إننا جميعاً نقف في دهشة لهذا الحدث الجلل الذي أصابنا وهذه الفاجعة التي داهمتنا فابكتنا جميعاً وهزتنا كيف لا وقد فقدنا الأب الأعز والراعي الحنون والقائد الباني الذي سهر على راحة الأمة الإسلامية قاطبة. قال الله تعالى: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}، {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً} إن رحيل الملك فهد بجسده لا يعني طي صفحات أعماله من ذاكرة الأمة ولا التاريخ.. إذ إن الهامات السامقة ستظل أبداً ودائماً في ذاكرتنا وفي وجداننا وسوف يسطرها التاريخ بمداد من ذهب. إن الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - يُعدُّ من عظماء الرجال القلائل الذين تركوا بصماتهم على جلائل الأعمال في كل الميادين في سبيل خدمة دينهم ثم بلادهم وأبناء وطنهم وأبناء الأمة الإسلامية والعربية. إن مآثر الملك فهد - رحمه الله - أكثر من أن تحصى وأياديه البيضاء لا تقتصر على المملكة فحسب بل تتعداها إلى أنحاء العالم الإسلامي والعربي كافة.. والتاريخ يشهد بذلك وقد كان أول اهتمامات الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - الحرمان الشريفان حيث اختار - رحمه الله - لنفسه لقب خادم الحرمين الشريفين حتى يجسد الحلم بالواقع وترجم ذلك بأكبر توسعة للحرمين الشريفين على مر العصور ويمكن للتوسعة الجديدة للحرم المكي الشريف أن تستوعب أكثر من مليون مصل في وقت الذروة وقد تكلفت هذه التوسعة (12) اثني عشر مليار ريال بما في ذلك نزع الملكيات. وكذلك المسجد النبوي الشريف أصبح بعد التوسعة يستوعب أكثر من مليون مصل في أوقات الذروة وقد كلف هذا المشروع الضخم أكثر من 30 مليار ريال سعودي. وقد نُفذت مشاريع أخرى مصاحبة لتوسعة الحرمين الشريفين المشاعر المقدسة وشملت الطرق والجسور والأنفاق وتمهيد الجبال والإنارة والتشجير وشبكات الطرق ومجمعات المياه وذلك لراحة ضيوف الرحمن وقد بلغت التكلفة أربعة مليارات ريال. ومن اهتماماته - رحمه الله - نشر القرآن الكريم وعلومه بافتتاح مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة وأصبح الحصول على القرآن الكريم باللغات المختلفة ميسوراً من مجمع الملك فهد وتوزع على نفقته الخاصة لشتى بقاع الأرض وقد أمر - رحمه الله - ببناء مئات المساجد والمراكز الإسلامية في جميع أنحاء العالم منها على سبيل المثال لا الحصر مركز خادم الحرمين الشريفين في مانت لاجولي بفرنسا والمراكز الإسلامية في روما ومدريد وبروكسل وجنيف وغيرها كثير من المراكز والمساجد، وكذلك دعمه ورعايته المنظمات الإسلامية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية ورابطة العالم الإسلامي وقد تبرع - رحمه الله - بتكاليف إقامة مبنى رابطة العالم الإسلامي بأم الجود، وقام شخصياً بافتتاحه في عام 1407ه، كما دعم - رحمه الله - المجلس الأعلى العالمي للمساجد برابطة العالم الإسلامي فقد حظي برعايته الدائمة ودعمه السخي الذي مكنه من بناء وترميم وتأثيث قرابة 2100 مسجد في مائة وعشرين دولة. وهذا غيض من فيض مما قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - أعلاءً لكلمة الله تعالى وخدمة لدينه وأمته ووطنه. فجزى الله الملك فهد خير الجزاء وأجزل له الجزاء الحسن نظير ما قدمه للإسلام والمسلمين.. اللهم اغفر له وأرحمه وأكرم نُزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأسكنه فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. كما أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود لما يحبه ويرضاه وأن يعينهما على حمل الأمانة العظيمة التي هم أهل لها وأن يحفظ عرين الإسلام المملكة العربية السعودية والأسرة المالكة الكريمة وشعب المملكة الوفي ورجالها الأوفياء من كل سوء وأن يعز الإسلام والمسلمين.