدة التى كان لسموه (رحمه الله) إسهاماته المميزة في بنائها، فضلاً عن النواحي الاجتماعية والإنسانية التي ضرب فيها سموه بسهم وافر من أفعال البر وأعمال الخير والعطاء. رحم الله سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وطرح البركة في ذريته إلى يوم الدين.