الحمد لله الذي قدر الموت على البشر وجعل إليه المآل والمرجع والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد: لا شك أن الموت هو مآل كل كائن حي في الدنيا وهو حق ولكنه مؤلم فهو من حكمة الله البالغة حيث جعل الحياة الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، ولقد فجعت البلاد وفجع العباد بنبأ وفاة الأب الحاني والقائد الباني خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. فالمصاب أليم والرزء جسيم، كما قيل: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا فرس يموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهم يراع لموته خلق كثير ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه: إن العين لتدمع وأن القلب ليحزن وإنا على فراقك أيها الوالد الإمام لمحزونون، {إنا لله وإنا إليه راجعون}، والحمد لله على قضائه وقدره إن القائد الذي فقدته الأمة قد حقق لبلده ووطنه وشعبه منذ تسلمه زمام الحكم والقيادة في هذا البلد المبارك أموراً عظيمة وأعمالاً جليلة نفع الله بها الأمة لا تعد ولا تحصى يجدها ويحس بها كل عاقل ومنصف متتبع لسيرته العطرة ومسيرته المباركة ومن ذلك: - عمارته للمسجدين الشريفين المسجد الحرام والمسجد النبوي وتوسعتهما وتهيئة جميع الخدمات والمرافق المساندة لهما، وتعتبر تلك أكبر وأعظم عمارة وتوسعة للحرمين في التاريخ. - إنشاء مجمع مستقل لطباعة المصحف الشريف في مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام المدينةالمنورة خدمة لكتاب الله طباعة ونشراً وترجمة لمعانيه - إلى شتى لغات العالم - وخدمة لعلومه ليكون كتاب الله في يد كل مسلم، ولتكون ترجمة معانيه بين أيدي المسلمين الذين لا يعرفون اللغة العربية، مع طباعته بأحجام وأشكال مختلفة، وكذا تسجيله بأصوات المقرئين المعتبرين بروايات عدة تسجيلاً مرتلاً. - عمارة المشاعر المقدسة وتيسير شؤون الحجيج بإنشاء الطرق وحفر الأنفاق في أعماق الجبال لتيسير المواصلات بين تلك المشاعر حتى يستطيع الحاج والمعتمر تأدية المناسك بيسر وسهولة مع توفير ماء زمزم المبرد في الحرمين الشريفين. - استضافته السنوية لإعداد كبيرة من المسلمين الذين لم يحجوا من قبل ولا يملكون القدرة عليه. - مبراته السنوية لعموم الحجاج بالوجبة الغذائية المتكاملة طوال أيام الحج وفي جميع المشاعر المقدسة. - إنشاء الجوامع والمساجد داخل المملكة وخارجها، وبناء المراكز الإسلامية خارج المملكة. - دعم الجمعيات الخيرية مادياً ومعنوياً، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم، والجمعيات الإنسانية الأخرى داخل المملكة وخارجها. - إنشاء المدارس والمجمعات التعليمية للبنين والبنات والكليات والجامعات، والكليات الأهلية والفنية والتخصصية. - مناصرته للمسلمين وتفريج كرباتهم، ومواساتهم في النوائب والخطوب - كالزلازل والفيضانات. - لقد بذل الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله من وقته وجهده الكثير ونذر حياته في خدمة الإسلام والمسلمين، ومعالجة الكثير من القضايا الداخلية والخارجية وكان له حضوره الفاعل على الساحة العربية والإسلامية. لا شك أن الانجازات هي التي تتحدث عن الرجال وتخلد أسماءهم في ذاكرة التاريخ، وأن الانجازات الكبيرة والأعمال العظيمة التي تمت في عهد الملك فهد لتشهد بذلك. لقد عاش حياته يعمل لخدمة دينه ووطنه وتقدمه في جميع المجالات والميادين حيث دفع مسيرة الوطن الغالي إلى صفوف الدول المتقدمة علمياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكان رمزاً للحكمة والعقل ونفاذ البصيرة وحسن التصرف. فمناقب خادم الحرمين الشريفين كثيرة جداً لا تحصى، حيث أرسى دعائم التعليم والصحة والأمن والزراعة والتجارة والعلاقات الدولية مع جميع دول العالم قاطبة. كما أن مواقفه العظيمة لا يمكن أن تنسى فقد عرف عنه حنكته وحسن إدارته للأمور السياسية بعقل واستراتيجية بعيدة المدى. لا شك أن المجال لا يتسع لبيان وذكر مآثر ومناقب الفقيد الراحل التي شملت البلاد والعباد. لقد رحل الملك فهد رحمه الله عن هذه الدنيا الفانية بعد أن قاد فيها سفينة كبيرة هي المملكة العربية السعودية وبذل فيها من عمره ووقته في قيادتها ما بذل، جزاه الله خير الجزاء وقد خلفه في حمل الأمانة من بعده ملكاً للبلاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبايعته الأسرة المالكة الكريمة والأمة والشعب كما بويع الأمير سلطان ولياً للعهد فالحمد لله على اجتماع الكلمة والاعتصمام بحبل الله المتين. رحم الله الفقيد الغالي فقيد البلاد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وأعظم الله الأجر والثواب لإخوانه الكرام وأبنائه وأهله وشعبه، والحمد لله على قضائه وقدره. ووفق الله خلفه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز ويسر لهما طرق العمل الصالح الناجح في إدارة دفة هذه البلاد الكبيرة بإسلامها وقيمها ومبادئها. وستواصل المملكة العربية السعودية بمشيئة الله نهجها في تحقيق التقدم والرقي للمواطن السعودي وتواصل ثوابتها في دعمها ومناصرة القضايا العربية والإسلامية في ظل عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز حفظهما الله ووفقهما لكل خير، رافعاً لهما أصدق التعازي والمواساة في فقيد الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله.